الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
شرح كشف الشبهات والأصول الستة محمد بن صالح العثيمين المقدمة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا. أمـا بعـد: فهذا شرح يسير على كتاب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب المسمى "كشف الشبهات" والذي أورد فيه المؤلف بضع عشرة شبهة لأهل الشرك وأجاب عنها بأحسن إجابة مدعمة بالدليل مع سهولة المعنى ووضوح العبارة أسأل الله تعالى أن يثيبه على ذلك وأن ينفع بذلك العباد إنه على كل شيء قدير. محمد بن صالح العثيمين شرح كشف الشبهات والأصول الستة شرح كشف الشبهات محمد بن صالح العثيمين شرح كشف الشبهات بسم [ابتدأ المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ كتابه بالبسملة إقتداء بكتاب الله ـ عز وجل ـ فإنه مبدوء بالبسملة، وإقتداء برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه يبدأ كتبه ورسائله بالبسملة. والجار والمجرور متعلق بفعل محذوف مؤخر مناسب للمقام تقديره: بسم الله أكتب. وقدرناه فعلًا لأن الأصل في العمل الأفعال. وقدرناه مؤخرًا لفائدتين: الأولى: التبرك بالبداءة باسم الله تعالى. الثانية: إفادة الحصر لأن تقديم المتعلق يفيد الحصر. وقدرناه مناسبًا لأنه أدل على المراد فلو قلنا مثلًا عندما نريد أن نقرأ كتابًا بأسم الله نبتدئ، لكن بسم الله نقرأ أدل على المراد]. الله [لفظ الجلالة علم على الباري جل وعلا وهو الأسم الذي تتبعه جميع الأسماء حتى إنه في قوله تعالى: الرحمن [الرحمن أسم من الأسماء المختصة بالله لا يطلق على غيره ومعناه: المتصف بالرحمة الواسعة.] الرحيم [الرحيم أسم يطلق على الله ـ وعلى غيره. ومعناه: ذو الرحمة الواصلة، فالرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة، فإذا جمعا صار المراد بالرحيم الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده كما قال الله تعالى: ]. تبعًا تبعية النعت للمنعوت، ولهذا قال العلماء أعرف المعارف لفظ (الله) لأنه لا يدل على أحد سوى الله ـ عز وجل ـ . أعلم [العلم هو "إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا". ومراتب الإدراك ست: ـ الأولى: العلم وتقدم تعريفه. الثانية: الجهل البسيط وهو "عدم الإدراك بالكلية". الثالثة: الجهل المركب وهو "إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه" وسمي مركبًا لأنه جهلان: جهل الإنسان بالواقع، وجهله بحاله حيث ظن أنه عالم وليس بعالم. الرابعة: الوهم وهو "إدراك الشيء مع إحتمال ضد راجح". الخامسة: الشك وهو "إدراك الشيء مع احتمال ضد مساو". السادسة: الظن وهو "إدراك الشيء مع إحتمال ضد مرجوح". والعلم ينقسم إلى قسمين: ضروري ونظري: فالضروري ما يكون إدراك المعلوم فيه ضروريًا بحيث يضطر إليه من غير نظر ولا إستدلال كالعلم بأن النار حارة مثلًا. والنظري ما يحتاج إلى نظر وإستدلال كالعلم بوجوب النية في الوضوء.] رحمك الله [أي أفاض الله عليك من رحمته التي تحصل بها على مطلوبك وتنجو من محذورك، فالمعنى غفر الله لك ما مضى من ذنوبك، ووفقك وعصمك فيما يستقبل منها، هذا إذا أفردت الرحمة، أما إذا قرنت بالمغفرة فالمغفرة لما مضى من الذنوب، والرحمة التوفيق للخير والسلامة من الذنوب في المستقبل. وصنيع المؤلف ـ رحمه الله ـ يدل على شفقته وعنايته بالمخاطب]. أن التوحيد هو إفراد الله ـ سبحانه ـ بالعبادة [التوحيد لغة : مصدر وحد يوحد، أي جعل الشيء واحدًا، وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات،نفي الحكم عما سوى الموحد، وإثباته له لأن النفي وحده ت عطيل، والإثبات وحده لا يمنع المشاركة، فمثلًا لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله فينفي الألوهية عما سوى الله تعالى ويثبتها لله وحده. وفي الاصطلاح عرف المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ التوحيد بقوله "التوحيد هو إفراد الله ـ عز وجل ـ بالعبادة" أي أن تعبد الله وحده ولا تشرك بل تفرده وحده بالعبادة محبة وتعظيمًا ورغبة، ورهبة. ومراد الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ التوحيد الذي بعثت الرسل"] لتحقيقه لأنه هو الذي حصل الإخلال به والخلاف بين الرسل وأممهم . وهناك تعريف أعم للتوحيد وهو: "إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به" وأنواعه ثلاثة: الأول: توحيد الربوبية وهو "إفراد الله تعالى بالخلق، والملك، والتدبير" قال الله عز وجل: الثاني: توحيد الألوهية وهو "إفراد الله تعالى بالعبادة بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحدًا يعبده كما يعبد الله أو يتقرب إليه كما يتقرب إلى الله تعالى". الثالث: توحيد الأسماء والصفات وهو "إفراد الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته الواردة في كتاب وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك بإثبات ما أثبته، ونفي ما نفاه من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل". وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده [مراد الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ هنا توحيد الألوهية فهو دين الرسل فكلهم أرسلوا بهذا الأصل الذي هو التوحيد كما قال الله تعالى: ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر وإن أقر بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات. فإفراد الله وحده بالعبادة هو دين الرسل الذين أرسلهم الله به إلى عباده كما قال الشيخ ـ رحمه الله ـ فها هو أول الرسل نوح عليه السلام يقول كما حكى الله عنه: وقال تعالى: هذا حق فإنه لم يبعث قبل نوح عليه الصلاة والسلام رسول بهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا إن إدريس عليه الصلاة والسلام كان قبل نوح لأن الله تعالى يقول: فنوح أول الرسل بالكتاب، والسنة، والإجماع. ونوح عليه الصلاة والسلام أحد الرسل الخمسة الذين هم أولوا العزم وهم: محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإبراهيم، وموسى، ونوح، وعيسى عليهم الصلاة والسلام وقد ذكرهم الله في موضعين من كتابه في سورة الأحزاب وسورة الشورى. أرسله الله إلى قومه لما غلوا [يعني أن الله أرسل نوحًا عليه الصلاة والسلام إلى قومه لما وقع فيهم الغلو في الصالحين، وقد بوب المؤلف ـ رحمه الله ـ في كتاب التوحيد على هذه المسألة فقال: "باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين" . والغلو هو: "مجاوزة الحد في التعبد والعمل والثناء قدحًا مدحًا" والغلو ينقسم إلى أربعة أقسام: القسم الأول: الغلو في العبادات كغلو الخوارج الذين يرون كفر فاعل الكبيرة وغلو المعتزلة حيث قالوا إن فاعل الكبيرة بمنزلة بين المنزلتين وهذا التشدد قابله تساهل المرجئة حيث قالوا لا يضر مع الإيمان ذنب. والوسط مذهب أهل السنة والجماعة أن فاعل المعصية ناقص الإيمان بقدر المعصية. في الصالحين (1) القسم الثالث: الغلو في المعاملات وهو التشدد بتحريم كل شيء وقابل هذا التشدد تساهل من قال بحل كل شيء ينمي المال والاقتصاد حتى الربا والغش وغير ذلك. والوسط أن يقال تحل المعاملات المبنية على العدل وهي ما وافق ما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة. القسم الرابع: الغلو في العادات وهو التشدد في التمسك بالعادات القديمة وعدم التحول إلى ما هو خير منها. أما أن كانت العادات متساوية في المصالح فإن كون الإنسان يبقى على ما هو عليه خير من تلقي العادات الوافدة. وآخر الرسل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ . . . . . . . وهذا التفسير فيه إشكال حيث يقول رضي الله عنه "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، وظاهر القرآن أنها قبل نوح قال الله تعالى : دليل هذا قوله تعالى: فإن قيل: إن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ينزل آخر الزمان وهو رسول. فنقول: هذا حق ولكنه لا ينزل على أنه رسول مجدد بل ينزل على أنه حاكم بشريعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام لأن الواجب على عيسى وعلى غيره من الأنبياء الإيمان بمحمد وهو كسر صور هؤلاء الصالحين [أي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كسر صور الأصنام وذلك يوم الفتح حين دخل الكعبة فوجد حولها وفيها ثلثمائة وستين صنمًا وجعل يطعنها عليه الصلاة والسلام بالحربة وهو يتلو قوله تعالى: ـ صلى الله عليه وسلم ـ واتباعه ونصره كما قال الله تعالى: صلى الله عليه وسلم ـ وإتباعه ونصره كما قال الله تعالى: يتعبدون لكنها عبادة باطلة ما أنزل بها من سلطان، ويتصدقون ويفعلون كثيرًا من أمور الخير لكنها لا تنفعهم، لأنهم كفار، ومن شرط التقرب إلى الله تعالى أن يكون المتقرب إلى الله مسلمًا وهؤلاء غير مسلمين. [أي أنهم يعبدون هذه الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى فهم مقرون بأنها دون الله، وأنها لا تملك لهم نفعًا ولا ضرًا، وأنهم شفعاء لهم عند الله ـ وأنهم شفعاء لهم عند الله ـ عز وجل ـ ولكن هذه الشفاعة شفاعة باطلة لا تنفع أصحابها لأن الله ـ عز وجل ـ يقول: فبعث الله محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام السلام ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله تعالى ولا يصلح منه شيء لغير الله، لا لملك مقربٍ ولا لنبي مرسلٍ فضلًا عن غيرهما. وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وانه لا يرزق إلا هو، ولا يحيي ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السماوات ومن فيهن، والأرضين. يقول المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ إنهم ما زالوا على هذا الكفر وهو عبادة هذه الأصنام لتقربهم بزعمهم إلى الله تعالى حتى بعث الله رسوله وخاتم أنبيائه محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعثه الله تعالى بالتوحيد الخالص يدعو الناس إلى عبادة الله الواحد ويحذرهم من الشرك قال الله تعالى: السبع ومن فيهن؛ كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره [يقول ـ رحمه الله تعالى ـ إن هؤلاء المشركين الذين بعث فيهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرون بأن الله وحده هو الخالق، وأنه هو الذي خلق السماوات والأرض، وأنه هو الذي خلقهم، وأنه هو المدبر للأمور كما ذكر الله عنهم في آيات عديدة من القرآن الكريم قال الله تعالى: أما الأول: فهو دليل ملزم أي أن الإقرار دليل ملزم لمن أقر به أن يقر بالألوهية لأنه إذا كان الله وحده هو الخالق وهو المدبر للأمور وهو الذي بيده ملكوت كل شيء فالواجب أن تكون العبادة له وحده لا لغيره. فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله، ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشهدون بهذا [ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ هنا دليل ما قرر أن هؤلاء يقرون بتوحيد الربوبية ولكنه أتى به على سبيل السؤال والجواب ليكون هذا أمكن وأثبت وأتم في الاستدلال فقال: "فإذا أردت الدليل . . . . . . فاقرأ قوله تعالى : والثاني: متضمن للأول يعني أن توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية لنه لا يتأله إلا للرب ـ عز وجل ـ الذي يعتقد أنه هو الخالق وحده وهو المدبر لجميع الأمور سبحانه وتعالى]. وقوله : "يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم كأنه يشير إلى قوله تعالى: وقوله وقوله يعني واقرأ قوله تعالى: [أي إذا عرفت أن الذي أنكروه هو توحيد العبادة الذي يسميه كما قال الشيخ- رحمه الله - عز وجل - مشركوا زماننا "الاعتقاد" تبين لك أن هذا الذي أقروا به لا يكفي في التوحيد بل ولا يكفي في الإسلام كله فإن من لم يقر بتوحيد العبادة فإنه ليس بمسلم حتى ولو أقر بتوحيد الربوبية ولهذا قاتل النبي صلى الله عليه وسلم]. [أي أن إيمانهم بأن الله هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور لم يدخلهم في توحيد العبادة الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم ولم يعصم دماءهم وأموالهم]. وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا: "الاعتقاد" [أي إذا عرفت أن الذي أنكروه هو توحيد العبادة الذي يسميه كما قال الشيخ-رحمه الله - عز وجل - مشركوا زماننا "الاعتقاد" تبين لك أن هذا الذي أقروا به لا يكفي في التوحيد بل ولا يكفي في الإسلام كله فإن من لم يقر بتوحيد العبادة فإنه ليس بمسلم حتى ولو أقر بتوحيد الربوبية ولهذا قاتل النبي صلى الله عليه وسلم.] . . . . . . . . . . . . . . .
والآيات الدالة على أن المشركين الذين بعث فيهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرون بتوحيد الربوبية كثيرة. كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلًا ونهارًا، ثم منهم من يدعوا الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له، أو يدعو رجلًا صالحًا مثل: اللات، أو نبيًا مثل عيسى [يعني أن هؤلاء المشركين في عبادة الله كانوا يدعون الله تعالى إذا اضطروا إلى ذلك، ومنهم من يدعوا الملائكة لقربهم من الله ـ عز وجل ـ ويزعمون أن من قرب من الله سبحانه وتعالى فهو مستحق للعبادة وهذا من جهلهم فإن العبادة حق الله وحده لا يشركه فيها أحد. وأن منهم من يدعو اللات، واللات بالتشديد اسم فاع من اللت، وأصله رجل كان يلت السويق للحجاج، أي جعل فيه السمن ويطعمه الحجاج فلما مات عكفوا على قبره ثم عبدوه، وأن منهم من يعبد المسيح عليه الصلاة والسلام السلام لكونه آية من آيات الله، وأن منهم من يعبد الأولياء لقربهم من الله سبحانه وتعالى، وكل هذا تزيين الشيطان لهم أعمالهم التي ضلوا بها عن الصراط المستقيم قال الله تعالى : المشركين مع أنهم يقرون بتوحيد الربوبية كما تقدم. يعني أن هؤلاء المشركين في عبادة الله كانوا يدعون الله تعالى إذا اضطروا إلى ذلك، ومنهم من يدعوا الملائكة لقربهم من الله ـ عز وجل ـ ويزعمون أن من قرب من الله سبحانه وتعالى فهو مستحق للعبادة وهذا من جهلهم فإن العبادة حق الله وحده لا يشركه فيها أحد. وأن منهم من يدعو اللات، واللات بالتشديد اسم فاع من اللت، وأصله رجل كان يلت السويق للحجاج، أي جعل فيه السمن ويطعمه الحجاج فلما مات عكفوا على قبره ثم عبدوه، وأن منهم من يعبد المسيح عليه الصلاة والسلام السلام لكونه آية من آيات الله، وأن منهم من يعبد الأولياء لقربهم من الله سبحانه وتعالى، وكل هذا تزيين الشيطان لهم أعمالهم التي ضلوا بها عن الصراط المستقيم قال الله تعالى : وعرفت [هذه معطوفة على قوله "فإذا تحققت" .] أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتلهم على هذا الشرك [أي الشرك في العبادة حيث كانوا يعبدون غير الله معه وليس المراد الشرك في الربوبية؛ لأن المشركين الذين بعث فيهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا يؤمنون بان الله وحده هو الرب وأنه مجيب دعوة المضطرين وأنه هو الذي يكشف السوء إلى غير ذلك مما ذكر الله عنهم من إقرارهم بربوبية الله ـ عز وجل ـ وحده. فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتل هؤلاء المشركين الذين لم يقروا بتوحيد العبادة بل أستحل دماءهم وأموالهم وإن كانوا يقرون بأن الله وحده هو الخالق لأنهم لم يعبدوه ولم يخلصوا له العبادة.] ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده [الإخلاص لله معناه: "أن يقصد المرء بعبادته التقرب إلى الله سبحانه وتعالى والوصول إلى دار كرامته".] كما قال الله تعالى: يعني أن هذه الأصنام التي يدعونها من دون الله لا تستجيب لهم بشيء كما قال تعالى: [سورة الأحقاف، الآية: 5].
وتحققت [قوله: "وتحققت" معطوف على قوله فإذا تحققت.] أن رسول الله، ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتلهم ليكون الدعاء كله لله [الدعاء على نوعين: الأول: دعاء عبادة بأن يتعبد للمدعو طلبًا لثوابه وخوفًا من عقابه، وهذا لا يصح لغير الله وصرفه لغير الله شرك أكبر مخرج من الملة، وعليه يقع الوعيد في قوله تعالى: النوع الثاني: دعاء المسألة وهو دعاء الطلب أي طلب الحاجات وينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: دعاء الله سبحانه وتعالى بما لا يقدر عليه الصلاة والسلام إلا هو وهو عبادة لله تعالى لأنه يتضمن الأفتقار إلى الله تعالى واللجوة إليه، واعتقاد أنه قادر كريم واسع الفضل والرحمة، فمن دعا غير الله ـ عز وجل ـ بشيء لا يقدر عليه الصلاة والسلام إلا اله فهو مشرك كافر سواء كان المدعو حيًا أو ميتًا]. الدعاء على نوعين: الأول: دعاء عبادة بأن يتعبد للمدعو طلبًا لثوابه وخوفًا من عقابه، وهذا لا يصح لغير الله وصرفه لغير الله شرك أكبر مخرج من الملة، وعليه يقع الوعيد في قوله تعالى: النوع الثاني: دعاء المسألة وهو دعاء الطلب أي طلب الحاجات وينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: دعاء الله سبحانه وتعالى بما لا يقدر عليه الصلاة والسلام إلا هو وهو عبادة لله تعالى لأنه يتضمن الأفتقار إلى الله تعالى واللجوة إليه، واعتقاد أنه قادر كريم واسع الفضل والرحمة، فمن دعا غير الله ـ عز وجل ـ بشيء لا يقدر عليه الصلاة والسلام إلا اله فهو مشرك كافر سواء كان المدعو حيًا أو ميتًا.
