فصل: بَابُ الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ:

(قَالَ): رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلٌ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ فَفَاتَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، قَالَ: وَبَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَلْيَتَحَلَّلْ بِالْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ».
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَا رَوَاهُ الْأَسْوَدُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُولُ: مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، ثُمَّ لَقِيتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثِينَ سَنَةً فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَ مَا انْعَقَدَ صَحِيحًا فَطَرِيقُ الْخُرُوجِ عَنْهُ أَدَاءُ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ إمَّا الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ كَمَنْ أَحْرَمَ إحْرَامًا بِهِمَا وَهُنَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِالْحَجِّ حِينَ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ إنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- أَصْلُ إحْرَامِهِ بَاقٍ بِالْحَجِّ وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَصِيرُ إحْرَامُهُ إحْرَامَ عُمْرَةٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُؤَدِّيهِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَقَايَا أَعْمَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ الْتَزَمَ أَدَاءَ أَفْعَالٍ يَفُوتُ بَعْضُهَا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَا يَفُوتُهُ الْبَعْضُ فَيَسْقُط عَنْهُ مَا يَفُوتُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَيَلْزَمُهُ مَا لَا يَفُوتُ وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- قَالَا: الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لِلْحَجِّ إنَّمَا يَتَحَلَّلُ بِهِمَا مِنْ الْإِحْرَامِ بَعْدَ الْوُقُوفِ، فَأَمَّا قَبْلَ الْوُقُوفِ فَلَا، وَحَاجَتُهُ إلَى التَّحَلُّلِ هُنَا قَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّمَا يَأْتِي بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ يَتَحَلَّلُ بِهِمَا مِنْ الْإِحْرَامِ، وَذَلِكَ طَوَافُ الْعُمْرَةِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَصِيرُ أَصْلُ إحْرَامِهِ لِلْعُمْرَةِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- قَالَا: لَا يُمْكِنُ جَعْلُ إحْرَامِهِ لِلْعُمْرَةِ إلَّا بِفَسْخِ إحْرَامِ الْحَجِّ الَّذِي كَانَ شَرَعَ فِيهِ وَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ، وَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ لَكَانَ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ مِيقَاتُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ (قَالَ): فَإِنْ كَانَ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ فَقَدِمَ مَكَّةَ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِحَجِّهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَلَا يَجْعَلُ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ كَافِيًا لِلتَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ وَهُوَ سُنَّةٌ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ فَإِنْ كَانَ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى فَقَدْ أَتَى بِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ بِعُمْرَتِهِ يَطُوفُ لَهَا الْآنَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَفُوتُهُ، ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَ ذَلِكَ لِحَجَّتِهِ وَيَسْعَى حَتَّى يَتَحَلَّلَ، وَهَذَا دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- عَلَى أَنَّ أَصْلَ إحْرَامِهِ لَا يَنْقَلِبُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْقَلَبَ عُمْرَةً لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامِ عُمْرَتَيْنِ وَأَدَائِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ عَاجِزٌ عَنْ التَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَفَائِتُ الْحَجِّ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ فَائِتُ الْحَجِّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فِي الطَّوَافِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الطَّوَافَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ وَأَوَانُ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ فِي حَقِّهِ مَا هُوَ أَوَانُ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ فِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ فَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَإِنَّمَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَأْخُذُ فِي الطَّوَافِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ مَا فَاتَتْهُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَافَ لَهَا قَبْلَ الْفَوَاتِ فَلَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَهَا، وَإِنَّمَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا أَخَذَ فِي الطَّوَافِ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ عَنْ الْإِحْرَامِ فِي الْحَجِّ (قَالَ): وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَمَكَثَ حَرَامًا حَتَّى دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ فَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْرَامَهُ لَمْ يَنْقَلِبْ إحْرَامَ عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ انْقَلَبَ إحْرَامَ عُمْرَةٍ كَانَ مُتَمَتِّعًا كَمَنْ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَطَافَ لَهَا فِي شَوَّالٍ، وَلَكِنَّهُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ يَتَحَلَّلُ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فِي شَوَّالٍ، وَلَيْسَ هَذَا صُورَةَ الْمُتَمَتِّعِ (قَالَ): رَجُلٌ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ فَجَامَعَ فِيهَا ثُمَّ قَدِمَ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِجِمَاعِهِ وَيَحِلُّ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ فَكَمَا أَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ بَعْدَ الْفَوَاتِ يَكُونُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَكَذَلِكَ عَنْ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ، وَلَوْ كَانَ أَصَابَ فِي حَجِّهِ صَيْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بَعْدَ الْفَسَادِ بَاقٍ فَيَجِبُ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ مَا يَلْزَمُهُ بِارْتِكَابِهِ فِي الْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا الَّذِي أَفْسَدَ الْحَجَّ إنَّمَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بَعْدَ الْفَوَاتِ حِينَ يَأْخُذُ فِي الطَّوَافِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفُتْهُ كَانَ أَوَانُ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ فِي حَقِّهِ حِينَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ اعْتِبَارًا بِمَنْ صَحَّ حَجُّهُ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْفَوَاتِ (قَالَ): رَجُلٌ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ فَقَدِمَ مَكَّةَ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَقَامَ حَرَامًا حَتَّى يَحُجَّ مَعَ النَّاسِ مِنْ قَابِلٍ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّتِهِ، وَبِهَذَا يَسْتَدِلُّ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ إحْرَامَهُ صَارَ لِلْعُمْرَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْحَجِّ بِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ بَقِيَ أَصْلُ إحْرَامِهِ لِلْحَجِّ، وَلَكِنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ بِإِعْمَالِ الْعُمْرَةِ فَلَا يَبْطُلُ هَذَا التَّعْيِينُ بِتَحَوُّلِ السَّنَةِ مَعَ أَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ لِأَدَاءِ الْحَجِّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَلَوْ صَحَّ أَدَاءُ الْحَجِّ بِهِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ تَغَيَّرَ مُوجِبُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بِفِعْلِهِ، وَلَيْسَ إلَيْهِ تَغْيِيرُ مُوجِبِ عَقْدِ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ قَدِمَ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَطُوفُ لِلَّذِي قَدْ فَاتَهُ وَيَسْعَى وَيَرْفُضُ الَّتِي أَهَلَّ بِهَا وَعَلَيْهِ فِيهَا مَا عَلَى الرَّافِضِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَصْلَ إحْرَامِهِ بَعْدَ الْفَوَاتِ تَعَيَّنَ لِلْحَجِّ فَهُوَ بِالْإِهْلَالِ بِحَجَّةٍ أُخْرَى يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ حَجَّتَيْنِ فَلِهَذَا يَرْفُضُ الَّتِي أَهَلَّ بِهَا، وَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ عَنْ الْأُولَى بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ نَوَى بِهَذِهِ الَّتِي أَهَلَّ بِهَا قَضَاءَ الْفَائِتِ فَهِيَ هِيَ يَعْنِي لَا يَلْزَمُهُ بِهَذَا الْإِهْلَالِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى إيجَادَ الْمَوْجُودِ فَإِنَّ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ بَاقٍ بَعْدَ الْفَوَاتِ وَنِيَّةُ الْإِيجَادِ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ لَغْوٌ فَيَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتِ فَقَطْ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَقَدْ نَوَى بِالْإِهْلَالِ هُنَاكَ حَجَّةً أُخْرَى سِوَى الْمَوْجُودِ (قَالَ): وَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ مَا فَاتَهُ الْحَجُّ رَفَضَهَا أَيْضًا وَمَضَى فِي عَمَلِ الْفَائِتَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ التَّحَلُّلُ عَنْ الْأَوَّلِ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلِهَذَا يَرْفُضُ الَّتِي أَهَلَّ بِهَا، وَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ عَنْ الْأُولَى بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ (قَالَ): رَجُلٌ أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ وَقَدِمَ مَكَّةَ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ: يَحِلُّ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّتَانِ وَدَمٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَافِضًا لِإِحْدَى الْحَجَّتَيْنِ وَلَزِمَهُ دَمٌ لِرَفْضِهَا وَقَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَدْ فَاتَتْهُ الْأُخْرَى فَيَتَحَلَّلُ مِنْهَا بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّل مِنْهَا بِعَمَلِ عُمْرَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَمَلًا فَكَمَا أَخَذَ فِي عَمَلِ إحْدَاهُمَا صَارَ رَافِضًا لِلْأُخْرَى وَلَزِمَهُ الدَّمُ بِالرَّفْضِ (قَالَ): وَإِذَا سَاقَ هَدْيًا لِلْقِرَانِ فَقَدِمَ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ: يَصْنَعُ بِهَدْيِهِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَقَدْ أَعَدَّهُ لِمَقْصُودِهِ، فَإِذَا فَاتَهُ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ صَنَعَ بِهِ مَا أَحَبَّ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَفُتْهُ، وَلَكِنَّهُ جَامَعَ؛ لِأَنَّ بِالْجِمَاعِ فَسَدَ حَجُّهُ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَارِنًا، وَإِنَّمَا أَعَدَّ هَذَا الْهَدْيَ لِلْقِرَانِ، فَإِذَا فَاتَهُ ذَلِكَ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ فَإِنْ كَانَ هَدْيُهُ قَدْ نَتَجَ فِي الطُّرُقِ، ثُمَّ قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ جَامَعَ أَوْ أُحْصِرَ صَنَعَ أَيْضًا بِالْوَلَدِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ فَكَمَا يَصْنَعُ بِالْأُمِّ مَا شَاءَ فَكَذَلِكَ بِالْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْعَوَارِضِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ جَمِيعًا فَإِنْ نَحَرَ الْأُمَّ وَوَهَبَ الْوَلَدَ أَوْ بَاعَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ إنْ وَلَدَ هَذَا الْوَلَدُ وَلَدًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ الْوَلَدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ مِنْ الْحَقِّ فِي الْأَصْلِ سَرَى إلَى الْوَلَدِ لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ كَفَّرَ عَنْ الْوَلَدِ بَعْدَ مَا وَهَبَهُ أَوَبَاعَهُ، ثُمَّ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ وَلَدِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحَقُّ فِي الْوَلَدِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُهُ فِيمَا يَلِدُ هَذَا الْوَلَدُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْوَلَدِ لَازِمٌ إيَّاهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَيَسْرِي إلَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ أَخْرُجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ فَكَفَّرَ عَنْهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهَا وَلَا فِي وَلَدِهَا شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْهَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَفِي وَلَدِهَا الْكَفَّارَةُ (قَالَ): مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ قَدِمَ مَكَّةَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الرَّبَذَةِ فَأُحْصِرَ بِهَا، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ وَلَا يَكْفِيهِ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ، وَلَيْسَ لِطَوَافِ التَّحِيَّةِ أَثَرٌ فِي التَّحَلُّلِ، وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالطَّوَافِ يَكُونُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ الطَّوَافُ كَانَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي التَّحَلُّلِ، وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ إلَى الرَّبَذَةِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَفُتْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ»، ثُمَّ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدِّمَاءِ بَعْدَ هَذَا بِسَبَبِ التَّرْكِ وَالتَّأْخِيرِ (قَالَ): فَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَقْضِي عُمْرَتَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَلَا يَفُوتُهُ عَمَلُ الْعُمْرَةِ بِمُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ السَّنَةِ وَقْتُ الْعُمْرَةِ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ يُكْرَهُ أَدَاؤُهَا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامَ الْحَجِّ فَيَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مُتَعَيِّنَةً لِلْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَلَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ فِيهَا بِغَيْرِهَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ رُكْنِ الْحَجِّ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا قَبْلَهُ، وَلَكِنْ مَعَ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ لَوْ أَدَّى الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَحَّ فَيَبْقَى مُحْرِمًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِهَا وَهُوَ نَظِيرُ بَقَاءِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ (قَالَ): وَإِذَا أَهَلَّ الْحَاجُّ صَبِيحَةَ يَوْمِ النَّحْرِ بِحَجَّةٍ أُخْرَى لَزِمَتْهُ وَيَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْأُولَى وَيُقِيمُ حَرَامًا إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْحَجَّ بِهَذَا الْإِحْرَامِ مِنْ قَابِلٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ الْحَجِّ مِنْ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، فَيَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ لِأَدَاءِ الْحَجِّ بِهِ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ وَعَلَيْهِ بِجَمْعِهِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ دَمٌ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لِلْحَجِّ بَاقٍ مَا لَمْ يَتَحَلَّلْ بِالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجَّتَيْنِ مَمْنُوعٌ عَنْهُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الدَّمُ بِالْجَمْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ هُنَاكَ يَلْزَمُهُ لِرَفْضِ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ هُنَاكَ لَا يَتَحَقَّقُ حِينَ صَارَ قَاضِيًا لِإِحْدَاهُمَا وَهُنَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْأُولَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ رَافِضًا لِلْأُخْرَى فَلِهَذَا لَزِمَهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا دَمٌ، وَإِنْ قَدِمَ الْحَاجُّ مَكَّةَ فَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ»، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا حُكْمَ الْإِهْلَالِ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ بِعُمْرَتَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ وَيَسْتَوِي فِيهِ إنْ أَهَلَّ بِهِمَا مَعًا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ بِالْأُخْرَى مَعًا؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ فَإِنْ رَفَضَ إحْدَى الْعُمْرَتَيْنِ، ثُمَّ قَضَاهَا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَمَعَهَا حَجَّةٌ فَهُوَ قَارِنٌ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ فَكَمَا أَنَّ كَوْنَ الْحَجِّ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْقِرَانِ فَكَذَلِكَ كَوْنُ الْعُمْرَةِ وَاجِبَةً فِي ذِمَّتِهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَتَى بِهَذِهِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ لَمْ يَكُنْ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ حَلَالًا فَإِنْ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ حَلَالًا لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَارِنِ إنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ مُحْرِمًا فَلَمْ يَصِحَّ إلْمَامُهُ بِأَهْلِهِ فَلِهَذَا كَانَ قَارِنًا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ وَبَيْنَ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فِي حُكْمِ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ أَيْضًا فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ الَّذِي قَدِمَ الْكُوفَةَ وَبَيَّنَّا الْقِرَانَ وَالتَّمَتُّعَ.
