فصل: صَيْدُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.صَيْدُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ:

قَالَ: (وَصَيْدُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْجَوَارِحِ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا يُرْسِلُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْكِتَابِيُّ، وَيُسَمِّي عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهُ، وَيَقْتُلُهُ جَائِزٌ حَلَالٌ) وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ الْمُرْسِلُ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا؛ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْحِلِّ كَالذَّبْحِ، وَالْأَهْلِيَّةُ لِلذَّابِحِ شَرْطٌ لِحِلِّ الذَّبِيحَةِ فَكَذَا فِي الِاصْطِيَادِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ شَرَائِطَ الِاصْطِيَادِ، وَدَخَلَ هَذَا الشَّرْطُ فِي جُمْلَةِ مَا ذَكَرْنَا دَلَالَةً، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ نَصًّا؛ لِأَنَّا شَرَطْنَا تَسْمِيَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ عَمَّنْ يَعْتَقِدُ تَوْحِيدَهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَوْ يَظْهَرُ ذَلِكَ، وَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ، فَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ يَدَّعِي إلَهَيْنِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ؛ فَلِهَذَا لَا يَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَصَيْدُهُ.
قَالَ (وَإِذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا حَرُمَ بِهِ الصَّيْدُ وَالْمَذْبُوحُ عِنْدَنَا، وَلَمْ يَحْرُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) وَإِنْ تَرَكَ نَاسِيًا لَمْ يَحْرُمْ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ: يَحْرُمُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَكَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْصِلَانِ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا، وَقَدْ كَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَى الْحُرْمَةِ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ إذَا تَرَكَهَا نَاسِيًا، وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حَجَّةً؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ الْبَيْعِ فِيهِ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ» وَكَوْنُ الذِّكْرِ فِي قَلْبِهِ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ، وَلَمَّا سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا قَالَ: يَحِلُّ تَسْمِيَةُ مِلَّتِهِ، وَفِي إقَامَةِ الْمِلَّةِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ وَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: «إنَّ الْأَعْرَابَ يَأْتُونَنَا بِلُحُومٍ، فَلَا نَدْرِي أَسَمَّوْا أَمْ لَمْ يُسَمُّوا فَقَالَ: عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَمُّوا أَنْتُمْ، وَكُلُوا» فَلَوْ كَانَ التَّسْمِيَةُ مِنْ شَرَائِطِ الْحِلِّ لَمَا أَمَرَهَا بِالْأَكْلِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِيهَا، وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ كَانَتْ مِنْ شَرَائِطِ الْحِلِّ كَانَتْ مَأْمُورًا بِهَا، وَفِي الْمَأْمُورَاتِ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ كَقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ وَكَالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا يَقَعُ الْفَرْقُ فِي الْمَزْجُورَاتِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الصَّوْمِ لِأَنَّ مُوجِبَ النَّهْيِ الِانْتِهَاءُ، وَالنَّاسِي يَكُونُ مُنْتَهِيًا اعْتِقَادًا.
فَأَمَّا مُوجِبُ الْأَمْرِ الِائْتِمَارُ، وَالتَّارِكُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا لَا يَكُونُ مُؤْتَمِرًا؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِصْلَاحُ الْأَكْلِ فَكَانَتْ التَّسْمِيَةُ فِيهِ نَدْبًا لَا حَتْمًا كَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ ثُمَّ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْأَكْلُ التَّسْمِيَةُ فِيهِ نَدْبٌ وَلَيْسَ بِحَتْمٍ، فَهَذَا هُوَ طَرِيقٌ إلَيْهِ أَوْلَى، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَحِلُّ ذَبَائِحُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَوْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ شَرْطًا لَمَا حَلَّتْ ذَبَائِحُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ غَيْرَ اللَّهِ، وَهُوَ مَا يَتَّخِذُونَهُ مَعْبُودًا لَهُمْ؛ لِأَنَّ النَّصَارَى يَقُولُونَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلْوًا كَبِيرًا، وَنَحْنُ نَتَبَرَّأُ مِنْ إلَهٍ لَهُ وَلَدٌ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وَمُطْلَقُ النَّهْيِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِحَرْفِ مِنْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ النَّهْيِ لِلْمُبَالَغَةِ فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، وَالْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} إنْ كَانَ كِنَايَةً عَنْ الْأَكْلِ فَالْفِسْقُ أَكْلُ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَ كِنَايَةَ عَنْ الْمَذْبُوحِ فَالْمَذْبُوحُ الَّذِي يُسَمَّى فِسْقًا فِي الشَّرْعِ يَكُونُ حَرَامًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وَفِي الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّ الْحُرْمَةَ لِعَدَمِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِوَصْفٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ كَالْمَيْتَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الْمَيْتَةِ وَذَبَائِحِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ الْحُرْمَةَ هُنَاكَ لَيْسَتْ لِعَدَمِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى إنَّهُ وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحِلَّ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} يَعْنِي عِنْدَ النَّحْرِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} أَيْ سَقَطَتْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الطَّعْنِ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ، فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَأْمُورٌ بِهَا، وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَهِيَ مِنْ شَرَائِطِ الْحِلِّ ثَبَتَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلْ» وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الشَّرْطِ شَرْطٌ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «وَإِنْ شَارَكَ كَلْبَكَ كَلْبٌ آخَرُ، فَلَا تَأْكُلْ فَأَنْتَ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِكَ» فَعَلَّلَ لِلْحُرْمَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ إذَا لَمْ يُسَمِّ عَلَى كَلْبِ نَفْسِهِ، وَشَيْءٌ مِنْ الْمَعْنَى يَشْهَدُ لَهُ، فَإِنَّ ذَبِيحَةَ الْكِتَابِيِّ تَحِلُّ، وَذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ لَا تَحِلُّ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ يُعْقَلُ مَعْنَاهُ بِالرَّأْيِ سِوَى مَنْ يَدَّعِي التَّوْحِيدَ يَصِحُّ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ عَلَى الْخُلُوصِ، وَمَنْ يَدَّعِي الِاثْنَيْنِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ فَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مِنْ شَرَائِطِ الْحِلِّ أَوْ إنَّمَا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ دُونَ مَا يُضْمِرُونَ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَسْمِيَةَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ مُوجِبَةٌ لِلْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} فَلَوْ اعْتَبَرْنَا مَا يُضْمِرُونَ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُمْ، وَكَذَلِكَ يُسْتَحْلَفُونَ فِي الْمَظَالِمِ بِاَللَّهِ، وَالِاسْتِحْلَافُ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَحِلُّ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا يُظْهِرُونَ، ثُمَّ إنَّا أُمِرْنَا بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ مُخَالَفَةً لِلْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ آلِهَتَهُمْ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَمُخَالَفَتُهُمْ وَاجِبَةٌ عَلَيْنَا فَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ تَكُونُ وَاجِبَةً أَيْضًا بِخِلَافِ الطَّبْخِ وَالْأَكْلِ، فَإِنَّهُمْ مَا كَانُوا يُسَمُّونَ آلِهَتَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، فَالْأَمْرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ ذَلِكَ نَدْبٌ.
وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْوَصْفِ فَالْأَمْرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْوَصْفِ لَمْ يَكُنْ لِمُخَالَفَتِهِمْ فَكَانَ نَدْبًا، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ تُقَامُ مِلَّتُهُ مُقَامَ التَّسْمِيَةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا لِمَعْنَى التَّخْفِيفِ، وَهَذَا التَّخْفِيفُ يَسْتَحِقُّهُ النَّاسِي دُونَ الْعَامِدِ، وَلِأَنَّ الْعَامِدَ مُعْرِضٌ عَنْ التَّسْمِيَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مُسَمِّيًا حُكْمًا بِخِلَافِ النَّاسِي، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ بَلْ مَعْذُورٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِ الْمَعْذُورِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ فِي الذَّبْحِ وَغَيْرِ الذَّبْحِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي اعْتِبَارِ الذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ يُفْصَلُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ يُفْصَلُ بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِالْمَأْمُورِ وَالْمَزْجُورِ فَالْأَكْلُ فِي الصَّلَاةِ مَزْجُورٌ، ثُمَّ سَوَّى فِيهِ بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ، وَالْجِمَاعُ فِي الْإِحْرَامِ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ مَتَى اقْتَرَنَ بِحَالَةِ مَا يَذْكُرُهُ كَهَيْئَةِ الْمُحْرِمِينَ وَالْمُصَلِّينَ لَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ، وَمَتَى لَمْ يَقْتَرِنْ بِحَالَةِ مَا يَذْكُرُهُ يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ كَالصَّوْمِ، وَهُنَا لَمْ تَقْتَرِنْ بِحَالَةِ مَا يَذْكُرُهُ، وَقَدْ يَذْبَحُ الْإِنْسَانُ الطَّيْرَ وَقَلْبُهُ مُشْتَغِلٌ بِشُغْلٍ آخَرَ فَيَتْرُكُ التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ اذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَ نَاسِيًا غَيْرَ مُعْرِضٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «وَإِنْ تَعَمَّدَ لَمْ يَحِلَّ» وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا دَلِيلُنَا؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْ عَنْ الْأَكْلِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي التَّسْمِيَةِ، فَذَلِكَ دَلِيلُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مِنْ شَرَائِطِ الْحِلِّ، وَإِنَّمَا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَكْلِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَدَعُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ.