والذبح كله لله ، . . . . . . القسم الثاني: دعاء الحي بما يقدر عليه الصلاة والسلام مثل يا فلان اسقني فلا شيء فيه. القسم الثالث: دعاء الميت أو الغائب بمثل هذا فإنه شرك لأن الميت أو الغائب لا يمكن أن يقوم بمثل هذا فدعاؤه إياه يدل على أنه يعتقد أن له تصرفًا في الكون فيكون بذلك مشركًا. [الذبح : "إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص". ويقع على وجوه: الأول: أن يقصد به تعظيم المذبوح له والتذلل له والتقرب إليه فهذا عبادة لا يكون إلا لله تعالى على الوجه الذي شرعه الله تعالى، وصرفه لغير الله شرك أكبر لقوله تعالى: [سورة الأنعام، الآية: 162]. الثاني: أن يقصد به إكرام الضيف، أو وليمة لعرس ونحو ذلك فهذا مأمور به إما وجوبًا أو استجابًا لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: والنذر كله لله [النذر يطلق على العبادات المفروضة عمومًا، ويطلق على النذر الخاص وهو إلزام الإنسان نفسه بشيء لله عز وجل والمراد به هنا الأول فالعبادات كلها لله تعالى لقوله تعالى: لعبد الرحمن بن عوف حين تزوج الثالث: أن يقصد به التمتع بالأكل أو الاتجار به ونحو ذلك فهذا من قسم المباح فالأصل فيه الإباحه لقوله تعالى: [الاستغاثة : طلب الغوث والإنقاذ من الشدة والهلاك. وهو أقسام: الأول: الاستغاثة بالله عز وجل وهذا من أفضل الأعمال وأكملها وهو دأب الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم ودليله قوله تعالى: الثاني: الاستغاثة بالأموات أو بالأحياء غير الحاضرين القادرين على الإغاثة فهذا شرك، لأنه لا يفعله إلا من يعتقد أن لهؤلاء تصرفًا خفيًا في الكون فيجعل لهم حظًا من الربوبية، قال الله تعالى : الثالث: الاستغاثة بالأحياء العالمين القادرين على الإغاثة فهذا جائز كالاستعانة بهم، قال الله تعالى في قصة موسى عليه السلام: الرابع: الاستغاثة بحي غير قادر من غير أن يعتقد أن له قوة خفية مثل أن يستغيث بمشلول على دفع عدو صائل . فهذا لغو وسخرية بالمستغاث به، فيمنع لهذه العلة ولعلة أخرى وهي أنه ربما أغتر بذلك غيره فتوهم أن لهذا المستغاث به وهو عاجز أن له قوة خفية ينقذ بها من الشدة]. وعرفت [قوله "وعرفت" معطوف على "تحققت" الأولى. وقوله "عرفت جواب "فإذا تحققت" وما عطف عليها.] أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة، والأنبياء الأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى اله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم، عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون [قرر المؤلف ـ رحمه الله ـ أن التوحيد الذي جاءت به الرسل من الله هو توحيد الألوهية لأن هؤلاء المشركين الذين بعث فيهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ومع هذا استباح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دماءهم وأموالهم على أنهم يعبدون الملائكة وغيرهم مما يعبدونهم من الأولياء والصالحين يريدون بذلك أن يقربوهم إلى الله وهي كما قال تعالى: وهذا التوحيد هو معنى قولك: "لا إله إلا الله" [قوله: وهذا التوحيد هو معنى قولك "لا إله إلا الله" أي أن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور سواء كان ملكًا، أو نبيًا أو وليًا، أو شجرة أو قبرًا، أو جنيًا لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك، وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ (السيد) فأتاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي "لا إله إلا الله"]. فإن التوحيد هو الذي دعا إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو معنى (لا إله إلا الله) أي: لا معبود حق إلا الله ـ عز وجل ـ فهم يعلمون أن معناها لا معبود حق إلا الله ـ عز وجل، وليس معناها لا خالق، أو لا رازق، أو لا مدبر إلا الله، أو لا قادر على الإختراع إلا الله كما يقوله كثير من المتكلمين فإن هذا المعنى لا ينكره المشركون ولا يردونه، وإنما يردون معنى "لا إله إلا الله" أي لا معبود حق إلا الله كما قال تعالى عنهم : يريد رحمه الله بيان أن المشركين لا يريدون بقول لا إله إلا الله، لأنهم يعرفون أن ذلك حق وإنما ينكرون معناها لا معبود حق إلا الله، وهذا الذي بدأ به المؤلف وأعاد، إنما قاله للتأكيد والرد على من يقول: إننا لا نعبد الملائكة أو غيرهم إلا من أجل أن يقربونا إلى الله زلفى، ولسنا نعتقد أنهم يخلقون أو يرزقون. والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها [(2) فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك [أي يعرفون أن معنى لا إله إلا الله، لا معبود حق إلا الله.] فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال. المؤلف وأعاد، إنما قاله للتأكيد والرد على من يقول: إننا لا نعبد الملائكة أو غيرهم إلا من أجل أن يقربونا إلى الله زلفى، ولسنا نعتقد أنهم يخلقون أو يرزقون. الكفار [يريد المؤلف ـ رحمه الله ـ عز وجل ـ أن يبين أن من الناس من يدعي الإسلام ولا يعرفون معنى كلمة "لا إله إلا الله" حيث يظنون أن المقصود هو التلفظ بحروفها دون معرفة معناها واعتقاده. ومن الناس من يظن أن المراد بها توحيد الربوبية أي لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله .] بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد ومن الناس من يفسرها بأن المراد بها "إخراج اليقين الصادق عن ذات الأشياء، وإدخال اليقين الصادق على ذات الله" وهذا التفسير باطل لم يعرفه السلف الصالح، وليس المراد به أن تتيقن بالله ـ عز وجل ـ وتخرج اليقين من غيره لأن هذا لا يمكن فإن اليقين ثابت في غير الله ومن الناس من يفسرها بأنه "لا معبود إلا الله" وهذا التعريف لا يصح على ظاهرة لأن هناك أشياء عبدت من دون الله ـ عز وجل ـ . فيكون هؤلاء أجهل من الجهال الذين بعث فيهم رسول الله، ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنهم كانوا يعرفون من معناها ما لا يعرفه هؤلاء. القلب لشيء من المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها "لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر إلا الله" فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى "لا إله إلا الله" . إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلب [أي عرفت معنى لا إله إلا الله الحقيقي وأن معناها "لا معبود حق إلا الله"]. ، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه: فمنهم من قال: تشمل كل شرك ولو كان اصغر كالحلف بغير الله فإن الله لا يغفره. ومنهم من قال: إنها خاصة بالشرك الأكبر فهو الذي يغفره الله. وشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عز وجل ـ اختلف كلامه فمرة قال بالقول الأول ومرة قال بالقول الثاني. وعلى كل حال يجب الحذر من الشرك مطلقًا، لأن العموم يحتمل أن يكون داخلًا فيه الأصغر لأن قوله: أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه] وعرفت دين الله الذي. اختلف أهل العلم ـ رحمهم الله تعالى ـ في هذه الآية هل تشمل كل الشرك أم أنها خاصة بالشرك الأكبر. فمنهم من قال: تشمل كل شرك ولو كان أصغر كالحلف بغير الله فإن الله لا يغفره. ومنهم من قال: إنها خاصة بالشرك الأكبر فهو الذي يغفره الله. وشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عز وجل ـ اختلف كلامه فمرة قال بالقول الأول ومرة قال بالقول الثاني. وعلى كل حال يجب الحذر من الشرك مطلقًا، لأن العموم يحتمل أن يكون داخلًا فيه الأصغر لأن قوله: أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه [وهو عبادة الله وحده كما قال تعالى: ]. أفادك [قوله "أفادك" جواب قوله: "إذا عرفت ما ذكرت لك . . إلخ"] فائدتين [يحصل ذلك من وجهين: الوجه الأول: أن الله تعالى فتح عليك حتى عرفت المعنى الصحيح لهذه الكلمة العظيمة "لا إله إلا الله" . وهذا فضل مما يجمعون) [سورة يونس، الآية : 58] وأفادك أيضاً الخوف العظيم [أي من ان تقع في مثل ما وقع فيه هؤلاء من الجهل بمعناها والخطر العظيم في ذلك .] فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل [تعليقنا على هذه الجملة من كلام المؤلف رحمه الله: أولاً: لا أظن الشيخ رحمه الله لا يرى العذر بالجهل اللهم إلا أن يكون منه تفريط بترك التعلم مثل أن يسمع بالحق فلا يلتفت إليه ولا يتعلم ، فهذا لا يعذر بالجهل وإنما لا أظن ذلك .