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا قَدِمَ الْكُوفَةَ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرِنَ إذَا كَانَ خُرُوجُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَأَمَّا إذَا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ فَلَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمِيقَاتِ بَعْدَ ذَلِكَ (قَالَ): وَإِذَا قَدِمَتْ الْمَرْأَةُ مَكَّةَ مُحْرِمَةً بِالْحَجِّ حَائِضًا مَضَتْ عَلَى حَجَّتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «وَاصْنَعِي جَمِيعَ مَا يَصْنَعُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ»، فَإِذَا طَهُرَتْ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ طَافَتْ لِلزِّيَارَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِهَذَا التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِعُذْرِ الْحَيْضِ وَعَلَيْهَا طَوَافُ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ، وَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ مَا طَافَتْ لِلزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا طَوَافُ الصَّدَرِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الرُّخْصَةِ الْوَارِدَةِ لِلْحَائِضِ فِي ذَلِكَ (قَالَ): وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ طَوَافُ الصَّدَرِ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ الَّذِينَ يَصْدُرُونَ عَنْ الْبَيْتِ بِالرُّجُوعِ إلَى مَنَازِلِهِمْ فَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَاِتَّخَذَهَا دَارًا سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الصَّدَرِ إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّفَرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّدَرِ بَعْدَ حِلِّ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا جَاءَ وَقْتُ الصَّدَرِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَلَا يَلْزَمُهُ طَوَافُ الصَّدَرِ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ مَا حَلَّ النَّفْرَ الْأَوَّلَ فَعَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدَرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ لَزِمَهُ بِمَجِيءِ وَقْتِ الصَّدَرِ قَبْلَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِنِيَّتِهِ الْإِقَامَةَ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا تَسْقُطُ عَنْهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي طَوَافِ الصَّدَرِ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ دَخَلَ وَقْتُهُ فَلَا يَصِيرُ طَوَافُ الصَّدَرِ دَيْنًا عَلَيْهِ بِدُخُولِ وَقْتِهِ فَنِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ كَالْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا تَلْزَمُهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ.
فَأَمَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ مَا أَخَذَ فِي طَوَافِ الصَّدَرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ بِالشُّرُوعِ فِيهِ لَزِمَ إتْمَامُهُ فَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ بَدَا لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَمَا اتَّخَذَهَا دَارًا لَا يَلْزَمُهُ طَوَافُ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِّيِّ يَقْصِدُ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ.
وَإِنْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ أَيَّامًا، ثُمَّ يَصْدُرُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ طَوَافُ الصَّدَرِ، وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَمْ يَصِرْ كَأَهْلِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَكِّيَّ غَيْرُ عَازِمٍ عَلَى الصَّدَرِ مِنْهَا بَعْدَ مُدَّةٍ، وَهَذَا عَلَى الصَّدَرِ مِنْهَا بَعْدَ مُدَّةٍ فَيَبْقَى عَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدَرِ عَلَى حَالِهِ.
(قَالَ): وَلَيْسَ عَلَى فَائِتِ الْحَجِّ طَوَافُ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ لِلْقَضَاءِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعْتَمِرِ الْمُقِيمِ فِي حَقِّ الْإِعْمَالِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتَمِرِ طَوَافُ الصَّدَرِ.
(قَالَ): رَجُلٌ قَصَدَ مَكَّةَ لِلْحَجِّ فَدَخَلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَوَافَاهَا يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَقَضَاهَا أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَقَضَاهُ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ إذَا أَحْرَمَ بِالْوَقْتِ بِالْعُمْرَةِ وَقَضَاهَا؛ لِأَنَّ الْوَاصِلَ إلَى الْمِيقَاتِ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ حَاجًّا كَانَ أَوْ مُعْتَمِرًا، وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ بِعُمْرَةٍ، وَلَكِنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ فَهُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى يَحُجَّ مَعَ النَّاسِ مِنْ قَابِلٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْإِحْرَامِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْوَقْتِ فَيُلَبِّيَ مِنْهُ لِيَسْقُطَ عَنْهُ الدَّمُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ.
(قَالَ): وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يُقِيمَ فِي مَنْزِلِهِ حَرَامًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَيَبْعَثَ بِالْهَدْيِ، وَلَا يَحِلُّ بِالْهَدْيِ إنْ بَعَثَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ لِلْمُحْصَرِ، وَهَذَا غَيْرُ مُحْصَرٍ بَلْ هُوَ فَائِتُ الْحَجِّ، وَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ شَرْعًا فَلَا يَتَحَلَّلُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ:

(قَالَ): وَالْعُمْرَةُ لَا تُضَافُ إلَى الْحَجِّ وَالْحَجُّ يُضَافُ إلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ مِنْهَا شَيْئًا وَبَعْدَ أَنْ يَعْمَلَ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْعُمْرَةَ بِدَايَةً وَالْحَجَّ نِهَايَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ} فَمَنْ أَضَافَ الْحَجَّةَ إلَى الْعُمْرَةِ كَانَ فِعْلُهُ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَمَنْ أَضَافَ الْعُمْرَةَ إلَى الْحَجِّ كَانَ فِعْلُهُ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْقُرْآنِ فَكَانَ مُسِيئًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا هُوَ قَارِنٌ فَإِنَّ الْقَارِنَ هُوَ جَامِعٌ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَهُوَ جَامِعٌ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ بِأَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ بِالْحَجِّ فَهُوَ جَامِعٌ مُصِيبٌ لِلسُّنَّةِ فَيَكُونُ مُحْسِنًا وَمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ فَهُوَ جَامِعٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فَكَانَ مُسِيئًا لِهَذَا وَيَلْزَمُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الْمُتَرَفِّقِ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ}، وَهُوَ شَاةٌ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَدَنَةٌ وَأَخَذْنَا بِالْأَوَّلِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «تَمَتَّعْنَا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَدَنَةِ عَنْ سَبْعَةٍ» فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ.
