فصل: بَابُ مُكَاتَبَةِ الْمَرِيضِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ مُكَاتَبَةِ الْمَرِيضِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَرِيضٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ نَجَّمَهَا عَلَيْهِ نُجُومًا وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يُخَيِّرُ الْعَبْدُ إنْ شَاءَ عَجَّلَ مَا زَادَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ بِتَأْجِيلِ الْمَالِ عَلَيْهِ أَخَّرَ حَقَّ الْوَرَثَةِ إلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَصِحُّ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهِمْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ التَّأْجِيلِ كَضَرَرِ الْإِبْطَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَيْلُولَةَ تَقَعُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَبَيْنَ حَقِّهِمْ عَقِيبَ مَوْتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَجَّلَ فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ يُعْتَبَرُ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ، وَأَنَّ شُهُودَ التَّأْجِيلِ فِي الدَّيْنِ إذَا رَجَعُوا ضَمِنُوا كَشُهُودِ الْإِبْرَاءِ فَإِنْ عَجَّلَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حُسِبَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيمَ كَانَ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ عَجَّلَ شَيْئًا عِنْدَ اعْتِرَاضِ الْوَرَثَةِ يَشِيعُ الْمُعَجَّلُ فِي جَمِيعِ النُّجُومِ فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ بِحِصَّتِهِ إذْ لَيْسَ بَعْضُ النُّجُومِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُؤَجَّلَ عَنْهُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ.
وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ قِيلَ لَهُ عَجِّلْ ثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُقَالُ لَهُ عَجِّلْ ثُلُثَيْ قِيمَتِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ مَالَ الْمَوْلَى بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا فِي قَدْرِ الثُّلُثِ وَمِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ كَانَ الْمَرِيضُ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَهُ أَصْلًا فَإِذَا تَمَلَّكَهُ مُؤَجَّلًا لَا يَثْبُتُ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْأَجَلِ فِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ.
وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ قِيلَ لَهُ عَجِّلْ ثُلُثَيْ قِيمَتِكَ وَأَنْتَ حُرٌّ وَإِلَّا رَدَدْنَاكَ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ حَابَاهُ بِنِصْفِ الْمَالِ، وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِقَدْرِ ثُلُثِهِ وَإِذَا اسْتَغْرَقَتْ الْمُحَابَاةُ لِلثُّلُثِ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ التَّأْجِيلِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَيُؤْمَرُ بِأَنْ يُعَجِّلَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَيُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِ الْمَوْلَى بِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ مِنْهُ لَمَّا كَانَ الْعَقْدُ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ لَا يُبْطِلُ الِاسْتِحْقَاقَ الثَّابِتَ لِلْمُكَاتِبِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ إنْسَانٍ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَدْرِ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَحَقَّ هُنَا بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إيصَالِ الْمَالِ إلَيْهِ ظَاهِرًا لِيَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ كَمَا كَانَ حَقُّهُمْ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ، ثُمَّ تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ هُنَا أَنَّهُ قَصَدَ بِتَصَرُّفِهِ تَحْصِيلَ الْعِتْقِ لَهُ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ كَأَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهُ مَكَانَ الْكِتَابَةِ؛ فَلِهَذَا كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِهِ.
وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمَوْلَى فِي مَرَضِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَقَلِّ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِأَنَّهُ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَعْجِزَ نَفْسَهُ فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ إلَّا فِي الْقِيمَةِ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ، وَالثُّلُثَانِ فِي الْأَقَلِّ وَهُوَ قِيمَتُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَلِأَنَّ إعْتَاقَهُ إيَّاهُ إبْطَالٌ لِلْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ الْمُبْتَدَأَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى غَيْرُ الْمُعْتَقِ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا إبْطَالًا لِلْكِتَابَةِ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يُكَاتِبْهُ وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فِي مَرَضِهِ وَهُوَ حُرٌّ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمَوْلَى هُوَ الْأَقَلُّ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ تَبَرُّعُهُ بِالْهِبَةِ مِنْ الثُّلُثِ فِيمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ حَقُّهُ وَهُوَ الْأَقَلُّ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ إنَّهُ مَتَى أَدَّى ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ عَتَقَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ وَمُرَادُهُ قَوْلَ يَعْقُوبَ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ لِعِتْقِهِ وَجْهَانِ سَعَى فِي الْأَقَلِّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ جِهَةِ السِّعَايَةِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبَةِ وَلَا يُخَيِّرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مُفِيدٍ.
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ، وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ مَا عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَدْ قَبَضَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَلَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا أَدَّى قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ بِالْإِعْتَاقِ الْمُبْتَدَأِ بَطَلَ حُكْمُ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَمَا أَدَّى قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ فَيَكُونُ سَالِمًا لَهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ السِّعَايَةِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْكِتَابَةِ، وَالسِّعَايَةِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ.
(قَالَ): وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبَةَ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ الْبَاقِيَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ هُنَا أَقَلُّ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَالَ الْمَوْلَى الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ؛ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ، وَالثُّلُثَانِ هُنَا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ.
وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا وَاشْتَرَتْ وَلَدًا آخَرَ لَهَا، ثُمَّ مَاتَتْ سَعَيَا فِي الْكِتَابَةِ عَلَى النُّجُومِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ فِي بَقَاءِ النُّجُومِ بِبَقَائِهِ وَهُوَ الْمُطَالَبُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْأَدَاءَ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ حُلُولِ كُلِّ نَجْمٍ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ كَانَ وَحْدَهُ لَا يُطَالَبُ بِالْمَالِ عَلَى النُّجُومِ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ حَالًّا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهَا يُبَاعُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ غَيْرُ قَائِمٍ مَقَامَهَا، وَإِنَّمَا الْقَائِمُ مَقَامَهَا هُوَ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَصَارَ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ الْآخَرِ كَالْأُمِّ وَفِي حَالِ حَيَاتِهَا كَانَتْ هِيَ الَّتِي تُطَالَبُ بِالْمَالِ وَتَلِي الْأَدَاءَ دُونَ الْوَلَدِ فَكَذَا هُنَا فَإِنْ سَعَى الْوَلَدُ فِي الْكِتَابَةِ وَأَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ أُمِّهِ وَلِأَنَّ كَسْبَهُ فِي أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ تَرِكَتِهَا وَعِنْدَ الْأَدَاءِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ إذَا أَدَّى مِنْ كَسْبِهِ.
وَلَوْ اكْتَسَبَ هَذَا الِابْنُ الْمُشْتَرَى كَسْبًا فَلِأَخِيهِ أَنْ يَأْخُذَهُ فَيَسْتَعِينَ بِهِ فِي كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أُمِّهِ وَكَانَ لَهَا فِي حَيَاتِهَا أَنْ تَأْخُذَ كَسْبَهُ فَكَذَلِكَ لِمَنْ قَامَ مَقَامَهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ الْأَجَلُ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَلَا يَبْقَى الْأَجَلُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَنْ هُوَ أَصْلٌ عَرَفْنَا أَنَّهُ أَصْلٌ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَالْمُشْتَرَى تَبَعٌ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي عَمَلٍ لِيَأْخُذَ كَسْبَهُ فَيَسْتَعِينَ بِهِ فِي مُكَاتَبَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَيَأْمُرُهُ الْقَاضِي أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ أَوْ يَأْمُرُ أَخَاهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ حَيَّةً كَانَ لَهَا أَنْ تُؤَاجِرَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي إذَا أَبَى أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِيُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبَةَ مِنْ إجَارَتِهِ وَمَا اكْتَسَبَ الْمَوْلُودُ فِي الْمُكَاتَبَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَمَا اكْتَسَبَ أَخُوهُ حُسِبَ مِنْ تَرِكَتِهَا فَقَضَى مِنْهُ الْكِتَابَةَ، وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَى بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهَا فَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهَا بِمَنْزِلَةِ مَالٍ خَلَّفَتْهُ يَقْضِي مِنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ، وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ عَنْهَا بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فَأَمَّا الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ قَدْ انْتَصَبَ أَصْلًا فَإِذَا حَكَمَ بِعِتْقِهِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ عِتْقِ أُمِّهِ كَانَ مَا اكْتَسَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ خَاصَّةً وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا عِنْدَهُمَا الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى، وَالْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ وَكُلُّ مَنْ تَكَاتَبَ عَلَيْهَا فِي حُكْمِ السِّعَايَةِ عَلَى النُّجُومِ سَوَاءٌ فَلَا يَكُونُ لِأَخِيهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا يَتْبَعُ لِصَاحِبِهِ.
