الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
في طريقة أهل السنة العملية ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم (1)............. (1) لما فرغ المؤلف مما يريد ذكره من طريقة أهل السنة العقدية، شرع في ذكر طريقتهم العملية. · قوله: " اتباع الآثار" : لا اتباع إلا بعلم ، إذاً، فهم حريصون على طلب العلم، ليعرفوا آثار الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يتبعونها آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والأخلاق والدعوة إلي الله تعالي، يدعون عباد الله إلي شريعة الله في كل مناسبة، وكلما اقتضت الحكمة أن يدعوا إلي الله، دعوا إلي الله، ولكنهم لا يخبطون خبط عشواء، وإنما يدعون بالحكمة، يتبعون آثار الرسول عليه الصلاة والسلام في الأخلاق الحميدة في معاملة الناس باللطف واللين، وتنزيل كل إنسان منزلته، يتبعونه أيضاً في أخلاقه مع أهله، فتجدهم يحرصون على أن يكونوا أحسن الناس لأهليهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ونحن لا نستطيع أن نحصر آثار الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن نقول على سبيل الإجمال في العقيدة والعبادة والخلق والدعوة: في العبادة لا يتشددون ولا يتهاونون ويتبعون ما هو أفضل. وربما يشتغلون عن العبادة بمعاملة الخلق للمصلحة، كما كان الرسول يأتيه الوفود يشغلونه عن الصلاة، فيقضيها فيما بعد. باطناً وظاهراً (1) ................................................... (1) قوله: " باطناً وظاهراً " : الظهور والبطون أمر نسبي: ظاهراً فيما يظهر للناس ، وباطناً فيما يسرونه بأنفسهم. ظاهراً في الأعمال الظاهرة، وباطناً في أعمال القلوب......... فمثلاً، التوكل والخف والرجاء والإنابة والمحبة وما أشبه ذلك، هذا من أعمال القلوب، يقومون بها على الوجه المطلوب، والصلاة فيها القيام والقعود والركوع والسجود والصدقة والحج، والصيام، وهذه من أعمال الجوارح، فهي ظاهرة. · ثم أعلم أن آثار الرسول صلى الله عليه وسلم تنقسم إلي ثلاثة أقسام أو أكثر: أولاً: ما فعله على سبيل التعبد، فهذا لا شك أننا مأمورون باتباعه، لقوله تعالى: ثانياً : ما فعله اتفاقاً ، فهذا لا يشرع لنا التأسي فيه، لأنه غير مقصود ، كما لو قال قائل : ينبغي أن يكون قدومنا إلي مكة في الحج في اليوم الرابع من ذي الحجة ! لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة (2) فنقول: هذا غير مشروع، لأن قدومه صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم وقع اتقافاً. ولو قائل قال: ينبغي إذا دفعنا من عرفة ووصلنا إلي الشعب الذي نزل فيه صلى الله عليه وسلم وبال أن ننزل ونبول ونتوضاً وضوء خفيفاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم! فنقول: هذا لا يشرع. وكذلك غيرها من الأمور التي وقعت اتفاقاً، فإنه لا يشرع التأسي فيه بذلك ، لأنه صلى الله عليه وسلم فعله لا علي سبيل القصد للتعبد، والتأسي به تعبد. ثالثاً: ما فعله بمقتضي العادة، فهل يشرع لنا التأسي به؟ الجواب: نعم، ينبغي لنا أن نتأسي به، لكن بجنسه لا بنوعه. وهذه المسألة قل من يتفطن لها من الناس، يظنون أن التأسي به فيما هو علي سبيل العادة بالنوع، ثم ينفون التأسي به في ذلك. ونحن نقول: نتأسي به، لكن باعتبار الجنس، بمعني أن نفعل ما تقتضيه العادة التي كان عليها الناس، إلا أن يمنع ذلك مانع شرعي. رابعاً: ما فعله بمقتضي الجبلة، فهذا ليس من العبادات قطعاً، لكن قد يكون عبادة من وجه، بأن يكون فعله على صفة معينة عبادة: كالنوم، فإنه بمقتضي الجبلة، لكن يسن أن يكون فعله على صفة معينة عبادة: كالنوم، فإنه بمقتضي الجبلة، لكن يسن أن يكون على اليمين، والأكل والشرب جبلة وطبيعة، ولكن قد يكون عبادة من جهة أخري، إذا قصد به الإنسان امتثال أمر الله والتنعم بنعمه والقوة على عبادته وحفظ البدن، ثم إن صفة أيضاً تكون عبادة كالأكل باليمين، والبسملة عند البداءة، والحمدلة عند الانتهاء. وهنا نسأل: هل اتخاذ الشعر عادة أو عبادة؟ يري بعض العلماء أنه عبادة، وأنه يسن للإنسان اتخاذ الشعر. ويري آخرون أن هذا من الأمور العادية، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رآه قد حلق بعض رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: وهذه المسألة ينبغي التثبت فيها، ولا يحكم على شيء بأنه عبادة، إلا بدليل، لأن الأصل في العبادات المنع، إلا ما قام الدليل على مشروعيته. وأتباع (1) سبيل السابقين (2) الأولين (3) من المهاجرين(4) والأنصار(5) ......... (1) أي: ومن طريقة أهل السنة اتباع ... الخ، فهي معطوفة على " اتباع الآثار". (2) يعني: إلي الأعمال الصالحة. (3) يعني: من هذه الأمة. (4) المهاجرون: من هاجروا إلي المدينة. (5) الأنصار: أهل المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. · وإنما كان اتباع سبيلهم من منهج أهل السنة والجماعة، لأنهم أقرب إلي الصواب والحق ممن بعدهم، وكلما بعد الناس عن عهد النبوة، بعدوا من الحق، وكلما قرب الناس من عهد النبوة، قربوا من الحق، وكلما كان الإنسان أحرص على معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، كان أقرب إلي الحق. ولهذا تري اختلاف الأمة بعد زمن الصحابة والتابعين أكثر انتشاراً وأشمل لجميع الأمور، لكن الخلاف في عهدهم كان محصوراً. فمن طريقة أهل السنة والجماعة أن ينظروا في سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فيتبعوها، لأن اتباعها يؤدي إلي محبتهم، مع كونهم أقرب إلي الصواب والحق، خلافاً لمن زهد في هذه الطريقة، وصار يقول: هم رجال ونحن رجال ! ونحن رجال! لا يبالي بخلافهم!! وكأن قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي كقول فلان وفلان من أواخر هذه الأمة !! وهذا خطأ وضلال، فالصحابة أقرب إلي الصواب، وقولهم مقدم على قول غيرهم من أجل ما عندهم من الإيمان والعلم، وما عندهم من الفهم السليم التقوي والأمانة، وما لهم من صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم. واتباع(1) وصية (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (1) " اتباع " : معطوف على " اتباع الآثار ". (2) " الوصية " العهد إلي غيره بأمر هام. (3) معني: " عليكم بسنتي ... " إلخ: الحث على التمسك بها، وأكد هذا بقوله: · والسنة: هي الطريقة ظاهراً وباطناً. · والخلفاء الراشدين: هم الذين خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته علماً وعملاً ودعوة. · وأول من يدخل في هذا الوصف وأولي من يدخل فيه: الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. · ثم يأتي رجل في هذا العصر، ليس عنده من العلم شيء، ويقول: أذان الجمعة الأول بدعة، لأنه ليس معروفاً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويجب أن نقتصر على الأذان الثاني فقط ! فنقول له: إن سنة عثمان رضي الله عنه سنة متبعة إذا لم تخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقم أحد من الصحابة الذين هم أعلم منك وأغير على دين الله بمعارضته، وهو من الخلفاء الراشدين المهديين، الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباعهم. ثم إن عثمان رضي الله عنه أعتمد على أصل، وهو أن بلالاً يؤذن قبل الفجر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، لا لصلاة الفجر، ولكن ليرجع القائم ويوقظ النائم، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر عثمان بالأذان الأول يوم الجمعة (4) · فأهل السنة والجماع يتبعون ما أوصي به النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم من الحث علي التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، إلا إذا خالف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعتذر عن هذا الصحابي، ونقول: هذا من باب الاجتهاد المعذور فيه.
