الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).
.تفسير الآيات (36- 42): {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)}{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى} فأخرني {إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} {يوم الدين} و{يوم يبعثون} و{يوم الوقت المعلوم} في معنى واحد، ولكن خولف بين العبارات سلوكاً بالكلام طريقة البلاغة. وقيل: إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت لأنه لا يموت يوم البعث أحد فلم يجب إلى ذلك وانظر إلى آخر أَيام التكليف {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى} الباء للقسم و{ما} مصدرية وجواب القسم لأزينن لهم ومعنى أقسم بإغوائك إياي {لازَيِّنَنَّ لَهُمْ} المعاصي ونحو قوله {بما أغويتني لأزينن لهم} {فَبِعِزَّتِكَ لاَغْوِيَنَّهُمْ} [ص: 82] في أنه إقسام إلا أن أحدهما إقسام بصفه الذات والثاني بصفة الفعل، وقد فرق الفقهاء بينهما فقال العراقيون: الحلف بصفة الذات كالقدرة والعظمة والعزة يمين، والحلف بصفة الفعل كالرحمة والسخط ليس بيمين. والأصح أن الأيمان مبنية على العرف فما تعارف الناس الحلف به يكون يميناً ومالاً فلا، والآية حجة على المعتزلة في خلق الأفعال. وحملهم على التسبيب عدول عن الظاهر {فِى الأرض} في الدنيا التي هي دار الغرور، وأراد إني أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء فأنا على التزيين لأولاده في الأرض أقدر. {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} وبكسر اللام: بصري ومكي وشامي استثنى المخلص لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلونه منه. {قَالَ هَذَا صراط عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} أي هذا طريق حق عليَّ أن أراعيه وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته. وقيل: معنى {على} إلي. {على} يعقوب من علو الشرف والفضل..تفسير الآيات (43- 48): {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)}{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} الضمير للغاوين {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ} من أتباع إبليس {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} نصيب معلوم مفرز. قيل: أبواب النار أطباقها وأدراكها، فأعلاها للموحدين يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون، والثاني لليهود، والثالث للنصارى، والرابع للصابئين، والخامس للمجوس، والسادس للمشركين، والسابع للمنافقين {إِنَّ المتقين في جنات وَعُيُونٍ} وبضم العين: مدني وبصري وحفص. المتقي على الإطلاق من يتقي ما يجب اتقاؤه مما نهى عنه. وقال في الشرح: إن دخل أهل الكبائر في قوله {لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} فالمراد بالمتقين الذين اتقوا الكبائر وإلا فالمراد به الذين اتقوا الشرك {ادخلوها} أي يقال لهم ادخلوها {بِسَلامٍ} حال أي سالمين أو مسلماً عليكم تسلم عليكم الملائكة {ءَامِنِينَ} من الخروج منهما والآفات فيها وهو حال أخرى {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} وهو الحقد الكامن في القلب أي إن كان لأحدهم غل في الدنيا على آخر نزع الله ذلك في الجنة من قلوبهم وطيب نفوسهم. وعن علي رضي الله عنه: أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم. وقيل: معناه طهر الله قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ونزع منها كل غل وألقى فيها التوادد والتحابب {إِخْوَانًا} حال {على سُرُرٍ متقابلين} كذلك قيل تدور بهم الأسرة حيثما داروا فيكونون في جميع أحوالهم متقابلين يرى بعضهم بعضاً {لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} في الجنة تعب {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} فتمام النعمة بالخلود، ولما أتم ذكر الوعد والوعيد أتبعه..