من الشيخ لأن له كلاماً أخر يدل على العذر بالجهل فقد سئل-رحمه الله تعالى-عما يقاتل عليه؟ فأجاب: أركان الإسلام الخمسة ، أولها الشهادتان ، ثم الأركان الأربعة؛ فالأربعة: إذا أقر بها، وتركها تهاوناً ، فنحن وإن قاتلناه على فعلها ، فلا نكفره بتركها ؛ والعلماء أختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه الصلاة والسلام الصلاة والسلام العلماء كلهم، وهو : الشهادتان. وايضاً: نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر ، فنقول: أعداؤنا معنا على أنواع: النوع الأول: من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله ، الذي أظهرناه للناس ؛ واقر أيضاً : أن هذه الإعتقادات في الحجر ، والشجر والبشر ، الذي هو دين غالب الناس : أنه الشرك بالله الذين بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه ، ويقاتل أهله ، ليكون الدين كله لله، ومع ذلك لم يلتفت إلى التوحيد ، ولا تعلمه ، ولا دخل فيه ، ولا ترك الشرك ، فهو كافر ، نقاتله . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بكفره ، لأنه عرف دين الرسول ، فلم يتبعه ، وعرف الشرك فلم يتركه ، مع أنه لا يبغض دين الرسول ، ولا من دخل فيه ولا يمدح الشرك ، ولا يزينه للناس. النوع الثاني: من عرف ذلك ، ولكنه تبين في سب دين الرسول ، مع إدعائه أنه عامل به ، وتبين في مدح من عبد يوسف، والأشقر ، ومن عبد أبا علي ، والخضر من أهل الكويت ، وفضلهم على من وحد الله ، وترك الشرك ، فهذا أعظم من الأول ، وفيه قوله تعالى : النوع الثالث: من عرف التوحيد ، وأحبه ، واتبعه ، وعرف الشرك ، وتركه ولكن يكره من دخل في التوحيد ، ويحب من بقي على الشرك ، فهذا أيضاً كافر، فيه قوله تعالى: النوع الرابع: من سلم من هذا كله ، ولكن أهل بلده يصرحون بعداوة أهل التوحيد ، وإتباع أهل الشرك ، وساعين في قتالهم ، ويتعذر بأن ترك وطنه يشق عليه، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ، ويجاهد بماله ونفسه، فهذا أيضاً كافر؛ فإنهم لو يأمرونه بترك صوم ، ولا يمكنه الصيام إلا بفراقهم فعل؛ ول يأمرونه بتزوج إمرأة أبيه ولا يمكنه ذلك إلا بفراقهم فعل؛ وموافقتهم على الجهاد معهم بنفسه وماله مع أنهم يريدون بذلك قطع دين الله ورسوله أكبر من ذلك بكثير، كثير؛ فهذا أيضاً كافر، وهو ممن قال الله فيهم: وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم : إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه؛ فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله.]]: الأولى الفرح بفضل الله ورحمته كما قال الله تعالى: {أن} وما بعدها في تأويل مصدر تقديره "إشراكًا به" فهو نكرة في سياق النفي فتفيد العموم. فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل [تعليقنا على هذه الجملة من كلام المؤلف رحمه الله: أولًا: لا أظن الشيخ رحمه الله لا يرى العذر بالجهل اللهم إلا أن يكون منه تفريط بترك التعلم مثل أن يسمع بالحق فلا يلتفت إليه ولا يتعلم، فهذا لا يعذر بالجهل وإنما لا أظن ذلك] عظيم من الله ورحمة، والفرح بمثل هذا مما أمر الله به ودليله ما ذكره المؤلف رحمه الله: من الشيخ لأن له كلامًا أخر يدل على العذر بالجهل فقد سئل ـ رحمه الله تعالى ـ عما يقاتل عليه؟ فأجاب: أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة؛ فالأربعة: إذا أقر بها، وتركها تهاونًا، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها ؛ والعلماء أختلفوا في كفر التارك لها كسلًا من غير جحود ؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه الصلاة والسلام الصلاة والسلام العلماء كلهم، وهو: الشهادتان. وأيضًا: نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر، فنقول: أعداؤنا معنا على أنواع: النوع الأول: من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله، الذي أظهرناه للناس ؛ واقر أيضًا : أن هذه الإعتقادات في الحجر، والشجر والبشر، الذي هو دين غالب الناس : أنه الشرك بالله الذين بعث الله رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينهى عنه، ويقاتل أهله، ليكون الدين كله لله، ومع ذلك لم يلتفت إلى التوحيد، ولا تعلمه، ولا دخل فيه، ولا ترك الشرك، فهو كافر، نقاتله. بكفره، لأنه عرف دين الرسول، فلم يتبعه، وعرف الشرك فلم يتركه، مع أنه لا يبغض دين الرسول، ولا من دخل فيه ولا يمدح الشرك، ولا يزينه للناس. النوع الثاني: من عرف ذلك، ولكنه تبين في سب دين الرسول، مع إدعائه أنه عامل به، وتبين في مدح من عبد يوسف، والأشقر، ومن عبد أبا علي، والخضر من أهل الكويت، وفضلهم على من وحد الله، وترك الشرك، فهذا أعظم من الأول، وفيه قوله تعالى: النوع الثالث: من عرف التوحيد، وأحبه، واتبعه، وعرف الشرك، وتركه ولكن يكره من دخل في التوحيد، ويحب من بقي على الشرك، فهذا أيضًا كافر، فيه قوله تعالى : النوع الرابع: من سلم من هذا كله، ولكن أهل بلده يصرحون بعداوة أهل التوحيد، وإتباع أهل الشرك، وساعين في قتالهم، ويتعذر بأن ترك وطنه يشق عليه، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده، ويجاهد بماله ونفسه، فهذا أيضًا كافر؛ فإنهم لو يأمرونه بترك صوم، ولا يمكنه الصيام إلا بفراقهم فعل؛ ول يأمرونه بتزوج إمرأة أبيه ولا يمكنه ذلك إلا بفراقهم فعل؛ وموافقتهم على الجهاد معهم بنفسه وماله مع أنهم يريدون بذلك قطع دين الله ورسوله أكبر من ذلك بكثير، كثير؛ فهذا أيضًا كافر، وهو ممن قال الله فيهم: وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه؛ فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله . وإذا كنا: لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل؟ بلك نكفر تلك الأنواع الأربعة، لأجل محادتهم لله ورسوله، فرحم الله امرءًا نظر نفسه، وعرف أنه ملاق الله، الذي عنده الجنة والنار؛ وصلى الله على محمد وآله وصحبه، وسلم. (*) تتمة: الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافًا لفظيا في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين، أي أن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضى في حقه وانتفاء المانع أو لا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ينطبق لفوات بعض المقتضيات، أو وجود بعض الموانع. وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين: الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن دينًا يخالف ما هو عليه الصلاة والسلام فهذا تجري عليه الصلاة والسلام أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله ـ عز وجل ـ تعالى ـ والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله ـ عز وجل ـ والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله ـ تعالى ـ : وإنما قلنا تجرى عليه الصلاة والسلام أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر؛ لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطي حكمه، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه "طريق الهجرتين" عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة. النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجري عليه الصلاة والسلام أحكام الإسلام ظاهرًا، أما في الآخرة فأمره إلى الله ـ عز وجل ـ وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وأقوال أهل العلم: فمن أدلة الكتاب: قوله تعالى: وقوله : وأما السنة: ففي صحيح مسلم 1/134 عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: وأما كلام أهل العلم: فقال في المغني 8/131 (فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام، بغير دار الإسلام، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم لم يحكم بكفره). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي 3/229 مجموع ابن قاسم: (إني دائمًا ـ ومن جالسني يعلم ذلك مني ـ من أعظم الناس نهيًا عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًا تارة، وفاسقًا أخرى، وعاصيًا أخرى، وأني أقرر أن اللهـتعالى ـ قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخيرية القولية،والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر، ولا بفسق، ولا بمعصية ـ إلى أن قال ـ وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضًا حق، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين ـ إلى أن قال ـ والتكفير هو من الوعيد فإنه وإن كان القول تكذيبًا لما قاله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئًا" ا . هـ . وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب 1/56 من الدرر السنية: "وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره". وفي ص66 "وأما الكذب والبهتان فقولهم إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهم لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل" ا.