وإياكم (1) ومحدثات الأمور (2) .............................................. (1) إياكم للتحذير، أي : أحذركم. (2) " والأمور ": بمعني : الشؤون، والمراد بها أمور الدين، أما أمور الدنيا، فلا تدخل في هذا الحديث، لأن الأصل في أمور الدنيا الحل، فما ابتدع منها، فهو حلال، إلا أن يدل الدليل على تحريمه. لكن أمور الدين الأصل فيها الحظر، فما ابتدع منها، فهو حرام بدعة، إلا بدليل من الكتاب والسنة على مشروعيته.
فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " (1) .............................. (1) قال النبي عليه الصلاة السلام: هذا كلام عام مسور بأقوي لفظ دال على العموم، وهو لفظ ( كل ) ، فهو تعميم محكم صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم ، والرسول عليه الصلاة والسلام أعلم الخلق بشريعة الله، وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق بياناً، وأصدقهم خبراً، فاجتمعت في حقه أربعة أمور: علم ونصح وفصاحة وصدق، نطق بقوله: فعلي هذا: كل من تعبد لله بعقيدة أو قول أو فعل لم يكن من شريعة الله، فهو مبتدع. فالجهمية يتعبدون بعقيدتهم، ويعتقدون أنهم منزهون لله، والمعتزلة كذلك. والأشاعرة يتعبدون بما هم عليه من عقيدة باطلة. - والذين أحدثوا أذكاراً معينة يتعبدون لله بذلك، ويعتقدون أنهم مأجورون على هذا. - والذين أحدثوا أفعالاً يتعبدون لله بها ويعتقدون أنهم مأجورون على هذا. كل هذه الأصناف الثلاثة الذين ابتدعوا في العقيدة أو في الأقوال أو في الأفعال، كل بدعة من بدعهم، فهي ضلالة، ووصفها الرسول عليه الصلاة والسلام بالضلالة، لأنها مركب، ولأنها أنحراف عن الحق. · والبدعة تستلزم محاذير فاسدة: فأولاً: تستلزم تكذيب قول الله تعالى: ثانياً: تستلزم القدح في الشريعة، وأنها ناقصة، فأكملها هذا المبتدع. ثالثاً : تستلزم القدح في المسلمين الذين لم يأتوا بها، فكل من سبق هذه البدع من الناس دينهم ناقص! وهذا خطير !! رابعاً:ما لوزام هذه البدعة أن الغالب أن من اشتغل ببدعة، انشغل عن سنة، كما قال بعض السلف: " ما أحدث قوم بدعة، إلا هدموا مثلها من السنة". خامساً: أن هذه البدع توجب تفرق الأمة، لأن هؤلاء المبتدعة يعتقدون أنهم أصحاب الحق، ومن سواهم علي ضلال!! وأهل الحق يقولون: أنتم الذين على ضلال ! فتتفرق قلوبهم. فهذه مفاسد عظيمة، كلها تترتب علي البدعة من حيث هي بدعة، مع أنه يتصل بهذه البدعة سفه في العقل وخلل في الدين. · وبهذا نعرف أن من قسم البدعة إلي ثلاثة أقسام أو خمسة أو ستة، فقد أخطأ، وخطؤه من أحد وجهين: - إما أن لا ينطبق شرعاً وصف البدعة على ما سماه بدعة. - وإما أن لا يكون حسناً كما زعم. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: · فإن قلت: ما تقول في قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حين خرج إلي الناس وهم يصلون بإمامهم في رمضان، فقال: نعمت البدعة هذه (6) فالجواب أن نقول: ننظر إلي هذه البدعة التي ذكرها، هل ينطبق عليها وصف البدعة الشرعية أو لا. فإذا نظرنا لم يخرج وجدنا أنه لا ينطبق عليها وصف البدعة الشرعية، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في رمضان ثلاث ليال، ثم تركه خوفاً من أن تفرض عليهم (7) وإنما سماها عمر رضي الله عنه بدعة، لأن الناس