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ كَاتَبَ الصَّحِيحُ بِإِذْنِهِ جَازَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إبْطَالُهُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُوَرِّثِ إبْطَالُهُ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِوَارِثِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْإِذْنِ إبْطَالُ شَيْءٍ مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ عَمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ إسْقَاطِ خِيَارٍ ثَبَتَ لَهُ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَ بَعْضَ الْمُكَاتَبَةِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، مِنْ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا غَلَطٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْقَبْضِ رِضًا مِنْهُ بِأَنْ يَقْضِيَ الْمُكَاتَبُ دَيْنَهُ بِنِصْفِ الْكَسْبِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمَرِيضِ، وَهَذَا تَبَرُّعٌ مِنْهُ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمَرِيضُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ وَرَثَتِهِ عَنْ كَسْبِهِ بِأَنْ يُسَاعِدَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ فَيُعْمَلُ رِضَاهُ أَيْضًا بِقَضَاءٍ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مِنْ كَسْبِهِ وَلَا يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ سَبِيلٌ عَلَى إبْطَالِ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَتَبَرُّعُهُ بِمَنْفَعَةِ نَصِيبِهِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِهِ فَكَذَلِكَ تَبَرُّعُهُ مِنْ بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ.
وَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّتَهُ مِنْ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْيِيبًا لَهُمَا فَإِنَّ النِّكَاحَ عَيْبٌ فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ جَمِيعًا، وَلَا يَسْقُطُ بِهَذَا الْعَقْدِ نَفَقَتُهَا عَنْهُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ أَيْضًا فَكَانَ هَذَا ضَرَرًا فِي حَقِّ الْمَكَاتِبِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ.
وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَيَقْصِدُ بِهِ اكْتِسَابَ الْمَالِ، وَالْمُكَاتَبُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي مِثْلِهِ وَلِأَنَّ الْفَكَّ الثَّابِتَ بِالْكِتَابَةِ فَوْقَ الثَّابِتِ بِالْإِذْنِ وَإِذَا جَازَ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ لِلْمُكَاتَبِ أَوْلَى فَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ بِيعَ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ الْمَكَاتِبُ وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ الدَّيْنَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ تَنَاوَلَهُ الْفَكُّ الثَّابِتُ بِالْكِتَابَةِ، وَالْمُكَاتَبُ فِي مِثْلِهِ كَالْحُرِّ أَلَا تَرَى أَنَّ فِيمَا يَبِيعُ وَيَشْتَرِي بِنَفْسِهِ جُعِلَ كَالْحُرِّ لِهَذَا فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، وَقَدْ لَحِقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ بِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي دَيْنِ نَفْسِهِ لَا أَنْ يَفْدِيَهُمَا الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ الرَّأْيُ إلَيْهِ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُمَا الدَّيْنَ أَوْ يُبَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي دَيْنِهِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ لَمْ يُصْرَفْ فِي دَيْنِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَالِيَّةِ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ، وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ بَلْ الْمُكَاتَبُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فَكَمَا لَا يَقْضِي دَيْنَ الْعَبْدِ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ الْحُرِّ فَكَذَلِكَ لَا يَقْضِي مِنْ ثَمَنِ الْمُكَاتَبِ.
وَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ شَيْءٌ صُرِفَ فِي دَيْنِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَسْبُهُ وَحَقُّ غُرَمَائِهِ ثَبَتَ فِي كَسْبِهِ إلَّا أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ كَانَ مُقَدَّمًا فِي مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْ دَيْنِهِ صُرِفَ فِي دَيْنِ الْمُكَاتَبَةِ، فَإِنْ قَضَى الْمَوْلَى بَعْضَ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ دَيْنَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى مَنْ اقْتَضَى دَيْنَهُ سَبِيلٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا قَضَى مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ وَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مُتَبَرِّعٍ آخَرَ يَتَبَرَّعُ بِقَضَاءِ بَعْضِ دَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ لِلْبَاقِينَ عَلَى الْمُقْتَضِي سَبِيلٌ وَلَكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الْعَبْدَ بِدَيْنِهِمْ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَلَا يُخَاصِمُهُمْ الْمَوْلَى بِمَا قَضَى مِنْ دَيْنِهِ فِي رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ وَلَا فِي مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ هُوَ فِي الْأَدَاءِ بِمَنْزِلَةِ مُتَبَرِّعٍ آخَرَ وَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْإِذْنِ بِاعْتِبَارِ الْفَكِّ الثَّابِتِ لِلْمُكَاتَبِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِعَجْزِهِ فَيَكُونُ عَجْزُهُ كَمَوْتِ الْحُرِّ وَبِمَوْتِ الْحُرِّ يَصِيرُ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَكَذَلِكَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ عَاجِزًا فَقَدْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ، وَإِنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَهُوَ كَمَوْتِ الْحُرِّ فَيَكُونُ حَجْرًا عَلَى الْعَبْدِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَصِحَّ إذْنُهُ؛ لِأَنَّ غُرَمَاءَ الْعَبْدِ أَحَقُّ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ، وَالْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ إنَّمَا يَخْلُفُ أَبَاهُ فِيمَا هُوَ حَقُّهُ، فَأَمَّا فِيمَا هُوَ حَقُّ غُرَمَائِهِ فَلَا فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ.
وَإِذَا أَذِنَ الْمُكَاتَبُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاسْتَدَانَ دَيْنًا فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِمْ جَازَ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْلَى هُوَ الْمُكَاتَبُ دُونَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ فِي التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ، وَالْمُكَاتَبُ فِي التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ كَالْحُرِّ فِيمَا تَنَاوَلَهُ الْفَكُّ وَدَفْعُ الْعَبْدِ إلَى الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِمْ يَجُوزُ مِنْ الْحُرِّ فَكَذَلِكَ مِنْ الْمَكَاتِبِ.
وَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التَّزْوِيجِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْذَنُ الْعَبْدُ فِيهِ، وَإِنْ أَذِنَ لِأَمَتِهِ فِي التَّزْوِيجِ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَهْرَهَا وَيُسْقِطُ نَفَقَتَهَا عَنْ نَفْسِهِ.
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَيْسَ مِنْ صُنِعَ التُّجَّارِ عَادَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ الْخِيَارِ فِي الْكِتَابَةِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَيَجُوزُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ نُفُوذِهِ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الْمَوْلَى لِنَفْسِهِ فِيهَا الْخِيَارَ ثَلَاثًا فَاكْتَسَبَ الْعَبْدُ كَسْبًا أَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا، ثُمَّ أَجَازَ الْكِتَابَةَ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ كَانَ مَانِعًا مِنْ نُفُوذِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَتِمُّ الْعَقْدُ مِنْ حِينِ عُقِدَ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يُسَلَّمُ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ، وَالْمُنْفَصِلَةِ وَلِأَنَّ وَلَدَهَا فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْهَا وَهِيَ صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فَكَذَلِكَ بِمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا، وَالْعُقْرُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا، وَالْكَسْبُ بَدَلُ مَنَافِعِهَا وَهِيَ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهَا بِحُكْمِ الْكِتَابَةِ كَمَا أَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَ أَوْ أَعْتَقَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ رَدٌّ لِلْمُكَاتَبَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.
وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَأَعْتَقَ الْوَلَدَ أَوْ بَاعَهُ كَانَ رَدًّا لِلْبَيْعِ، وَالْمَعْنَى فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهَا وَلَوْ بَاشَرَ هَذَا التَّصَرُّفَ فِيهَا كَانَ رَدًّا لِلْمُكَاتَبَةِ فَكَذَلِكَ فِي جُزْءٍ مِنْهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُسَلِّمُ لَهَا بِنُفُوذِ الْكِتَابَةِ بِالْإِجَازَةِ وَمَقْصُودُ الْمَوْلَى تَصْحِيحُ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إلَّا بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ فَجَعَلْنَاهُ فَاسِخًا لِهَذَا، وَلَكِنْ فِيهِ بَعْضُ الْإِشْكَالِ فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عِتْقِ الْوَلَدِ، وَبَيْنَ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ وَلَدَهَا بَعْدَ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ وَلُزُومِهَا كَانَ عِتْقُهُ صَحِيحًا نَافِذًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْعَلَ إعْتَاقُهُ الْوَلَدَ رَدًّا لِلْكِتَابَةِ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ، وَلَكِنَّهُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ.