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الَّذِي يَفُوتُهُ بِمُضِيِّهِ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَ الْهَدْيَ.
(قَالَ): وَلَوْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ إحْرَامِهِ لِلْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجَّةِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَحُجَّتُهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} وَحِينَ صَامَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَصَوْمُهُ هَذَا لَيْسَ فِي الْحَجِّ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ: جَعَلَ الْحَجُّ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ وَفِعْلُ الْحَجِّ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَقْتُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وَهَذَا قَدْ صَامَ فِي وَقْتِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ السَّبَبُ، وَهُوَ التَّمَتُّعُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّمَتُّعِ فِي أَدَاءِ الْعُمْرَةِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ فِي وَقْتِ الْحَجِّ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، وَأَدَاءُ الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهَا جَائِزٌ إذَا صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى جَاءَ يَوْمُ النَّحْرِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّ رَجُلًا أَتَاهُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: إنِّي تَمَتَّعْتُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ: اذْبَحْ شَاةً فَقَالَ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ فَقَالَ: سَلْ أَقَارِبَكَ فَقَالَ: لَيْسَ هُنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَقَالَ لِغُلَامِهِ يَا مُغِيثُ أَعْطِهِ قِيمَةَ شَاةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَدَلَ كَانَ مُؤَقَّتًا بِالنَّصِّ فَبَعْدَ فَوَاتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَكُونُ بَدَلًا فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ يَقُولُ فِي الِابْتِدَاءِ يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَلَكِنَّ هَذَا فَاسِدٌ فَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ بِهَا وَلَوْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ صَوْمِ يَوْمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَانَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ مَا إذَا قَدَرَ عَلَى أَصْلِ الْهَدْيِ بَعْدَ مَا يَحِلُّ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّحَلُّلُ فَإِنَّمَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، وَهُوَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا صَوْمُ السَّبْعَةِ لَيْسَ بِبَدَلٍ فِيمَا هُوَ مَقْصُودٌ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَوَانَ أَدَائِهَا بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَوُجُوبِ الْهَدْيِ لَا يَمْنَعُ أَدَاءَهَا، وَالْمُرَادُ مِنْ الرُّجُوعِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ} مُضِيُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَتَّى إذَا صَامَ بَعْدَ مُضِيِّهَا قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ جَازَ عِنْدَنَا، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُقَامَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ الصَّوْمُ (قَالَ): وَإِنَّ أَهَلَّ الْآفَاقِيُّ بِالْحَجِّ فَطَافَ لَهَا شَوْطًا، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ رَفَضَهَا وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَدَمٌ لِلرَّفْضِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ قَدْ تَأَكَّدَ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الطَّوَافِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ وَلَوْ بَقِيَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ كَانَ بَانِيًا عَمَلَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلِهَذَا يَرْفُضُهَا.