هـ. إذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب، والسنة، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله تعالى، ولطفه ورأفته، فلن يعذب أحدًا حتى يعذر إليه، ولطفه ورأفته، فلن يعذب أحدًا حتى يعذر إليه، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله تعالى من الحقوق، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل. فالأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره لأن في ذلك محذورين عظيمين: أحدهما: افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به. أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على من لم يكفره الله تعالى فهو كمن حرم ما أحل الله؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه. وأما الثاني فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد، فقال : إنه كافر، مع أنه بريء من ذلك، وحري به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين: الأمر الأول: دلالة الكتاب، والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب. الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه، وتتنتفي الموانع. ومن أهم الشروط أن يكون عالمًا بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله تعالى : الجواب: الثاني؛ أي أن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعمله بالمخالفة مع جهله بالكفارة؛ ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنا يرجم وإن كان جاهلًا بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالمًا ما زنا. ومن الموانع من التكفير أن يكره على المكفر لقوله تعالى ـ : ومن الموانع أن يغلق عليه الصلاة والسلام فكره وقصده بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن، أو غضب، أو خوف ونحو ذلك، لقوله ـ تعالى ـ الفرح : (اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح). ومن الموانع أيضًا أن يكون شبهة تأويل في الكفر بحيث يظن أنه على حق، لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلًا في قوله ـ تعالى ـ : ابن تيمية 13/30 مجموع ابن قاسم : "وبدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه مالم يدل عليه الصلاة والسلام، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب" وفي ص 210 منه " فإن الخوارج خالفوا السنة التي أمر القرآن باتباعها، وكفروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم . . وصاروا يتبعون المتشابه من القرآن فيتأولونه على غير تأويله من غير معرفة منهم بمعناه ولا رسوخ في العلم، ولا إتباع للسنة، ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن، وقال أيضًا 28/518 من المجموع المذكور: "فإن الأئمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم، وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين"، لكنه ذكر في 7/217 "أنه لم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع" . وفي 28/518"أن هذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره" . وفي 3/282 قال: "والخوارج المارقون الذين أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أثمة الدين من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم ولم يكفرهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار، ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم، وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع، لم يكفروا مع أمر الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم، فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن يكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضًا، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعًا جهال بحقائق ما يختلفون فيه" . إلى أن قال: "وإذا كان المسلم متأولًا في القتال، أو التكفير لم يكفر بذلك" . إلى أن قال في ص 288 : "وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حقل العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره . . والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله ـ تعالى ـ : وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله كما كان يظن المشركون خصوصًا إن ألهمك الله تعالى ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين: وفي الصحيحين عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ما أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين) [البخاري / كتاب التوحيد / باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا شخص أغير من الله) ، ومسلم / كتاب اللعان.]. والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفرًا، كما يكون معذورًا بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقًا، وذلك الأدلة من الكتاب والسنة، والإعتبار، وأقوال أهل العلم. حال القوم الذين قالوا لموسى : فبين لهم أن سؤالهم أن يجعل لهم آلهة كما كان هؤلاء لهم آلهة من الجهل فهذا يؤدي إلى خوف الإنسان على نفسه من أن يتيه في الضلالات والجهالات حيث يظن أن معنى "لا إله إلا الله" أي لا خالق ولا رازق ولا مدبر إلا الله ـ عز وجل ـ وهذا الذي قاله الشيخ ـ رحمه الله ـ وحذر منه وقع فيه عامة المتكلمين الذي تكلموا في التوحيد حيث قالوا إن معنى "لا إله إلا الله" أي لا مخترع ولا قادر على الإختراع إلا الله ففسروا هذه الكلمة العظيمة بتفسير باطل لم يفهمه أحد من المسلمين، بل ولا غير المسلمين حتى المشركون الذين بعث فيهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا يعرفون معنى هذه الكلمة أكثر مما يعرفها هؤلاء المتكلمون. نبه المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ في هذه الجملة على فائدة عظيمة حيث بين أن من حكمة الله ـ عز وجل ـ أنه لم يبعث نبيًا إلا جعل له أعداء من الإنس والجن، وذلك أن وجود العدو يمحص الحق ويبينه فإنه لكما وجد المعارض قويت حجة الآخر، وهذا الذي جعله الله تعالى للأنبياء جعله أيضًا لأتباعهم فكل اتباع الأنبياء يحصل لهم مثل ما يحصل للأنبياء قال الله تعالى: الأول: التشكيك الثانية: العدوان. أما التشكيك فقال الله تعالى في مقابلته وأما العدوان فقال الله تعالى في مقابلته [ونصيرًا] لمن أراد أن يردعه أعداء الأنبياء. فالله تعالى يهدي الرسل وأتباعهم وينصرهم على أعدائهم ولو كانوا من أقوى الأعداء، فعلينا أن لا نيأس لكثرة الأعداء وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال الله تعالى: وقوه منن يقاوم الحق فإن الحق كما قال ابن القيم ـ رحمه الله: الحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذي سنة الرحمن فلا يجوز لنا أن نيأس بل علينا أن نطيل النفس وأن ننتظر وستكون العاقبة للمتقين، فالأمل دافع قوي للمضي في الدعوة والسعي في إنجاحها، كما أن اليأس سبب للفشل والتأخر في الدعوة. يعني أن أعداء الرسل الذين يجادلونهم ويكذبونهم قد يكون عندهم علوم كثيرة وكتب وشبهات يسمونها "حججًا" يلبسون بها على الناس فيلبسون الحق بالباطل كما قال تعالى : وأشار المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ بهذه الجملة إلى أنه ينبغي أن نعرف ما عند هؤلاء من العلوم والشبهات من أجل أن نرد عليهم بسلاحهم وهذا من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولهذا لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قومًا أهل كتاب) [رواه البخاري / كتاب المغازي / باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن ، ومسلم / كتاب الإيمان / باب الدعاء إلى الشهادتين.]. وذلك من أجل أن يستعد لهم ويعرف ما عندهم من الكتاب حتى يرد عليهم بما جاءوا به. إذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لا بد له من أعداء قاعدين عليه الصلاة والسلام، أهل فصاحة وعلم وحجج، فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما يصير لك سلاحًا تقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك ـ عز وجل ـ [سورة الأعراف، الآيتان : 16، 17]. إذا عرفت هذا أي أن لهؤلاء الأعداء كتبًا وعلومًا وحججًا يلبسون بها الحق بالباطل فعليك أن تستعد لهم، والاستعداد لهم يكون بأمرين: ـ أحدهما: ـ ما أشار إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ عز وجل ـ بان يكون لديك من الحجج الشرعية والعقلية ما تدفع به حجج هؤلاء و باطلهم. الثاني: أن تعرف ما عندهم من الباطل حتى ترد عليهم ولكن إذا أقبلت على الله وأصغيت إلى حججه وبيناته فلا تخف ولا تحزن به، ولهذا قال شيخ الإسلام ـرحمه الله ـ في كتابه درء تعارض النقل والعقل، قال : "إنه ما من إنسان يأتي بحجة يحتج بها على الباطل إلا كانت حجة عليه الصلاة والسلام وليست حجة له" . وهذا الأمر كما قال رحمه الله فإن الحجة الصحيحة إذا إحتج بها المبطل على باطله فإنها تكون حجة عليه الصلاة والسلام وليست له، فعلى من أراد أن يجادل هؤلاء يتأكد أن يلاحظ هذين الأمرين: ـ الأمر الأول: ـ أن يفهم ما عندهم من العلم حتى يرد عليهم به. والأمر الثاني: ـ أن يفهم الحجج الشرعية والعقلية التي يرد بها على هؤلاء. يريد المؤلف ـ رحمه الله ـ أن يشجع من أقبل على الله تعالى وعرف الحق بأن لا يخاف من حجج أهل الباطل ؛ لأنها حجج واهية وهي من كيد الشيطان وقد قال الله تعالى: وفي ذلك يقول القائل: والعامي من الموحدين يغلب ألفا من علماء هؤلاء المشركين كما قال تعالى: قال الشيخ رحمه الله تعالى: "والعامي من الموحدين يغلب ألفًا من علماء هؤلاء المشركين" واستدل بقوله تعالى: توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، فيكون خيرًا من هؤلاء.