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ صِغَارٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَاتَ بَعْضُ وَلَدِهِ، ثُمَّ أَجَازَ الْكِتَابَةَ جَازَتْ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ كُلُّهُ عَلَيْهِ دُونَ الْوَلَدِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ فِي إلْزَامِ الْبَدَلِ إيَّاهُ فَكَذَلِكَ مَوْتُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي كِتَابَتِهِ وَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ.
وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّتَهُ عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ فَأَعْتَقَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ عِتْقِ السَّيِّدِ الْوَلَدَ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ فِيهَا مُمْكِنٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ وَلَدَهَا بَعْدَ لُزُومِ الْكِتَابَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ، ثُمَّ لَا يُحَطُّ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَحْصِيلَ بَعْضِ مَقْصُودِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ لَمْ يُحَطَّ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَكَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْكِتَابَةِ إذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمَوْلَى فَإِنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْعِتْقِ هُنَاكَ فَسْخٌ مِنْهُ لِلْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ كَانَ فَسْخًا لِلْعَقْدِ حَتَّى لَا يُعْتَقَ الْوَلَدُ مَعَهَا فَكَذَلِكَ إعْتَاقُهُ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ بِخِيَارِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهَا فَالْعَقْدُ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَكُنْ فَاسِخًا لِلْكِتَابَةِ حَتَّى يُعْتِقَ الْوَلَدَ مَعَهَا وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ وَلَدَهَا فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَالْخِيَارِ لِلْمَوْلَى فَلَهُ الْإِجَازَةُ، ثُمَّ الْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ اسْتِحْسَانًا.
وَفِي الْقِيَاسِ الْمُكَاتَبَةُ بَاطِلَةٌ وَبِالْقِيَاسِ يَأْخُذُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ أَوَانَ لُزُومِ الْعَقْدِ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ مَنْ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ عِنْدَ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا عَلَى الْوَلَدِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُودُ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ الْأَصْلُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْخَلَفِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهَا فَبَقَاؤُهُ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ كَبَقَائِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ نُفُوذِ الْعَقْدِ لَوْ مَاتَتْ جَعَلَ الْوَلَدَ قَائِمًا مَقَامَهَا فِي السِّعَايَةِ عَلَى النُّجُومِ فَكَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِالْإِجَازَةِ إذَا مَاتَتْ بِجَعْلِ الْوَلَدِ قَائِمًا مَقَامَهَا فِي تَنْفِيذِ الْعَقْدِ بِالْإِجَازَةِ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَّا ذَلِكَ لِحَاجَتِهَا وَلِحَاجَةِ وَلَدِهَا إلَى تَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهَا فَمَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يُورَثُ مِمَّنْ هُوَ حُرٌّ فَكَيْفَ يُورَثُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَلَكِنَّهَا لَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ وَعَجَزَتْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ سَقَطَ خِيَارُهَا، فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمَوْلَى فَاشْتَرَتْ وَبَاعَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، ثُمَّ رَدَّ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَةَ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِمَّا صَنَعَتْ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ بَطَلَتْ بِفَسْخِ الْمَوْلَى قَبْلَ تَمَامِهَا، وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ وَلُزُومِهَا فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مَأْذُونَةً فِي التِّجَارَةِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى رَآهَا فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهَا فَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَاسْتَدَانَ دَيْنًا، ثُمَّ رَدَّ الْبَائِعُ الْبَيْعَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَأَمَّا إذَا رَآهُ يَتَصَرَّفُ فَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ لَنَا عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ النَّهْيِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِتَصَرُّفِهِ يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا، وَدَلِيلُ الرِّضَا كَصَرِيحِ الرِّضَا وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ كَانَ إجَازَةً مِنْهُ لِلْكِتَابَةِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُكَاتَبِ كَانَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ رِضًا مِنْهُ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مِنْهُ فَيَتَضَمَّنُ الْإِجَازَةَ لِلْعَقْدِ مِنْهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ الْمُشْتَرِي فِي التِّجَارَةِ كَانَ هَذَا رِضًا مِنْهُ بِالْبَيْعِ فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ، وَالْمَآبُ.