تركوها، وصاروا لا يصلون جماعة بإمام واحد، بل أوزاعاً، الرجل وحده والرجلان والثلاثة والرهط، فلما جمعهم علي إمام واحد، صار اجتماعهم بدعة بالنسبة لما كانوا عليه أولاً من هذا التفرق. فإنه خرج رضي الله عنه ذات ليلة، فقال: لو أني جمعت الناس على إمام واحد، لكان أحسن، فأمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدي عشرة ركعة، فقاما للناس بإحدي عشرة ركعة، فخرج ذات ليلة والناس يصلون بإمامهم، فقال: نعمت البدعة هذه. إذاً، هي بدعة نسبية، باعتبار أنها تركت ثم أنشئت مرة أخري. فهذا وجه تسميتها ببدعة. وأما أنها بدعة شرعية، ويثني عليها عمر، فكلاً. وبهذا نعرف أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعارضه كلام عمر رضي الله عنه. · فإن قلت: كيف تجمع بين هذا وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: فنقول: كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يصدق بعضه بعضاً، ولا يتناقض، فيريد بالسنة الحسنة السنة المشروع، ويكون المراد بسنها المبادرة إلي فعلها. يعرف هذا ببيان سبب الحديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله حين جاء أحد الأنصار بصرة ( يعني: من الدراهم)، ووضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا أصحابه أن يتبرعوا للرهط الذين قدموا من مضر مجتابي النمار، وهم من كبار العرب، فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما رأي من حالهم، فدعا إلي التبرع لهم، فجاء هذا الرجل أول ما جاء بهذه الصرة، فقال : أو يقال: المراد بالسنة الحسنة ما أحدث ليكون وسيلة إلي ما ثبتت مشروعيته، كتصنيف الكتب وبناء المدارس ونحو ذلك. وبهذا نعرف أن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا يناقض بعضه بعضاً، بل هو متفق، لأنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوي.
ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله (1) .................................... (1) هذا علمنا واعتقادنا، وأن ليس في كلام الله من كذب، بل هو أصدق الكلام، فإذا أخبر الله عن شيء بأنه كائن، فهو كائن، وإذا أخبر عن شيء بأنه سيكون، فإنه سيكون، وإذا أخبر عن شيء بأن صفته كذا وكذا، فإن صفته كذا وكذا، فلا يمكن أن يتغير الأمر عما أخبر الله به، ومن ظن التغير، فإنما ظنه خطأ، لقصوره أو تقصيره. مثال ذلك لو قال قائل: إن الله عز وجل أخبر أن الأرض قد سطحت، قال: فجوابه أن الآية لا تخالف الواقع، ولكن فهمه خاطىء إما لقصوره أو تقصيره، فالأرض مكورة مسطحة، وذلك لأنها مستديرة، ولكن لكبر حجمها لا تظهر استدارتها إلا في مساحة واسعة تكون بها مسطحة، وحينئذ يكون الخطأ في فهمه، حيث ظن أن كونها قد سطحت مخالف لكونها كروية. فإذا كنا نؤمن أن أصدق الكلام كلام الله، ، فلازم ذلك أنه يجب علينا أن نصدق بكل ما أخبر به كتابه، سواء كان ذلك عن نفسه أو عن مخلوقاته.