فجند الله لهم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان [أشار المؤلف ـ رحمه الله ـ إلى أن جند الله وهم عباده المؤمنون الذين ينصرون الله ورسوله يجاهدون الناس بأمرين: الأول: الحجة والبيان وهذا بالنسبة للمنافقين الذين لا يظهرون عداوة المسلمين فهؤلاء يجاهدون بالحجة والبيان. الثاني: من يجاهد بالسيف والسنان وهم المظهرون للعداوة وهم الكفار الخلص المعلنون بكفرهم وفي هذا والذي قبله يقول الله ـ عز وجل ـ والجهاد بالحجة والبيان يكون للكفار الخلص المعلنين لكفرهم أولًا، ثم يجاهدون بالسيف ثانيًا، ولا يجاهدون بالسيف والسنان إلا بعد قيام الحجة عليهم.] والواجب على الأمة الإسلامية أن تقابل كل سلاح يصوب نحو الإسلام بما يناسبه، فالذين يحاربون الإسلام بالأفكار والأقوال يجب أن يبين بطلان ما هم عليه الصلاة والسلام بالأدلة النظرية العقلية إضافة إلى الأدلة الشرعية، والذين يحاربون الإسلام من الناحية الاقتصادية يجب أن يدافعوا، بل أن يهاجموا إذا. وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح . وقد من الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله: للأشياء ينقسم إلى قسمين: ـ الأول: أن يبين الشيء بعينه مثل قوله تبارك وتعالى: الثاني: أن يكون التباين بالإشارة إلى موضع البيان مثل قوله تعالى: فهذا يبين أننا نرجع في كل شيء إلى أهله الذين هم أهل فلا يأتي صاحب باطل إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى: أمكن، بمثل ما يحاربون به الإسلام، والذين يحاربون الإسلام بالأسلحة يجب أن يقاوموا بما يناسب تلك الأسلحة. أي أن الخوف من أعداء الأنبياء إنما هو على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح ؛ لأنه ليس له علم يتسلح به فيخشى أن يجادله أحد من هؤلاء المشركين فتضيع حجته فيهلك، فلابد أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات ويفحم به الخصم؛ لأن المجادل يحتاج إلى أمرين: الأول: إثبات دليل قوله. الثاني: إبطال دليل خصمه. ولا سبيل إلى ذلك إلا بمعرفة ما هو عليه من الحق، وما عليه الصلاة والسلام خصمه من الباطل ليتمكن من دحض حجته. من الله علينا بكتابه العزيز الذي للأشياء ينقسم إلى قسمين: ـ الأول: أن يبين الشيء بعينه مثل قوله تبارك وتعالى: الثاني: أن يكون التباين بالإشارة إلى موضع البيان مثل قوله تعالى: فهذا يبين أننا نرجع في كل شيء إلى أهله الذين هم أهل فلا يأتي صاحب باطل إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى: الذكر به ولهذا يذكر أن بعض أهل العلم أتاه رجل من النصارى يريد الطعن في القرآن الكريم وكان في مطعم فقال له هذا النصراني: أين بيان كيف يصنع هذا الطعام؟ فدعا الرجل صاحب المطعم وقاله له: صف لنا كيف تصنع هذا الطعام؟ فوصفه، فقال : هكذا جاء في القرآن فتعجب النصراني وقال: كيف ذلك؟ فقال: إن الله ـ عز وجل ـ عز وجل ـ يقول: [قال المؤلف رحمه الله مستدلاً على أن الرجل الموحد ستكون له حجة أبلغ وأبين من حجة غير الموحد مهما بلغ من الفصاحة والبيان كما قال تعالى: ولكن هاهنا أمر يجب التفطن له وهو: أنه لا ينبغي للإنسان أن يدخل في مجادلة أحد إلا بعد أن يعرف حجته ويكون مستعداً لدحرها والجواب عنها ، لأنه إذا دخل في غير معرفة صارت العاقبة عليه، إلا أن يشاء الله كما أن الإنسان لا يدخل في ميدان المعركة مع العدو إلا بسلاح وشجاعة ، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه سيذكر في كتابه هذا كل حجة أتى بها المشركون ليحتجوا بها على شيخ الإسلام -رحمه الله- ويكشف هذه الشبهات لأنها في الحقيقة ليست حججاً ] لا يأتي مبطل بحجة على باطله إلا وفي القرآن ما يبين هذه الحجة الباطلة، بل إن كل صاحب باطل أستدل لباطله بدليل صحيح من الكتاب والسنة فهذا الدليل يكون دليلًا عليه الصلاة والسلام كما ذكر شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ في مقدمة كتابه درء تعارض النقل والعقل أنه ما من صاحب بدعة وباطل يحتج لباطله بشيء من الكتاب أو من السنة الصحيحة إلا كان ذلك الدليل دليلًا عليه وليس دليلًا له. قال بعض المفسرين هذه الآية عامة في كل حجة ياتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة، وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جوابًا لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا. [قال المؤلف رحمه الله مستدلًا على أن الرجل الموحد ستكون له حجة أبلغ وأبين من حجة غير الموحد مهما بلغ من الفصاحة والبيان كما قال تعالى: ولكن هاهنا أمر يجب التفطن له وهو: أنه لا ينبغي للإنسان أن يدخل في مجادلة أحد إلا بعد أن يعرف حجته ويكون مستعدًا لدحرها والجواب عنها، لأنه إذا دخل في غير معرفة صارت العاقبة عليه، إلا أن يشاء الله كما أن الإنسان لا يدخل في ميدان المعركة مع العدو إلا بسلاح وشجاعة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه سيذكر في كتابه هذا كل حجة أتى بها المشركون ليحتجوا بها على شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ ويكشف هذه الشبهات لأنها في الحقيقة ليست حججًا، فنقول: جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل، ومفصل، أما المجمل: ـ فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها وذلك قوله تعالى: ولكنها تشبيه وتلبيس. بين رحمه الله تعالى أنه سيجيب على هذه الشبهات بجوابين: ـ أحدهما: ـ مجمل عام صالح لكل شبهة. الثاني: ـ مفصل، وهكذا ينبغي لأهل العلم في باب المناظرة والمجادلة أن يأتوا بجواب مجمل حتى يشمل ما يحتمل أن يورده الملبسون المشبهون ويأتي بجواب مفصل لكل مسألة بعينها قال الله تعالى: وقد صح [قال الشيخ ـرحمه الله ـ وقد صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه. فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) استدل المؤلف ـ رحمه الله ـ عز وجل ـ بهذا الحديث على أن الرجل الذي يتبع المتشابه من القرآن أو من السنة وصار يلبس به على باطله فهؤلاء هم الذين سماهم الله ووصفهم بقوله: مثال ذلك: إذا قال لك بعض المشركين: عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم). ولهذا تجد أهل الزيغ والعياذ بالله يأتون بالآيات المتشابهات ليلبسوا بها على باطلهم فيقولون مثلًا قال الله تعالى كذا وقال في موضع آخر كذا؟ فكيف يكون، وهذا مثل ما حصل لنافع ابن الأزرق مع ابن عباس رضي الله عنهما في مناظرته التي ذكرها السيوطي في الإتقان وربما يكون غيره ذكرها وهي مفيدة. باتباع هذا المتشابه واحذروا طريقهم أيضًا فالتحذير هنا يشمل التحذير عن طريقهم والتحذير منهم أيضًا، ثم ضرب المؤلف لهم مثلًا بأن يقول لك المشرك أليس الله يقول: وما ذكرته لك من أن الله تعالى ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية، وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم: وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا أعرف معناه، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض وأن كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يخالف كلام الله [قوله ـ رحمه الله ـ "ما ذكرت أيها المشرك من كلام الله تعالى وكلام رسوله لا أعرف معناه، ولكني أعلم أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يخالف كلام الله" يريد بقوله : "لا أعرف معناه" أي لا أعرف معناه الذي أنت تدعيه، وإنني أنكره ولا اقر به، لأنني أعلم أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يخالف كلام الله، قال تعالى: وهذا جواب جيد سديد [قوله رحمه الله: "وهذا جواب جيد سديد" يعني قول الإنسان لخصمه أن كلام الله تعالى لا يتناقض، وأن كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يخالف كلام الله، وأن الواجب رد المتشابه إلى المحكم، فهذا أجاب بجواب سديد أي ساد لمحله لا يمكن لأحد أن يناقضه، أو يرد عليه الصلاة والسلام ما ينقضه لأنه كلام محكم مبني على الدليلين: السمعي، والعقلي وما كان كذلك فإنه جواب لا يمكن لأي مبطل أن ينقضه]. ولكن لا يفهمه [قوله: "ولكن لا يفهمه . . . . إلخ" لن الجواب الأول كان مجملًا يرد به الإنسان على كل شبهة، ثم هناك جواب مفصل أي مميز بعضه عن بعض بحيث تدفع به شبهة كل واحد بعينها.]