وَإِنْ كَانَ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا فَطَافَ لَهَا شَوْطًا، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مَضَى فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي أَعْمَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ يَكُونُ قَارِنًا وَإِنْ طَافَ لَهَا أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ بَعْدَ عَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَلِأَكْثَرِ الطَّوَافِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَالْقَارِنُ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ صَارَ جَامِعًا حِينَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَكِّيَّ لَا يَقْرِنُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا يُضِيفُ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ، فَإِنْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا رَفَضَ الْعُمْرَةَ وَمَضَى فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا، وَرَفْضُ الْعُمْرَةِ أَيْسَرُ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْحَجِّ فِي الْقُوَّةِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَهَا مَتَى شَاءَ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَ الْعُمْرَة؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْبُدَاءَةِ بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقُوَّةِ، وَلَا مُسَاوَاةَ هُنَا فَيَرْفُضُ الْعُمْرَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَإِنْ مَضَى فِيهِمَا حَتَّى قَضَاهُمَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْجَامِعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ وَالْعُمْرَتَيْنِ فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا عَمَلًا مَنْفِيٌّ هُنَاكَ وَمَعَ النَّفْيِ لَا يَتَحَقَّقُ الِاجْتِمَاعُ فَيَكُونُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا عَلَى كُلُّ حَالٍ،
وَهُنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَعَ النَّهْيِ يَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنَّ هَذَا الدَّمَ لَيْسَ نَظِيرَ الدَّمِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ إذَا قَرَنَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ نُسُكٌ يَحِلُّ التَّنَاوُلُ مِنْهُ، وَهَذَا جَبْرٌ لَا يَحِلُّ التَّنَاوُلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا الدَّمِ بِارْتِكَابِ مَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَكُونُ وَاجِبًا بِطَرِيقِ الْجَبْرِ لِلنُّقْصَانِ فَلِهَذَا لَا يُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْعُمْرَةِ شَوْطًا أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَ الْحَجَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَأَكْثَرُ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ بَاقٍ عَلَيْهِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَكَأَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجَّةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ فَيَرْفُضُهَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ قَدْ تَأَكَّدَ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَإِحْرَامُ الْحَجِّ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ وَالْمُتَأَكِّدُ بِأَدَاءِ الْعَمَلِ أَقْوَى مِنْ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ فَلِهَذَا يَرْفُضُ الْحَجَّةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّأَكُّدَ يَحْصُلُ بِشَوْطٍ مِنْ الطَّوَافِ مَا بَيَّنَّا فِي الْآفَاقِيِّ إذَا طَافَ لِلْحَجِّ شَوْطًا، ثُمَّ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ كَانَ عَلَيْهِ رَفْضُهَا لِتَأَكُّدِ إحْرَامِ الْحَجِّ بِالْعَمَلِ قَبْلَ الْإِهْلَالِ بِالْعُمْرَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْ طَوَافِ الْحَجِّ.
وَلَوْ كَانَ الْمَكِّيُّ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَنَقُولُ: إنَّمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ مَا أَتَى بِأَكْثَرِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَكَأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ فَلَا يَرْفُضُ شَيْئًا، وَلَكِنْ يَفْرُغُ مِنْ عُمْرَتِهِ وَمِنْ حَجَّتِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُتَمَتِّعِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ التَّمَتُّعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّنَاوُلُ مِنْ هَذَا الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ جَبْرٌ كَمَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَ هَذَا الطَّوَافُ مِنْهُ لِلْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا صَارَ جَامِعًا كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا آفَاقِيًّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ هَذَا الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ إذَا كَانَ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ هُوَ الْحِلُّ (قَالَ): كُوفِيٌّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَطَافَ لَهَا، ثُمَّ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ قَالَ: يَرْفُضُ عُمْرَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْفُضْهَا كَانَ بَانِيًا لِلْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجَّةِ، هَذَا إذَا أَهَلَّ بِعُمْرَةِ بِعَرَفَةَ، فَإِنْ أَهَلَّ بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بِحَجَّتِهِ أَوْ بَعْدَ مَا حَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ أُمِرَ أَنْ يَرْفُضَهَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَرْفُضْهَا وَمَضَى فِيهَا أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ كَانَ أَهَلَّ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بِحَجَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا حَلَّ مِنْ حَجَّتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنْ لَمْ يَتْرُكْ الْوَقْتَ فِيهَا، وَلَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يَرْفُضَهَا إذَا أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ تَمَامِ الْإِحْلَالِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ الْإِحْرَامِ فَبَعْدَ مَا أَحْرَمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إحْرَامٍ آخَرَ فَإِذَا أَدَّاهَا كَانَ صَحِيحًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَهَلَّ بِهَا بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّ هُنَاكَ قَدْ صَارَ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ لِتَحَقُّقِ الْمُنَافِي عَلَى مَا سَبَقَ، ثُمَّ إنْ كَانَ إهْلَالُهُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ فَقَدْ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ عَلَى وَجْهٍ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ فَلَزِمَهُ لِذَلِكَ دَمٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا حَلَّ لَمْ يَصِرْ جَامِعًا بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (قَالَ): مَكِّيٌّ أَهَلَّ بِالْحَجَّةِ فَطَافَ لَهَا شَوْطًا، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ قَالَ: يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لِلْحَجِّ قَدْ تَأَكَّدَ وَقَبْلَ تَأَكُّدِهِ كَانَ يُؤْمَرُ بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ فَبَعْدَ تَأَكُّدِهِ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَرْفُضْهَا وَطَافَ لَهَا وَسَعَى أَجْزَأَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّهْيَ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ لِإِهْلَالِهِ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ حَجَّتِهِ، وَقَدْ صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ (قَالَ): مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ جَامَعَ، ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا عُمْرَةً أُخْرَى قَالَ: يَرْفُضُ هَذِهِ وَيَمْضِي فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ، وَلَوْ كَانَتْ الْأُولَى صَحِيحَةً كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِيهَا وَيَرْفُضَ الثَّانِيَةَ فَكَذَلِكَ بَعْدَ فَسَادِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُجَامِعْ فِي الْأُولَى، وَلَكِنَّهُ طَافَ لَهَا شَوْطًا، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالثَّانِيَةِ يَرْفُضُ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ تَأَكَّدَتْ لَمَّا طَافَ لَهَا فَتَعَيَّنَتْ الثَّانِيَةُ لِلرَّفْضِ وَكَذَا هَذَا فِي حَجَّتَيْنِ (قَالَ): وَإِذَا أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ مَعًا، ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ فَعَلَيْهِ لِلْجِمَاعِ دَمَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا مَا لَمْ يَأْخُذْ فِي عَمَلِ الْأُخْرَى، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِلْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا فَرَغَ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ صَارَ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا فَجِمَاعُهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْجِمَاعُ مِنْهُ بَعْدَ مَا سَارَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا حِينَ سَارَ إلَى مَكَّةَ فَجِمَاعُهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ مَا يَلْزَمُهُ بِالرَّفْضِ وَبِالْإِفْسَادِ مِنْ الْقَضَاءِ وَالدَّمِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ.