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم (1) ........................... (1) " الهدي " : هو الطريق التي كان عليها السالك. والطرق شتي، لكن خيرها طريق النبي صلى الله عليه وسلم ، فنحن نعلم ذلك ونؤمن به، نعلم أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات، وأن هدي محمد صلى الله عليه وسلم ليس بقاصر، لا في حسنه وتمامه وانتظامه موافقته لمصالح الخلق، ولا في أحكام الحوداث التي لم تزل ولا تزال تقع إلي يم القيامة، فإن هدي محمد صلى الله عليه وسلم كامل تام، فهو خير الهدي، أهدي من شريعة التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وجميع الهدي. فإذا كنا نعتقد ذلك، فو الله ، لا نبغي به دليلاً. · وبناء على هذه العقيدة لا نعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس، كائناً من كان، حتي لو جاءنا قول لأبي بكر، وهو خير الأمة، وقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخذنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. · وأهل السنة والجماعة بنوا هذا الاعتقاد على الكتاب والسنة. - قال الله تعالى: - وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على المنبر: ولهذا تجد الذين اختلفوا في الهدي وخالفوا فيه: إما مقصرين عن شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإما غالين فيها، بين متشددين وبين متهاونين، بين مفرط ومفرط، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بين هذا وهذا.
ويؤثرون (1) كلام الله غيره من كلام أصناف الناس(2) ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم (3) علي هدي كل أحد(4)............................... (1) أي: يقدمون. (2) أي يقدمون كلام الله على كلام غيره من سائر أصناف الناس في الخبر والحكم، فأخبار الله عندهم مقدمة على خبر كل أحد. *فإذا جاءتنا أخبار عن أمم مضت وصار القرآن يكذبها، فإننا نكذبها. مثال ذلك: اشتهر عند كثير من المؤرخين أن إدريس قبل نوح، وهذا كذب، لأن القرآن يكذبه، كما قال تعالى: (3) أي: طريقته وسنته التي عليها. (4) في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات والأحوال وفي كل شيء، لقوله تعالي:
ولهذا(1) سموا أهل الكتاب والسنة (2) وسموا أهل الجماعة لأن الجماعة في الاجتماع وضدها الفرقة (3) وإن كان لفظ الجماعة قد صار أسماً لنفس القوم المجتمعين(4)..... (1) قوله: " ولهذا " : اللام في قول: " ولهذا " للتعليل، أي: ومن أجل إيثارهم كلام الله وتقديم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . (2) لتصديقهما والتزامهما وإيثارهما على غيرها. ومن خالف الكتاب والسنة، وادعي أنه من أهل الكتاب والسنة، فهو كاذب، لأن من كان من أهل شيء لا بد أن يلزمه ويلتزم به. (3) الجماعة اسم مصدر يجتمع اجتماعاً وجماعة، فالجماعة هي الاجتماع، فمعني أهل الجماعة أهل الاجتماع، لأنهم مجتمعون على السنة، متالفون فيها، لا يضلل بعضهم بعضاً، ولا يبدع بعضهم بعضاً، بخلاف أهل البدع. (4) هذا استعمال ثان، حيث صار لفظ ( الجماعة ) عرفاً: اسماً للقوم المجتمعين. · وعلي ما قرره المؤلف تكون ( الجماعة ) في قولنا: " أهل السنة والجماعة " : معطوفة على ( السنة )، ولهذا عبر المؤلف بقوله: " سموا أهل الجماعة" ، ولم يقل: سموا جماعة، فكيف يكونون أهل الجماعة وهم جماعة؟ نقول: الجماعة في الأصل: الاجتماع، فأهل الجماعة، يعني: أهل الاجتماع، لكن نقل اسم الجماعة إلي القوم المجتمعين نقلاً عرفياً. والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين (1) ............ (1) * يعني به الدليل الثالث، لأن الأدلة أصول الأحكام، حيث تبني عليها. · والأصل الأول: هو الكتاب، والثاني: السنة، والإجماع هو: الأصل الثالث، ولهذا يسمون: أهل الكتاب والسنة والجماعة. · فهذه ثلاثة أصول يعتمد عليها في العلم والدين، وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع. أما الكتاب والسنة، فأصلان ذاتيان، وأما الإجماع، فأصل مبني على غيره، إذ لا إجماع إلا بكتاب أو سنة. · أما كون الكتاب والسنة يرجع إليه، فأدلته كثيرة، منها: - قوله تعالى: - وقوله تعالى: ومن أنكر أن تكون السنة أصلاً في الدليل، فقد أنكر أن يكون القرآن أصلاً. ولا شك عندنا في أن من قال: إن السنة لا يرجع إليها في الأحكام الشرعية، أنه كافر مرتد عن الإسلام، لأنه مكذب ومنكر للقرآن، فالقرآن في غير ما موضع جعل السنة أصلاً يرجع إليه. · وأما الدليل على أن الإجماع أصل، فيقال: أولاً: هل الإجماع موجود أو غير موجود؟ قال بعض العلماء: لا إجماع موجود، إلا على ما فيه نص، وحينئذ، يستغني بالنص عن الإجماع. فمثلاً، لو قال قائل: العلماء مجمعون على أن الصلوات المفروضة خمس، فهذا صحيح، لكن ثبوت فرضيتها بالنص. ومجمعون على تحريم الزني، فهذا صحيح، لكن ثبوت تحريمه بالنص. ومجمعون على تحريم نكاح ذوات المحارم فهذا صحيح، لكن ثبوت تحريمه بالنص. ولهذا قال الإمام أحمد: من ادعي الإجماع، فهو كاذب، وما يدريه؟ لعلهم اختلفوا. · والمعروف عن عامة العلماء أن الإجماع موجود، وأن كونه دليلاً ثابت بالقرآن والسنة: - فمن ذلك قوله تعالى : - ومن ذلك قوله: - واستدلوا أيضاً بحديث: - وهذا الحديث حسنه بعضهم وضعفه آخرون، لكن قد نقول: إن هذا، وإن كان ضعيف السند، لكن يشهد لمتنه ما سبق من النص القرآني. فجمهور الأمة على أن الإجماع دليل مستقل، وأننا إذا وجدنا مسألة فيها إجماع، أثبتناها بهذا الإجماع. وكأن المؤلف رحمه الله يريد من هذه الجملة إثبات أن إجماع أهل السنة حجة.
وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين (1) والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، إذا بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة (2) ................................................... (1) " الأصول الثلاثة" : هي الكتاب والسنة والإجماع. · يعني: أن أهل السنة والجماعة يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من قول أو عمل، باطن أو ظاهر، لا يعرفون أنه حق، إلا إذا وزنوه بالكتاب والسنة والإجماع، فإن وجد له دليل منها، فهو حق، وإن كان على خلافه، فهو باطل. (2) يعني أن الإجماع الذي يمكن ضبطه والإحاطة به هو ما كان عليه السلف الصالح وهم القرون الثلاثة، الصحابة والتابعون وتابعوهم. · ثم علل المؤلف ذلك بقوله: " إذ بعدهم كثر الاختلاف وكثرت الأمة " يعني: أنه كثر الاختلاف ككثرة الأهواء، لأن الناس تفرقوا طوائف، ولم يكونوا كلهم يريدون الحق، فاختلفت الآراء، وتنوعت الأقوال، " وانتشرت الأمة ": فصارت الإحاطة بهم من أصعب الأمور. فشيخ الإسلام رحمه الله كأنه يقول: من ادعي الإجماع بعد السلف الصالح، وهم القرون الثلاثة، فإنه لا يصح دعواه الإجماع، لأن الإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح، وهل يمكن أن يوجد إجماع بعد الخلاف؟ فنقول: لا إجماع مع وجود خلاف سابق ولا عبرة بخلاف بعد تحقق الاجماع.
|