.التَّسْمِيَةُ فِي الذَّبْحِ:

ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي الذَّبْحِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْقَطْعِ، وَفِي الِاصْطِيَادِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ، وَفِي وُسْعِهَا التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الرَّمْيِ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْإِصَابَةِ، فَتُقَامُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ مُقَامَهُ، كَمَا يُقَامُ الْجُرْحُ فِي الْمُتَوَحِّشِ مُقَامَ الذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ فِي الْأَهْلِيِّ، وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَقْتَرِنُ بِفِعْلِهِ، وَالْقَطْعُ مِنْ فِعْلِهِ، وَفِي الِاصْطِيَادِ فِعْلُهُ الْإِرْسَالُ وَالرَّمْيُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَأَخَذَ السِّكِّينَ وَسَمَّى ثُمَّ تَرَكَهَا وَذَبَحَ شَاةً أُخْرَى، وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ، وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ أَوْ أَخَذَ سِكِّينًا، وَسَمَّى ثُمَّ تَرَكَهَا وَأَخَذَ سِكِّينًا أُخْرَى أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى، وَتَرَكَ ذَلِكَ الصَّيْدَ وَأَخَذَ غَيْرَهُ حَلَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَ تِلْكَ الشَّاةَ ثُمَّ ذَبَحَ شَاةً أُخْرَى بَعْدَهَا فَظَنَّ أَنَّ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ تَكْفِيهِ لَا يَحِلُّ، وَالسَّهْمُ إذَا أَصَابَ ذَلِكَ الصَّيْدَ وَغَيْرَهُ.
أَوْ أَخَذَ الْكَلْبُ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ الصَّيْدَ وَغَيْرَهُ حَلَّ الْأَكْلُ، وَجَهْلُهُ لَيْسَ نَظِيرَ النِّسْيَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَهْلَ بِالْحُكْمِ لَا يَمْنَعُ حُصُولَ الْفِطْرِ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَظَرَ إلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ وَأَخَذَ السِّكِّينَ وَسَمَّى ثُمَّ أَخَذَ شَاةً مِنْهَا وَذَبَحَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَا يَحِلُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّيُودِ وَسَمَّى فَأَخَذَ أَحَدُهَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الِاصْطِيَادِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، وَالتَّعْيِينُ فِي الذَّبْحِ فِي وُسْعِهِ.
قَالَ: (وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ، وَلَمْ يُسَمِّ عَمْدًا ثُمَّ زَجَرَهُ وَسَمَّى فَانْزَجَرَ، وَأَخَذَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ)؛ لِأَنَّ إرْسَالَهُ مَعَ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، فَلَا يُنْسَخُ إلَّا بِمَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ، وَالزَّجْرُ دُونَ الْإِرْسَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّبَعَ الصَّيْدَ بِغَيْرِ إرْسَالِ صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَرَهُ صَاحِبُهُ وَسَمَّى، فَإِنْ انْزَجَرَ بِزَجْرِهِ وَأَخَذَ الصَّيْدَ حَلَّ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَهُ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا مُعْتَبَرًا، فَإِنَّ فِعْلَ الْعَجْمَاءِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إذَا لَمْ يَكُنْ بِنَاءً عَلَى إرْسَالِ آدَمِيٍّ، فَكَانَ زَجْرُهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ، وَقَدْ اقْتَرَبَتْ التَّسْمِيَةُ بِهِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ إذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ بِزَجْرِهِ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ مِنْ الْمُسْلِمِ فِعْلٌ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ، فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمَا هُوَ مِثْلُهُ، وَالزَّجْرُ دُونَ الْإِرْسَالِ، فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْإِرْسَالِ، وَلَوْ كَانَ الْمَجُوسِيُّ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ لَمْ يَنْفَعْهُ زَجْرُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ يَحْرُمُ، فَلَا يَرْتَفِعُ بِزَجْرِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ دُونَهُ، فَأَمَّا إذَا انْبَعَثَ الْكَلْبُ وَالْبَازِي عَلَى أَثَرِ الصَّيْدِ بِغَيْرِ إرْسَالٍ ثُمَّ زَجَرَهُ صَاحِبُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِزَجْرِ صَاحِبِهِ لَمْ يَحِلَّ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِفِعْلِ الْمُسْلِمِ فَيَأْخُذُهُ، وَبِدُونِ الْإِرْسَالِ لَا يَحِلُّ، وَإِنْ انْزَجَرَ بِزَجْرٍ فِي الْقِيَاسِ لَا يَحِلُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ زَجْرَهُ لَيْسَ بِإِرْسَالٍ، فَإِنَّ الْإِرْسَالَ يَكُونُ مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حِينَ زَجَرَهُ، وَبِدُونِ الْإِرْسَالِ لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْكَلْبِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فَقَالَ: لَمَّا انْزَجَرَ بِزَجْرِهِ يُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ، وَالصَّيَّادُ قَدْ يُبْتَلَى بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ رُبَّمَا يَرَى الصَّيْدَ وَلَا يَرَاهُ صَاحِبُهُ، فَلَوْ انْتَظَرَ إرْسَالَهُ، فَإِنَّهُ فَيَنْبَعِثُ عَلَى أَثَرِهِ، وَيَنْظُرُ إلَى صَاحِبِهِ لِيَزْجُرَهُ حَتَّى إذَا زَجَرَهُ، وَكَانَ بِالْقُرْبِ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ، ثُمَّ انْبِعَاثُهُ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا مُعْتَبَرًا، فَالْحَاجَةُ إلَى ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ لَا إلَى فَسْخِ الْفِعْلِ، وَلَمَّا انْزَجَرَ بِزَجْرِهِ جُعِلَ هَذَا ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَالْحَاجَةُ هُنَاكَ إلَى فَسْخِ فِعْلٍ مُعْتَبَرٍ، وَالْفَسْخُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْنَا فِيمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَأَلْقَى إنْسَانٌ حَجَرًا عَلَى شَفِيرِهِ فَيَعْثِرُ إنْسَانٌ فِي الْحَجَرِ حَتَّى هَوَى فِي الْبِئْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُلْقِي، وَبِمِثْلِهِ لَوْ ثَنَى حَجَرًا مِنْ شَفِيرِ الْبِئْرِ أَوْ جَاءَ بِهِ سَيْلٌ فَيَعْثِرُ بِهِ إنْسَانٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ بَعْدِ فِعْلِهِ فِعْلٌ مُعْتَبَرٌ فَبَقِيَ حُكْمُ فِعْلِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
قَالَ وَإِذَا تَوَارَى الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ عَنْ الْمُرْسِلِ الْمُسْلِمِ ثُمَّ وَجَدَهُ الْمُسْلِمُ، وَقَدْ قَتَلَهُ وَلَيْسَ فِيهِ أَثَرُ غَيْرِهِ حَلَّ تَنَاوُلُهُ إذَا لَمْ يَتْرُكْ الطَّلَبَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ، وَالتَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ خُصُوصًا فِي الْقَنَّاصِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالطَّيْرُ بَعْدَ إصَابَةِ السَّهْمِ رُبَّمَا يَتَحَامَلُ، وَيَطِيرُ حَتَّى يَغِيبَ عَنْ بَصَرِهِ فَيَسْقُطَ، فَإِنْ كَانَ تَرَكَ الطَّلَبَ إلَى عَمَلٍ آخَرَ حَتَّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ اللَّيْلِ طَلَبَهُ فَوَجَدَ الصَّيْدَ مَيِّتًا، وَالْكَلْبُ عِنْدَهُ وَالْبَازِي، وَبِهِ جِرَاحَةٌ لَا يُدْرَى الْكَلْبُ جَرَحَهُ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحِلُّ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِمَوْتِهِ سَبَبٌ، وَهُوَ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَالْبَازِي، وَالرَّمْيُ وَالْحُكْمُ مَتَى ظَهَرَ عَقِبَ سَبَبِهِ يُحَالُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ جَرَحَ إنْسَانًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَجُعِلَ قَاتِلًا لَهُ، وَلَكِنْ نَسْتَدِلُّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَيْدًا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: كُنْتُ رَمَيْتُهُ بِالْأَمْسِ، وَكُنْتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، ثُمَّ وَجَدْتُهُ اللَّيْلَ، وَفِيهِ مِنْ بَاقِي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَعَلَّ بَعْضَ الْهَوَامِّ أَعَانَكَ عَلَى قَتْلِهِ، فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ»، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ، وَالْإِنْمَاءُ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِكَ إلَّا أَنَّ قَدْرَ مَا لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ جُعِلَ عَفْوًا، فَأَمَّا تَرْكُ الطَّلَبِ مِمَّا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ، وَلَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ، ثُمَّ فِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ يُؤْمَنُ إصَابَةُ آفَةٍ أُخْرَى إيَّاهُ، وَلَا يُؤْمِنُ ذَلِكَ إذَا تَرَكَ الطَّلَبَ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي فَلَعَلَّهُ لَوْ لَمْ يَتْرُكَ الطَّلَبَ وَجَدَهُ حَيًّا فَذَكَاهُ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ تَارِكًا ذَكَاةَ الِاخْتِيَارِ فِيهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ وَفِيهِ جِرَاحَةٌ أُخْرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ تَرَكَ الطَّلَبَ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِمَوْتِهِ سَبَبَانِ أَحَدُهُمَا مُوجِبٌ لِلْحِلِّ وَالْآخَرُ مُوجِبٌ لِلْحُرْمَةِ فَيَغْلِبُ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ الرَّمْيَةُ فِي الْمَاءِ.
قَالَ: (إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازِيَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ ذَلِكَ الصَّيْدَ أَوْ أَخَذَ غَيْرَهُ أَوْ أَخَذَ عَدَدًا مِنْ الصَّيُودِ فَهُوَ كُلُّهُ حَلَالٌ مَا دَامَ عَلَى وَجْهِ الْإِرْسَالِ)؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ قَدْ صَحَّ مِنْ الْمُسْلِمِ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ فَمَا نَأْخُذُهُ مِنْ وَجْهِ إرْسَالِهِ، وَهُوَ مُمْسِكٌ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ يَحِلُّ، وَتَعْيِينُ الصَّيْدِ فِي الْإِرْسَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: التَّعْيِينُ شَرْطٌ حَتَّى إذَا تَرَكَ التَّعْيِينَ فَهُوَ كَتَرْكِ الْإِرْسَالِ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: التَّعْيِينُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَكِنْ إذَا عَيَّنَ اُعْتُبِرَ تَعْيِينُهُ حَتَّى إذَا تَرَكَ ذَلِكَ وَأَخَذَ غَيْرَهُ لَا يَحِلُّ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الشَّرْطُ مَا فِي وُسْعِهِ اتِّخَاذُهُ وَهُوَ الْإِرْسَالُ، فَأَمَّا التَّعْيِينُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْلَمَ الْبَازِي، وَالْكَلْبَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا يُعِينُهُ، وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ الْكَلْبِ، فَإِنَّ الصَّيُودَ كُلَّهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْكَلْبِ فَقَصْدُهُ إلَى أَخْذِ كُلِّ صَيْدٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ، وَعَلَامَةُ عِلْمِهِ إمْسَاكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ، وَمَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا فَسَوَاءٌ أَخَذَ ذَلِكَ الصَّيْدُ أَوْ غَيْرُهُ حَلَّ.
قَالَ: (فَإِنْ قَتَلَ وَاحِدًا وَجَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَأَخَذَهُ لَمْ يُؤْكَلْ)؛ لِأَنَّ فَوْرَ الْإِرْسَالِ قَدْ انْقَطَعَ حِينَ جَثَمَ عَلَى الْأَوَّلِ طَوِيلًا فَقَدْ انْعَدَمَ إرْسَالُ صَاحِبِهِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ الثَّانِي، وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْحِلِّ.
(فَإِنْ قِيلَ:) كَيْفَ يَكُونُ فِعْلُهُ نَاسِخًا لِإِرْسَالِ صَاحِبِهِ.
؟ (قُلْنَا:) إنَّمَا جَثَمَ عَلَى ذَلِكَ الصَّيْدِ بِنَاءً عَلَى إرْسَالِ صَاحِبِهِ لِيَأْتِيَهُ فَيَأْخُذَهُ مِنْهُ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ مَنَعَهُ انْقَطَعَ بِهِ حُكْمُ الْإِرْسَالِ مَعَ أَنَّ فِعْلَ الْعَجْمَاءِ مُعْتَبَرٌ فِي نَسْخِ حُكْمِ فِعْلِ الْآدَمِيِّ بِهِ، كَمَنْ أَرْسَلَ دَابَّةً فِي الطَّرِيقِ فَتَرَكَتْ سُنَنَ الْإِرْسَالِ، وَذَهَبَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَأَتْلَفَتْ مَالًا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمُرْسِلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَهَبَتْ عَلَى سَنَنِ الْإِرْسَالِ.
قَالَ: (وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ صَاحِبُهُ وَالصَّيْدُ حَيٌّ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ) أَمَّا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ ذَكَاةَ الِاخْتِيَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لِفَقْدِ الْآلَةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ لَمْ يَحْمِلْ آلَةَ الذَّكَاةِ مَعَ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدنَا.
(وَقَالَ) الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يَحِلُّ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ بَدَلٌ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، وَمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ لَا يَسْقُطُ حُكْمُ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ سَبُعٌ أَوْ عَدُوٌّ، وَهُنَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ فَبَقِيَ ذَكَاةُ الِاضْطِرَارِ مُوجِبًا لِلْحِلِّ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: ذَكَاةُ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقَعْ فِي يَدِهِ حَيًّا، وَهَذَا قَدْ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا فَسَقَطَ اعْتِبَارٌ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فِيهِ، وَأُلْحِقَ بِمَا كَانَ فِي يَدِهِ كَالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ إذَا سَقَطَ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ فِي الْمَذْبَحِ لِضِيقِ الْوَقْتِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ يُتَوَهَّمُ بَقَاؤُهُ حَيًّا مَعَ الْجُرْحِ الَّذِي جَرَحَهُ الْكَلْبُ، فَأَمَّا إذَا شَقَّ بَطْنَهُ فَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حَيًّا فَمَاتَ حَلَّ تَنَاوُلُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِيهِ فِعْلُ الذَّكَاةِ قَبْلَ وُقُوعِهِ فِي يَدِهِ، وَمَا بَقِيَ فِيهِ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ، فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَنْ ذَبَحَ شَاةً فَاضْطَرَبَتْ وَوَقَعَتْ فِي الْمَاءِ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ لَمْ يَحْرُمْ بِذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَقِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحِلُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا، وَمَوْتُهُ مِمَّا أَصَابَهُ، وَحَيَاتُهُ مَوْهُومٌ، فَإِنَّمَا يَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ حَقِيقَةً، وَهُوَ وُقُوعُهُ حَيًّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، فَلَا يَحِلُّ بِدُونِ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ.