فَإِنْ أَحْرَمَ لَا يَنْوِي شَيْئًا فَطَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، ثُمَّ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ هَذِهِ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ تَعَيَّنَتْ عُمْرَةً حِينَ أَخَذَ فِي الطَّوَافِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِبْهَامَ لَا يَبْقَى بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَدَاءِ بَلْ يَبْقَى مَا هُوَ الْمُتَيَقِّنُ، وَهُوَ الْعُمْرَةُ فَحِينَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى فَقَدْ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ فَلِهَذَا يَرْفُضُ الثَّانِيَةَ (قَالَ): وَإِذَا كَانَ لِلْكُوفِيِّ أَهْلٌ بِالْكُوفَةِ وَأَهْلٌ بِمَكَّةَ يُقِيمُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ سَنَةً فَاعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ مُلِمٌّ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَاعْتَمَرَ مِنْ الْكُوفَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَضَى عُمْرَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِصْرٍ لَيْسَ فِيهِ أَهْلُهُ، ثُمَّ حَجّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْمِصْرِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الطَّحَاوِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.
وَحَدِيثُ زَيْدٍ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: أَتَيْنَا عُمَّارًا فَقَضَيْنَاهَا، ثُمَّ زُرْنَا الْقَبْرَ، ثُمَّ حَجَجْنَا فَقَالَ: أَنْتُمْ مُتَمَتِّعُونَ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ كَمَنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ وَعِنْدَهُمَا مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَهُوَ كَمَنْ وَصَلَ إلَى أَهْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ بِالْكُوفَةِ أَهْلٌ وَبِالْبَصْرَةِ أَهْلٌ فَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِالْبَصْرَةِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ حَلَالًا (قَالَ): وَإِنْ اعْتَمَرَ الْكُوفِيُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَسَاقَ هَدْيًا لِلْمُتْعَةِ، وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ فَطَافَ لِعُمْرَتِهِ، وَلَمْ يَحْلِقْ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ حَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَ رُجُوعُهُ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ مَا أَتَى بِأَكْثَرِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَحَجَّتِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ مُلِمٌّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَهُوَ إلْمَامٌ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْعَوْدَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ لِيُنْحَرَ عَنْهُ، وَلَمْ يَحُجَّ كَانَ جَائِزًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِّيِّ الَّذِي اعْتَمَرَ مِنْ الْكُوفَةِ وَسَاقَ لِهَدْيٍ لِمُتْعَتِهِ فَهُنَاكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- يَقُولَانِ: إلْمَامُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بِأَهْلِهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يُنْحَرْ عَنْهُ الْهَدْيُ فَكَانَ الْعَوْدُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ إلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ كَالْقَارِنِ إذَا أَتَى بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ عَادَ فَحَجَّ كَانَ قَارِنًا، وَلَمْ يَصِحَّ إلْمَامُهُ بِأَهْلِهِ مُحْرِمًا فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ، وَقَدْ حَلَّ هُنَاكَ مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا لَمَّ بِأَهْلِهِ حَلَالًا فَكَانَ إلْمَامُهُ صَحِيحًا (قَالَ): رَجُلٌ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَسَاقَ هَدْيًا مَعَهُ لِمُتْعَتِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَحِلَّ وَيَنْحَرَ هَدْيَهُ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ، وَلَا يَحُجَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الْحَجِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ حَلَالًا فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَيَحِلَّ، وَلَا يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ وَيَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ فَهُوَ قَاصِدٌ إلَى التَّمَتُّعِ فَكَانَ هَدْيُهُ هَدْيَ الْمُتْعَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْحَرَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لِاخْتِصَاصِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ بِيَوْمِ النَّحْرِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا سَاقَ الْهَدْيَ، وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى التَّمَتُّعِ لَزِمَهُ الْبَقَاءُ فِي الْإِحْرَامِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ عَمَلُ الْحَجِّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي الْإِحْلَالِ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ حَجَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُهُ تَأْخِيرُ الْخُرُوجِ عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِأَجْلِ التَّمَتُّعِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا تَبَيَّنَ أَنَّ إحْلَالَهُ كَانَ فِي وَقْتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ وَحَلَّ وَنَحَرَ هَدْيَهُ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِمُتْعَتِهِ فَإِنَّهُ أَتَى بِالنُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَكَانَ مُتَمَتِّعًا وَمَا نَحَرَ مِنْ الْهَدْيِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ فَلِهَذَا لَزِمَهُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَدَمٌ آخَرُ لِإِحْلَالِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَقَدْ سَاقَ الْهَدْيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ قَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَعْجِيلِ الْإِحْلَالِ (قَالَ): رَجُلٌ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا بِالْجِمَاعِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا أَهَلَّ بِأُخْرَى يَنْوِي قَضَاءَهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا أَمَّا بِالْعُمْرَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّهُ أَفْسَدَهَا بِالْجِمَاعِ وَالتَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يَكُونُ، وَأَمَّا بِالثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ أَحْرَمَ لَهَا مِنْ غَيْرِ الْمِيقَاتِ، وَالْمُتَمَتِّعُ مَنْ تَكُونُ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً، وَلِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ بِالْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ حِينَ فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَوَاقِيتَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ جَاوَزَ الْوَقْتَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ صَارَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ فَإِذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَقَدْ أَتَى بِعُمْرَةٍ مِيقَاتِيَّةٍ وَحَجَّةٍ مَكِّيَّةٍ فَكَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْوَقْتَ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ لَمَّا دَخَلَتْ، وَهُوَ دَاخِلٌ الْمِيقَاتَ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّمَتُّعُ كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ هُوَ دَاخِلُ الْمِيقَاتِ فَلَا تَنْقَطِعُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَمَنْ هُوَ دَاخِلُ الْمِيقَاتِ، فَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ الْأَوَّلُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا مَعَ الْفَسَادِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ عَادَ فَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ الْأَوَّلَ قَدْ انْقَطَعَ بِرُجُوعِهِ إلَى أَهْلِهِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ فَالْمُعْتَبَرُ سَفَرُهُ الثَّانِي، وَقَدْ أَدَّى النُّسُكَيْنِ فِي هَذَا السَّفَرِ بِصِفَةِ الصِّحَّةِ فَكَانَ مُتَمَتِّعًا.
وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ عَادَ فَقَضَى عُمْرَتَهُ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي قَرَّرْنَا أَنَّهُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى بَلْدَتِهِ فَهُوَ فِي الْحُكْمِ كَأَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ انْقَطَعَ حُكْمُ ذَلِكَ السَّفَرِ فِي حَقِّ التَّمَتُّعِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَجَعَ إلَى بَلْدَتِهِ فَإِذَا عَادَ مُعْتَمِرًا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ صَحِيحًا.
وَإِنْ دَخَلَ بِعُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَضَاهَا، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، ثُمَّ قَرَنَ عُمْرَةً وَحَجَّةً كَانَ قَارِنًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّ كَحَالِ الْمَكِّيِّ مَتَى حَصَلَ بِمَكَّةَ بِالْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ قَرَنَ حَجَّةً وَعُمْرَةً كَانَ قَارِنًا فَهَذَا مِثْلُهُ، وَلَوْ قَضَى عُمْرَتَهُ الْفَاسِدَةَ، ثُمَّ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ وَبِحَجَّةٍ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّهُ مَتَى حَصَلَ بِمَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَكِّيٍّ مُحْرِمٍ بِهِمَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَكِّيَّ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا كَذَلِكَ هُنَا، وَلَوْ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ لَهَا شَوْطًا، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرْفُضُ الْحَجَّ لِتَأَكُّدِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِالطَّوَافِ وَعِنْدَهُمَا يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ عَلَى مَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَطُفْ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَطُفْ لَهَا شَيْئًا وَإِذَا تَرَكَ الْمَكِّيُّ أَوْ الْكُوفِيُّ مِيقَاتَ الْإِحْرَامِ فِي الْعُمْرَةِ وَطَافَ لَهَا شَوْطًا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُلَبِّيَ مِنْ الْوَقْتِ لَمْ يَنْفَعْهُ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ قَدْ تَأَكَّدَ بِالطَّوَافِ فَهُوَ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَبَّى فَلَمْ يَصِرْ مُتَدَارِكًا لِمَا فَاتَهُ فِي وَقْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا عَادَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَالْمُنْشِئِ لِلْإِحْرَامِ الْآنَ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّوَافِ مَحْسُوبٌ لَهُ وَكَيْفَ يُجْعَلُ كَالْمُنْشِئِ الْآنَ وَطَوَافُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَحْسُوبٌ فَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.