تفسير الآيات (49- 54): {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)}{نَبِّئ عِبَادِى أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم} تقريراً لما ذكر وتمكيناً له في النفوس. قال عليه السلام: «لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه في العبادة ولما أقدم على ذنب» وعطف {وَنَبِّئْهُمْ} وأخبر أمتك. عطفه على {نبئ عبادي} ليتخذوا ما أحل من العذاب بقوم لوط عبرة يعتبرون بها سخط الله وانتقامه من المجرمين ويتحققوا عنده أن عذابه هو العذاب الأليم {عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} أي أضيافه وهو جبريل عليه السلام مع أحد عشر ملكاً، والضيف يجئ واحداً وجمعاً لأنه مصدر ضافه {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا} أي نسلم عليك سلاماً أو سلمنا سلاماً {قَالَ} أي إبراهيم {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} خائفون لامتناعهم من الأكل أو لدخولهم بغير إذن وبغير وقت {قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ} لا تخف {إِنَّا نُبَشِّرُكَ} استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل أي إنك مبشر آمن فلا توجل. وبالتخفيف وفتح النون: حمزة {بغلام عَلِيمٍ} هو إسحاق لقوله في سورة هود {فبشرناها بإسحاق} [هود: 71] {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى على أَن مَّسَّنِىَ الكبر} أي أبشرتموني مع مس الكبر بأن يولد لي أي إن الولادة أمر مستنكر عادة مع الكبر {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} هي (ما) الاستفهامية دخلها معنى التعجب كأنه قيل: فبأي أعجوبة تبشرون، وبكسر النون والتشديد: مكي، والأصل (تبشرونني) فأدغم نون الجمع في نون العماد ثم حذفت الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها. {تبشرون} بالتخفيف: نافع، والأصل (تبشرونني) فحذفت الياء اجتزاء بالكسرة وحذف نون الجمع لاجتماع النونين، والباقون: بفتح النون، وحذف المفعول والنون نون الجمع..تفسير الآيات (55- 60): {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)}{قَالُواْ بشرناك بالحق} باليقين الذي لا لبس فيه {فَلاَ تَكُن مّنَ القانطين} من الآيسين من ذلك {قَالَ} أي إبراهيم {وَمَن يَقْنَطُ} وبكسر النون: بصري وعلي {مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضآلون} إلا المخطئون طريق الصواب أو إلا الكافرون كقوله: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87] أي لم أستنكر ذلك قنوطاً من رحمته ولكن استبعاداً له في العادة التي أجراها. {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ} فما شأنكم {أَيُّهَا المرسلون قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} أي قوم لوط {إِلآ ءَالَ لُوطٍ} يريد أهله المؤمنين، والاستثناء منقطع لأن القوم موصوفون بالإجرام والمستثني ليس كذلك، أو متصل فيكون استثناء من الضمير في {مجرمين} كأنه قيل: إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم، والمعنى يختلف باختلاف الاستثناءين لأن آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال يعنى أنهم ارسلوا إلى القوم المجرمين خاصة ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلاً، ومعنى ارسالهم إلى القوم المجرمين كإرسال السهم إلى المرمى في أنه في معنى التعذيب والإهلاك كأنه قيل: إنا أهلكنا قوماً مجرمين ولكن آل لوط أنجيناهم. وأما في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال يعني أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعاً ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء. وإذا انقطع الاستثناء جرى {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} مجرى خبر لكن في الاتصال بآل لوط لأن المعنى. لكن آل لوط منجون، وإذا اتصل كان كلاماً مستأنفاً كأن إبراهيم عليه السلام قال لهم: فما حال آل لوط؟ فقالوا: إنا لمنجوهم {إِلاَّ امرأته} مستثنى من الضمير المجرور في {لمنجوهم} وليس باستثناء من الاستثناء، لأن الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه بأن يقول (أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته) وهنا قد اختلف الحكمان لأن إلا آل لوط متعلق ب {أرسلنا} أو ب {مجرمين} و{إلا امرأته} متعلق ب {منجوهم} فكيف يكون استثناء من استثناء. {لمنجوهم} بالتخفيف: حمزة وعلي {قَدَّرْنَآ} وبالتخفيف: أبو بكر {إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} الباقين في العذاب. قيل: لو لم تكن اللام في خبرها لوجب فتح (إن) لأنه مع اسمه وخبره مفعول {قدرنا} ولكنه كقوله {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} (الصافات: 158) وإنما أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم ولم يقولوا قدر الله لقربهم كما يقول خاصة الملك أمرنا بكذا والآمر هو الملك..تفسير الآيات (61- 66): {فَلَمَّا جَاءَ آَلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)}{فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوطٍ المرسلون قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} أي لا أعرفكم أي ليس عليكم زي السفر ولا أنتم من أهل الحضر فأخاف أن تطرقوني بشر {قَالُواْ بَلْ جئناك بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل جئناك بما فيه سرورك وتشفيك من أعدائك وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله فيمترون فيه أي يشكون ويكذبونك {وأتيناك بالحق} باليقين من عذابهم {وِإِنَّا لصادقون} في الإخبار بنزوله بهم {فَأْسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الَّيْلِ} في آخر الليل أو بعد ما يمضي شيء صالح من الليل {واتبع أدبارهم} وسر خلفهم لتكون مطلعاً عليهم وعلى أحوالهم {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم، أو جعل النهي عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف لأن من يلتفت لابد له في ذلك من أدنى وقفة {وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} حيث أمركم الله بالمضي إليه وهو الشام أو مصر {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر} عدى {قضينا} ب (إلى) لأنه ضمن معنى أوحينا كأنه قيل: وأوحينا إليه مقضياً مبتوتاً، وفسر ذلك الأمر بقوله {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْءِ مَقْطُوعٌ} وفي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر ودابرهم آخرهم أي يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد {مُّصْبِحِينَ} وقت دخولهم في الصبح وهو حال من {هؤلاء}.تفسير الآيات (67- 72): {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)}{وَجَآءَ أَهْلُ المدينة} سدوم التي ضرب بقاضيها المثل في الجور {يَسْتَبْشِرُونَ} بالملائكة طمعاً منهم في ركوب الفاحشة {قَالَ} لوط {إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِى فَلاَ تَفْضَحُونِ} بفضيحة ضيفي لأن من أساء إلى ضيفي فقد أساء إليّ {واتقوا الله وَلاَ تُخْزُونِ} أي ولا تذلوني بإذلال ضيفي من الخزي وهو الهوان. وبالياء فيهما: بعقوب {قَالُواْ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين} عن أن تجير منهم أحداً أو تدفع عنهم فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد، وكان عليه السلام يقوم بالنهي عن المنكر والحجز بينهم وبين المتعرض له فأوعدوه وقالوا {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} [الشعراء: 167] أو عن ضيافة الغرباء {قَالَ هؤلاءآء بَنَاتِى} فانكحوهن وكان نكاح المؤمنات من الكفار جائزاً ولا تتعرضوا لهم {إِن كُنتُمْ فاعلين} إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله دون ما حرم فقالت الملائكة للوط عليه السلام {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ} أي في غوايتهم التي أذهبت عقولهم وتمييزهم بين الخطإ الذي هم عليه وبين الصواب الذي تشير به عليهم من ترك البنين إلى البنات {يَعْمَهُونَ} يتحيرون فيكيف يقبلون قولك ويصغون إلى نصيحتك، أو الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط تعظيماً له. والعُمر والعَمر واحد وهو البقاء إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح إيثاراً للأخف لكثرة دور الحلف على ألسنتهم ولذا حذفوا الخبر وتقديره لعمرك قسمي..تفسير الآيات (73- 87): {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86) وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (87)}{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} صيحة جبريل عليه السلام {مُشْرِقِينَ} داخلين في الشروق وهو بزوغ الشمس {فَجَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا} رفعها جبريل عليه السلام إلى السماء ثم قلبها والضمير لقرى قوم لوط {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجِّيلٍ إِنَّ في ذَلِكَ لآيات لِلْمُتَوَسِّمِينَ} للمتفرسين المتأملين كأنهم يعرفون باطن الشيء بسمة ظاهرة {وَإِنَّهَا} وإن هذه القرى يعني آثارها {لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعد. وهم يبصرون تلك الآثار وهو تنبيه لقريش كقوله {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وباليل} [الصافات: 137] {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} لأنهم المنتفعون بذلك. {وَإِن كَانَ أصحاب الأيكة} وإن الأمر والشأن كان أصحاب الأيكة أي الغيضة {لظالمين} لكافرين وهم قوم شعيب عليه السلام {فانتقمنا مِنْهُمْ} فأهلكناهم لما كذبوا شعيباً {وَإِنَّهُمَا} يعني قرى قوم لوط والأيكة {لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} لبطريق واضح والإمام اسم ما يؤتم به فسمى به الطريق ومِطمر البناء لأنهما مما يؤتم به {وَلَقَدْ كَذَّبَ أصحاب الحجر المرسلين} هم ثمود، والحجر واديهم وهو بين المدينة والشام المرسلين يعني بتكذيبهم صالحاً لأن كل رسول كان يدعو إلى الإيمان بالرسل جميعاً، فمن كذب واحداً منهم فكأنما كذبهم جميعاً، أو أراد صالحاً ومن معه من المؤمنين كما قيل (الخبيبون) في ابن الزبير وأصحابه {وءاتيناهم ءاياتنا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} أي أعرضوا عنها ولم يؤمنوا بها {وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا} أي ينقبون في الجبال بيوتاً أو يبنون من الحجارة {ءَامِنِينَ} لوثاقة البيوت واستحكامها من أن تنهدم ومن نقب اللصوص والأعداء، أو آمنين من عذاب الله يحسبون أن الجبال تحميهم منه {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} العذاب {مُّصْبِحِينَ} في اليوم الرابع وقت الصبح {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من بناء البيوت الوثيقة واقتناء الأموال النفيسة. {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق} إلا خلقاً ملتبساً بالحق لا باطلاً وعبثا أو بسبب العدل والإنصاف يوم الجزاء على الأعمال {وَإِنَّ الساعة} أي القيامة لتوقعها كل ساعة {لآتِيَةٌ} وإن الله ينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيئاتهم فإنه ما خلق السموات والأَرض وما بينهم، إلا لذلك.{فاصفح الصفح الجميل} فأعرض عنهم إعراضاً جميلاً بحلم وإغضاء. قيل: هو منسوخ بآية السيف، وإن أريد به المخالفة فلا يكون منسوخاً {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق} الذي خلقك وخلقهم {العليم} بحالك وحالهم فلا يخفي عليه ما يجري بينكم وهو يحكم بينكم {وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا} أي سبع آيات وهي الفاتحة أو سبع سور وهي الطوال، واختلف في السابعة فقيل الأنفال وبراءة لأنهما في حكم سورة بدليل عدم التسمية بينهما، وقيل سورة يونس أو أسباع القرآن {مِّنَ المثاني} هي من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة مما يتكرر في الصلاة، أو من الثناء لاشتمالهما على ما هو ثناء على الله، والواحدة مثناة أو مثنية صفة للآية.وأما السور أو الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد ولما فيها من الثناء كأنها تثني على الله، وإذا جعلت السبع مثاني فمن للتبيين، وإذا جعلت القرآن مثاني ف (من) للتبعيض {والقرءان العظيم} هذا ليس بعطف الشيء على نفسه لأنه إذا أريد بالسبع الفاتحة أو الطوال فما وراءهن ينطلق عليه اسم القرآن لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل دليله قوله {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذا القرءان} [يوسف: 3] يعني سورة يوسف، وإذا أريد به الأَسباع فالمعنى ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم أي الجامع لهذين النعتين وهو التثنية أو الثناء والعظم. ثم قال لرسوله:
|