قَالَ: (وَالْكَلْبُ الْكُرْدِيُّ وَالْأَسْوَدُ فِي الِاصْطِيَادِ بِهِ إذَا كَانَ مُعَلَّمًا كَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ}) وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الِاصْطِيَادُ بِالْكِلَابِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُسْتَرْخِيَةِ الْآذَانِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا عِنْدَنَا، وَكَذَلِكَ إذَا عَلَّمَ شَيْئًا مِنْ السِّبَاعِ حَتَّى جَعَلَ يَصِيدُ بِهِ مِثْلَ عَتَاقِ الْأَرْضِ وَغَيْرِهِ، فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ مُعَلَّمٌ أَمْسَكَ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا كَمَنَ الْفَهْدُ فِي إرْسَالِهِ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْ الصَّيْدِ ثُمَّ وَثَبَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ)؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فَهُوَ عَادَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْفَهْدِ أَنَّهُ يَكْمُنُ وَلَا يَعْدُو عَلَى أَثَرِ الصَّيْدِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ، وَلِأَنَّهُ تَحَقَّقَ مَا قَصَدَهُ صَاحِبُهُ بِالْإِرْسَالِ، فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ فَوْرَ الْإِرْسَالِ كَالْوُثُوبِ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ الْكَلْبُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَهْدِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّمَكُّنَ مِنْ الصَّيْدِ، فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ حُكْمُ الْإِرْسَالِ.
(قَالَ:) وَكَانَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: لِلْفَهْدِ خِصَالٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ (مِنْ ذَلِكَ) أَنَّهُ يَكْمُنُ لِلصَّيْدِ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ مِنْهُ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَاهِرَ بِالْخِلَافِ مَعَ عَدُوِّهِ، وَلَكِنْ يَطْلُبُ الْفُرْصَةَ حَتَّى يَحْصُلَ مَقْصُودُهُ مِنْ غَيْرِ إتْعَابِ نَفْسِهِ.
(وَمِنْهُ) أَنَّهُ لَا يَعْدُو خَلْفَ صَاحِبِهِ حَتَّى يَرْكَبَهُ خَلْفَهُ وَهُوَ يَقُولُ: هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيَّ فَلَا أَذِلُّ لَهُ؛ فَلِهَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ لَا يُذِلُّ نَفْسَهُ فِيمَا يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ.
(وَمِنْهُ) أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ، وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبَ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّعِظَ بِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ: السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ.
(وَمِنْهُ) أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَبِيثَ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِهِ اللَّحْمَ الطَّيِّبَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا الطَّيِّبَ.
(وَمِنْهُ) أَنَّهُ يَثِبُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا أَقْتُلُ نَفْسِي فِيمَا أَعْمَلُهُ لِغَيْرِي، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ.
قَالَ: (وَإِذَا شَارَكَهُ فِي الصَّيْدِ كَلْبٌ آخَرُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «وَإِذَا شَارَكَ كَلْبَكَ كَلْبٌ آخَرُ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِكَ» وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْحِلِّ وَالْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ فَيُغَلَّبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّ الصَّيْدَ عَلَيْهِ حَتَّى أَخَذَهُ أَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ سَبُعٌ حَتَّى أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَعَانَهُ عَلَى أَخْذِ الصَّيْدِ، وَبِهَذِهِ الْإِعَانَةِ تَثْبُتُ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ، وَالْبَازِي فِي ذَلِكَ كَالْكَلْبِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ مَا لَيْسَ بِمُعَلَّمِ يُحَرِّمُ الصَّيْدَ، وَالْبَازِي وَالْكَلْبُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ رَدَّ الصَّيْدَ عَلَى الْكَلْبِ مَجُوسِيٌّ حَتَّى أَخَذَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ، فَلَا تَثْبُتُ بِهِ الْمُشَارَكَةُ بَلْ يَكُونُ الصَّيْدُ مَأْخُوذًا بِأَخْذِ الْكَلْبِ الَّذِي أَرْسَلَهُ الْمُسْلِمُ فَكَانَ حَلَالًا، فَأَمَّا فِعْلُ الْكَلْبِ الَّذِي لَمْ يُرْسِلْهُ صَاحِبُهُ، وَفِعْلُ السَّبُعِ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ الَّذِي أَرْسَلَهُ الْمُسْلِمُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ، وَيَجْتَمِعُ فِي الصَّيْدِ الْمُوجِبُ لِلْحِلِّ وَالْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ.
قَالَ: (وَإِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْمُعَلَّمِ)؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ الْمُعَلَّمِ فِيهِ تَرْكُ الْأَكْلِ، وَفِي الْبَازِي الْإِجَابَةُ إذَا دَعَاهُ، فَكَمَا أَنَّ الْبَازِيَ إذَا فَرَّ مِنْهُ وَامْتَنَعَ مِنْ إجَابَتِهِ لَا يَكُونُ مُعَلَّمًا فَكَذَلِكَ الْكَلْبُ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ لَا يَكُونُ مُعَلَّمًا، وَيَحْرُمُ مَا عِنْدَهُ مِنْ صَيُودِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَا يَحْرُمُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ يَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا بِأَخْذِ تِلْكَ الصَّيُودِ، فَأَمَّا إذَا تَطَاوَلَ عَلَيْهِ الْعَهْدُ بِأَنْ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّرَ صَاحِبُهُ صَيُودَهُ لَمْ تَحْرُمْ تِلْكَ الصَّيُودُ؛ لِأَنَّ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَفِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ لَا يُتَوَهَّمُ نِسْيَانُ الْحِرْفَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ حِينَ اصْطَادَ تِلْكَ الصَّيُودَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا لِلشِّبَعِ لَا لِلْإِمْسَاكِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا فَهُمَا يَقُولَانِ قَدْ حَكَمْنَا بِالْحِلِّ فِي الصَّيُودِ الْمَأْخُوذَةِ، وَأَكْلُهُ مِنْ هَذَا الصَّيْدِ مُحْتَمَلٌ قَدْ يَكُونُ لِفَرْطِ الْجُوعِ مَعَ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا، وَقَدْ يَكُونُ لِإِمْسَاكِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّمِ، وَمَا كَانَ مَحْكُومًا بِهِ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالشَّكِّ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: قَدْ حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ جَاهِلًا حَتَّى قُلْنَا: لَا يُؤْكَلُ هَذَا الصَّيْدُ الَّذِي أُكِلَ مِنْهُ، وَلَا مَا يَأْخُذُهُ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَصِرْ مُعَلَّمًا إلَّا أَنَّا إنَّمَا حَكَمْنَا بِذَلِكَ لِنَوْعِ اجْتِهَادٍ مَعَ بَقَاءِ الِاحْتِمَالِ، وَالِاجْتِهَادُ دَلِيلٌ يَصْلُحُ لِلْعَمَلِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ لِنَوْعِ اجْتِهَادٍ مَعَ بَقَاءِ الِاحْتِمَالِ، وَالِاجْتِهَادُ يَصْلُحُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي بَعْضِ مَا مَضَى بِالِاجْتِهَادِ، وَالْحِلُّ فِي الصَّيُودِ الْمُحَرَّزَةِ حُكْمٌ أَمْضَى بِالِاجْتِهَادِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ صَيْدُ كَلْبٍ جَاهِلٍ، فَلَا يُؤْكَلُ مِنْهُ كَالصَّيْدِ الَّذِي أُكِلَ مِنْهُ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْحِرْفَةَ فِي الْكَلْبِ إذَا حَصَلَتْ كَانَتْ ضَرُورِيَّةً، فَلَا يُنْسَى أَصْلُهَا، وَلَكِنَّهَا تَضْعُفُ بِالتَّرْكِ زَمَانًا كَالْخِيَاطَةِ وَالرَّمْيِ وَنَحْوِهِمَا فِي الْآدَمِيِّ، وَلَمَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ جَاهِلًا فِي الْحَالِ تَبَيَّنَ ضَرُورَةً أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا وَأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْأَكْلَ لِلشِّبَعِ حَتَّى لَمْ يَتْرُكْ حِينَ كَانَ جَائِعًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَكْلَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا، وَلَكِنْ تَعَيَّنَ فِيهِ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ كَوْنُهُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ حِينَ حَرُمَ تَنَاوُلُ هَذَا الصَّيْدِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ احْتِمَالِ وَجْهٍ آخَرَ، وَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ وَعَلَيْهِ يُبْنَى الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ قَالَ: (وَلَا يَحِلُّ صَيْدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا) بِأَنْ يَصِيدَ بِهِ ثَلَاثًا، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا فَيَحِلُّ حِينَئِذٍ الرَّابِعُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يُؤَقِّتْ فِيهِ وَقْتًا، وَلَكِنْ يَقُولُ: إذَا صَارَ عَالِمًا فَكُلْ مِنْ صَيْدِهِ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي تَعْلِيمِهِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِأَنْ يُجِيبَهُ إذَا دُعِيَ وَيُرْسِلَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَيَصِيدُهُ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يُؤَقِّتْ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقْتًا، وَلَكِنَّهُ قَالَ: هُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَارَ مُعَلَّمًا فَهُوَ مُعَلَّمٌ، وَرُبَّمَا قَالَ: يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ الصَّيَّادِينَ، فَإِذَا قَالُوا صَارَ مُعَلَّمًا فَهُوَ مُعَلَّمٌ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُعَلَّمَ يُمْسِكَ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ إلَّا أَنَّ تَرْكَ الْأَكْلِ قَدْ يَكُونُ لِلشِّبَعِ وَقَدْ يَكُونُ لِلْإِمْسَاكِ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ مِرَارًا عَلَى الْوَلَاءِ يَزُولُ بِهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَنَعْلَمُ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ لِإِمْسَاكِهِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَقَدَّرْنَا ذَلِكَ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ حُسْنُ الِاخْتِيَارِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قِصَّةُ مُوسَى مَعَ مُعَلِّمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} وَكَذَلِكَ الشَّرْعُ قَدَّرَ مُدَّةَ الِاخْتِيَارِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلِاخْتِيَارِ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ»، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذَا لَمْ يَرْبَحْ أَحَدُكُمْ فِي التِّجَارَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلْيَرْجِعْ إلَى غَيْرِهَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: نَصْبُ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ فَيَكُونُ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الِاجْتِهَادَ وَالرُّجُوعَ إلَى مَنْ لَهُ عِلْمٌ فِي ذَلِكَ الْبَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وَهَذَا لِأَنَّ احْتِمَالَ الشِّبَعِ كَمَا يَكُونُ فِي الْمَرَّةِ يَكُونُ فِي الْمَرَّاتِ، (وَرَوَى) الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِثْلَ قَوْلِهِمَا فِي التَّقْدِيرِ بِالثَّلَاثِ إلَّا أَنَّ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: يُؤْكَلُ الصَّيْدُ الثَّالِثُ، وَهُمَا يَقُولَانِ لَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِكَوْنِهِ مُعَلَّمًا حِينَ تَرَكَ الْأَكْلَ مِنْ الثَّلَاثِ، وَآخِرُهُ لِهَذَا الصَّيْدِ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا يُؤْكَلُ مِنْهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إنَّمَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ مُعَلَّمًا بِطَرِيقِ تَعْيِينِ إمْسَاكِهِ الثَّالِثَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِذَا حَكَمْنَا بِأَنْ يُمْسِكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَقَدْ أَخَذَهُ بَعْدَ إرْسَالِ صَاحِبِهِ حَلَّ التَّنَاوُلُ مِنْهُ كَالرَّابِعِ.
قَالَ: (وَإِذَا أَخَذَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ ثُمَّ وَثَبَ عَلَيْهِ الْكَلْبُ فَانْتَهَشَ مِنْهُ قِطْعَةً وَرَمَى بِهَا صَاحِبُهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا لَمْ يُفْسِدْهُمَا عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ إمْسَاكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ حِينَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى وَصَلَ إلَى يَدِ صَاحِبِهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ انْتِهَاشُهُ مِنْهُ وَمِنْ لَحْمٍ آخَرَ فِي مِخْلَاةِ صَاحِبِهِ سَوَاءٌ، فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا، وَلِأَنَّ هَذَا مِنْ عَادَةِ الصَّيَّادِينَ أَنْ يَأْخُذَ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ ثُمَّ يَرْمِي بِقِطْعَةٍ مِنْهُ إلَيْهِ، وَكَأَنَّ الْكَلْبَ طَالَبَهُ بِهَذِهِ الْعَادَةِ فَهُوَ دَلِيلُ حِذْقِهِ لَا دَلِيلُ جَهْلِهِ، وَإِنْ انْتَهَشَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ قِطْعَةً فِي اتِّبَاعِهِ إيَّاهُ فَأَكَلَهَا ثُمَّ اتَّبَعَهُ فَأَخَذَهُ أَوْ أَخَذَ غَيْرَهُ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكَلَ الْقِطْعَةَ الَّتِي تَمَكَّنَ مِنْهَا مِنْ الصَّيْدِ عَرَفْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ وَأَنَّ سَعْيَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِلْإِمْسَاكِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْأَكْلَ مِمَّا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ شَبِعَ بِتَنَاوُلِ تِلْكَ الْقِطْعَةِ، وَإِنْ كَانَ أَلْقَى تِلْكَ الْقِطْعَةَ وَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى أَخَذَهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ تِلْكَ الْقِطْعَةَ لَمْ تَضُرَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهِ حِينَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ مَعَ حَاجَتِهِ، وَتَنَاوُلُهُ تِلْكَ الْقِطْعَةَ بَعْدَ وُصُولِ الصَّيْدِ إلَى صَاحِبِهِ كَتَنَاوُلِ قِطْعَةٍ أَلْقَاهَا إلَيْهِ صَاحِبُهُ بَلْ ذَلِكَ دَلِيلُ حِذْقِهِ حَتَّى اشْتَغَلَ بِتَنَاوُلِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَرْغَبُ فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَرِبَ مِنْ دَمِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُحَرِّمُ الصَّيْدَ فَكَذَلِكَ هَذَا.