. إلا من وفقه الله فلا تستهن به، فإنه كما قال تعالى: كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه، منها: قولهم نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا فضلًا عن عبد القادر أو غيره. ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله، وأطلب من الله بهم، فجاوبه بما تقدم وهو : أن الذين قاتلهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقرون بما ذكرت، ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئًا، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة. فإذا قال لك المشرك: أنا لا أشرك بالله، بل أشهد انه لا يخلق، ولا يرزق، ولا ينفع، ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا فضلًا عمن دونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كعبد القادر يعني ابن موسى الجيلاني ـ على خلاف في اسم أبيه ـ كان من كبار الزهاد في والمتصوفين ولد سنة 471 بجيلان وتوفي سنة 561 في بغداد وكان حنبلي المذهب، وهذا هو التوحيد، فهذه شبهة يلبس بها ولكنها شبهة داحضة لا تفيده شيئًا. قوله "ولكن أنا مذنب . . . .إلخ" هذا بقية كلام المشبه، فأجبه بأن ما ذكرت هو ما كان عليه الصلاة والسلام المشركون الذين قاتلهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقرا عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه [قوله : "واقرأ عليه ما ذكر الله تعالى في كتابه ووضحه"، يريد بذلك أن تقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه من توحيد الألوهية فإنه جل وعلا أبدأ فيه وأعاد وكرر من أجل تثبيته في قلوب الناس وإقامة الحجة عليهم فقال تعالى: [سورة العنكبوت، الآية : 56] إلى غيرها من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب توحيد الله عز وجل في عبادته، وأن لا يعبد أحد سواه، فإذا إقتنع بذلك فهذا هو المطلوب وإن لم يقتنع فهو مكابر معاند يصدق عليه قول الله تعالى : واستباح دماءهم ونساءهم وأموالهم، ولم يغنهم هذا التوحيد شيئًا. فإن قال : هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصنامًا فجاوبه بما تقدم. فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره. فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من قوله: : "فإن قال: هؤلاء" يعني أهل الشرك هذه الآيات نزلت في المشركين الذين يعبدون الأصنام وهؤلاء الأولياء ليسوا بأصنام. فجاوبه بما تقدم أي بأن كل من عبد غير الله فقد جعل معبوده وثنًا فأي فرق بين من عبد الأصنام وعبد الأنبياء والأولياء؟ إذ أن الجميع لا يغني شيئًا عن عابديه. يقول: "فإنه" أي هذا القائل يعلم أن المشركين قد أقروا بالربوبية، وأن الله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء وخالقه ومالكه، ولكنهم عبدوا هذه الأصنام من أجل أن تقربهم إلى الله زلفى، وتشفع لهم فقد اقر بأن مقصودهم كمقصوده ومع ذلك لم ينفعهم هذا الاعتقاد كما سبق. يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم قوله: "فأذكر له أن هؤلاء المشركين منهم من يدعو الأصنام لطلب الشفاعة كما أنت كذلك موافق لهم في المقصود، ومنهم من يعبد الأولياء كما أنت كذلك موافق لهم في المقصود والمعبود، ودليل أنهم يدعوا الأولياء قوله تعالى: وأذكر له قوله تعالى: وقوله تعالى : = الوجه الأول: أنه لا صحة لتلبيسه لأن من أولئك المشركين من يعبد الأولياء والصالحين. الوجه الثاني: لو قدرنا أن أولئك المشركين لا يعبدون إلا الأصنام فلا فرق بينه وبينهم لأن الكل عبد من لا يغني عنه شيئًا. قوله: "وأذكر له قوله تعالى: فقل له : أعرفت أن الله كفر من قصد الأصنام، وكفر أيضًا من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ . فإن قال: الكفار يريدون منهم وأنا أشهد أن الله هو قوله: "وقوله تعالى: قوله: "فقل له . . . إلخ" أي قل ذلك مبينًا له أن الله سبحانه وتعالى كفر من عبد الصالحين، ومن عبد الأصنام والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الله قاتلهم على هذا الشرك ولم ينفعهم أن كانا المعبودون من أولياء الله وأنبيائه. قوله: "فإن قال" يعني هذا المشرك، الكفار يريدون منهم أي يريدون أن ينفعوهم أو يضروهم وأنا لا أريد إلا من الله، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، وأنا لا أعتقد فيهم ولكن أتقرب بهم إلى الله ـ عز وجل ـ ليكونوا شفعاء. النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه، والصلاحون ليس لهم من الأمر شيء ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم. فالجواب: أن هذا قول الكفار سواء بسواء وأقرأ عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: وأعلم : أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم، فإذا عرفت أن الله وضحها لنا في كتابه وفهمتها فهمًا جيدًا فما بعدها أيسر منها. فقل له : وكذلك المشركون الذين بعث فيهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هم لا يعبدون هؤلاء الأصنام لاعتقادهم أنها تنفع وتضر ولكنهم يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى كما قال تعالى عنهم : [إذا قال هذا المشبه أنا لست أعبدهم كما أعبد الله ـ عز وجل ـوالإلتجاء إليهم ودعاؤهم ليس بعبادة فهذه شبهة. ] قوله رحمه الله تعالى : وهذه الشبه الثلاث : ـ الشبهة الأولى: ـ قولهم: "إننا لا نعبد الأصنام إنما نعبد الأولياء". فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة. فقل له: أنت تقر أن الله فرض عليك إخلاص العبادة لله وهو حقه عليك، فإذا قال نعم فقل له: يبين لي هذا الذي الشبهة الثانية: ـ قولهم: "أننا ما قصدناهم وإنما قصدنا الله ـ عز وجل ـ في العبادة". الشبهة الثالثة: ـ قولهم: "أننا ما عبدناهم لينفعونا أو يضرونا، فإن النفع والضرر بيد الله عز وجل، ولكن ليقربونا إلى الله زلفى، فنحن قصدنا شفاعتهم بذلك، يعني فنحن لا نشرك بالله سبحانه وتعالى". فإذا تبين لك إنكشاف هذه الشبه فانكشاف ما بعدها من الشبه أهو وأيسر لأن هذه من أقوى الشبه التي يلبسون بها. وجوابها أن تقول: إن الله فرض عليك إخلاص العبادة له وحده. فإذا قال: نعم، فاسأله ما معنى إخلاص العباده له؟ فإما أن يعرف ذلك، وإما أن لا يعرف، فإن كان لا يعرف فبين له ذلك ليعلم أن دعاءه للصالحين وتعلقه بهم عبادة. فرض عليك وهو إخلاص العبادة لله وحده وهو حقه، عليك فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها. فبينها له بقولك قال الله تعالى: ]. فقل له [قوله: "فقل له . . . . . إلخ"، يعني إذا بينت أن الدعاء عبادة وأقر به فقل له : ألست تدعو الله تعالى في حاجة ثم تدعو في تلك الحاجة نفسها نبيًا أو غيره فهل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلابد أن يقول: نعم لأن هذا لازم لا محالة، هذا بالنسبة للدعاء]. [قوله: "فقل له . . . . . إلخ" ، يعني إذا بينت أن الدعاء عبادة وأقر به فقل له : ألست تدعو الله تعالى في حاجة ثم تدعو في تلك الحاجة نفسها نبياً أو غيره فهل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلابد أن يقول: نعم لأن هذا لازم لا محالة ، هذا بالنسبة للدعاء.] إذا أقررت أنها عبادة، ودعوت الله ليلًا ونهارًا، خوفًا وطمعًا، ثم دعوت في تلك الحاجة نبيًا أو غيره هل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلابد أن يقول: نعم، فقل له : إذا علمت بقول الله تعالى: فقل له إذا نحرت لمخلوق نبي أو جني أو غيرهما هل أشركت في هذه العبادة غير الله فلابد أن يقر ويقول : نعم ثم انتقل المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ إلى نوع آخر من العبادة وهو النحر قال : فقل له : إذا علمت بقول الله تعالى: قوله: "وقل له أيضًا : المشركون . . . .إلخ" إنتقل المؤلف إلى إلزام آخر سبقت الإشارة إليه وهو أن يسأل هذا المشبه هل كان المشركون يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك فلابد أن يقول : نعم فيسأل مرة أخرى: هل كانت عبادتهم إلا في الدعاء والذبح والإلتجاء ونحو ذلك مع إقرارهم بأنهم عبيد الله وتحت قهره كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك؟ فلا بد أن يقول: نعم، فقل له : وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والإلتجاء ونحو ذلك، وغلا فهم مقرون أهم عبيده وتحت قهره، وأن الله، هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم والتجأوا إليهم للجاه والشفاعة، وهذا ظاهر جدًا. فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتبرأ منها؟ فقال: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشافع المشفع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال الله تعالى: وأن الله هو الذي يدبر الأمر لكن دعوهم والتجؤوا إليهم للجاه والشفاعة كما سبق وهذا ما وقع فيه المشبه تمامًا قوله: "فإن قال" يعني إذا قال لك المشرك المشبه هل تنكر شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول هذا من أجل أن يلزمك بجواز دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عسى أن يشفع لك عند الله إذا دعوته، فقل له : لا أنكر هذه الشفاعة ولا أتبرأ منها، ولكني أقول إن الشفاعة لله ومرجعها كلها إليه وهو الذي يأذن فيها إذا شاء ولمن شاء لقول الله ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال ـ عز وجل ـ الشرط الأول: ـ أن يأذن الله بها لقوله تعالى: الشرط الثاني: أن يرضى الله ـ عز وجل ـ عن الشافع والمشفوع له، لقوله تعالى: تعالى: فإذا كانت الشفاعة كلها لله [قوله :"فإذا كانت الشفاعة كلها لله. . . . .إلخ" أراد المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ أنه إذا كانت الشفاعة لله، ولا تكون إلا بإذنه، ولا تكون إلا لمن أرتضى ولا يرضى إلا التوحيد لمن من ذلك أن لا تطلب الشفاعة إلا من الله تعال لا من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول اللهم شفع في نبيك اللهم لا تحرمني من شفاعته وأمثال ذلك.]، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد تبين لك أن الشفاعة كلها لله فأطلبها منه، فأقول اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال هذا. فإن قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله؟ قوله: "فإن قال" أي المشرك الذي يدعو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن الله أعطى محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشفاعة فأنا أطلبها منه. فالجواب : أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال: الأول: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك أن تشرك به في دعائه فقال: الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أعطاه الشفاعة ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يشفع إلا لمن إرتضاه الله، ومن كان مشركًا فإن الله لا يرتضيه فلا يأذن أن يشفع له كما قال تعالى: الثالث: إن الله تعالى أعطى الشفاعة غير محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالملائكة يشفعون، والأفراط يشفعون والأولياء يشفعون، فقل: له: هل تطلب الشفاعة من كل هؤلاء؟ فإن قال: لا فقد خصم وبطل قوله وإن قال: نعم . رجع إلى القول بعبادة الصالحين، ثم إن هذا المشرك المشبه ليس يريد من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يشفع له، ولو كان يريد ذلك لقال (اللهم شفع في نبيك محمدًا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ) ولكنه يدعو الرسول فإن الشفاعة أعطيها غير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، [وقال المؤلف "إن الملائكة يشفعون ، والأولياء" سنده حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم مطولاً وفيه فيقول الله عز وجل " شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون" الحديث]، والأفراط يشفعون [وقوله " والأفراط يشفعون" الأفراط هم الذين ماتوا قبل البلوغ وسنده حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا من تحلة القسم" أخرجه البخاري وله عنه وعن أبي سعيد من حديث آخر "لم يبلغوا الحنث"] ، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في ـ صلى الله عليه وسلم ـ مباشرة ودعاء غير الله شرك أكبر مخرج من الملة، فكيف يريد هذا الرجل الذي يدعو مع الله غيره أن يشفع له أحد عند الله سبحانه وتعالى؟ . كتابه، وإن قلت : لا . بطل قولك "أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله". فإن قال: أنا لا أشرك بالله شيئًا حاشا وكلا، ولكن الألتجاء إلى الصالحين ليس بشرك. فقل له: إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا، وتقر أن الله لا يغفره، فما هذا الأمر الذي حرمه الله وذكر أنه لا يغفره؟ فإنه لا يدري [إذا قال هذا المشرك أنا لا أشرك0 بالله شيئًا والألتجاء إلى الصالحين ليس بشرك. فجوابه أن يقال له: ألست تقر أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا، وان الله لا يغفره فما هذا الشرك؟ فإنه سوف لا يدري ولا يجيب بالصواب مادام يعتقد أن طلب الشفاعة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الله عليه وسلم ليس بشرك فهو دليل على أنه لا يعرف الشرك الذي عظمه الله تعالى وقال فيه : فقل له: كيف تبرئ نفسك [قوله: (فقل له كيف تبرئ نفسك . . . إلخ ) يعني إذا برأ نفسه من الشرك بلجوئه إلى الصالحين فجوابه من وجهين: تعرفه؟ أم كيف يحرم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه، أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟ فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام، فقل له : ما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق، وترزق، وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن] من الشرك وأنت لا [يعني إذا قال لك المشرك المشبه: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فأجبه بجوابين: يعتقد أنها تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها فإن زعم ذلك فقد كذب القرآن.] الأول: أن يقال كيف تبرئ نفسك من الشك وأنت لا تعرفه، وهل الحكم على الشيء لا بعد تصوره فحكمك براءة نفسك من الشرك وأنت لا تعلمه حكم بلا علم فيكون مردودًا. الوجه الثاني: أن يقال لماذا؟ لا تسال عن الشرك الذي حرمه الله تعالى أعظم من تحريم قتل النفس والزنا وأوجب لفاعله النار وحرم عليه الجنة أتظن أن الله حرمه على عباده ولم يبينه لهم حاشاه من ذلك. وإن قال : هو من قصد خشية، أو حجرًا، أو بنية على قبر أو غيره، يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون إنه يقربنا إلى الله زلفى، ويدفع الله عنا ببركته أو يعطينا ببركته. فقل : صدقتن وهذا هو فعلكم عند الأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها، فهذا اقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام فهو المطلوب. ويقال له أيضًا: قولك الشرك عبادة الأصنام، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا وأن الإعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين . فلا بد أن يقر لك أن من قوله: "وإن قال . . . إلخ هذا مقابل قولنا" إن زعم ذلك فقد كذب القرآن" يعني إن قال عبادة الأصنام أن يقصد خشبة أو حجرًا أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ن ويذبحون له، ويقولون إنه يقربنا إلى الله زلفى قلنا: صدقت وهذا هو فعلك سواء بسواء وعليه فتكون مشركًا بإقرارك على نفسك وهذا هو المطلوب. قوله: "ويقال له أيضًا قولك: الشرك عبادة الأصنام" إلى قوله " وهذا هو المطلوب" هذا هو الجواب الثاني أن يقال : هل أشرك في عبادة الله أحدًا من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب. وسر المسألة [قوله : "وسر المسألة" يعني لبها أنه إذا قال أنا لا أشرك بالله فاسأله ما معنى الشرك؟ فإن قال: هو عبادة الأصنام، فاسأله ما معنى عبادة الأصنام؟ ثم جادله على ما سبق بيانه.] : أنه إذا قال أنا لا أشرك بالله. فقل له: وما الشرك بالله؟ فسره لي؟ فإن قال : هو عبادة الأصنام. مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاء الصالحين لا يدخل في ذلك، فهذا يرده القرآن وهذا هو المطلوب. قوله: "فإن قال . . . إلخ" يعني إذا أدعى هذا المشرك أنه لا يعبد إلا الله وحده فاسأله: ما معنى عبادة الله وحده؟ وحينئذ لا يخلو من ثلاث حالات: الأولى: أن يفسرها بما دل عليه القرآن فهذا هو المطلوب والمقبول، وبه يتبين أنه لم يحقق عبادة الله وحده حيث أشرك به. الثانية: أن لا يعرف معناها، فيقال : كيف تدعي شيئًا فقل: وما معنى عبادة الأصنام؟ فسرها لي [يعني ويبين له أيضاً أن عبادة الله وحده هي التي ينكرونها علينا ويصرخون بها علينا كما فعل ذلك أسلافهم حين قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم وان عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرون علينا ويصيحون فيه كما صاح إخوانهم حيث قالوا: فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله فقل: ما معنى عبادة الله فسرها لي؟ فإن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب، وإن لم يعرفه فكيف يدعي شيئًا وهو لا يعرفه؟ وإن فسر ذلك بغير معناه بينت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعبادة الأوثان وأنه الذي يفعلونه في هذا الزمان بعينه. وأنت لا تعرفه؟ أم كيف تحكم به لنفسك والحكم على الشيء فرع عن تصوره؟. الثالثة: أن يفسر عبادة الله بغير معناها، وحينئذ يبين له خطوه ببيان المعنى الشرعي للشرك وعبادة الأوثان وأنه الذي يفعلونه بعينه ويدعون أنهم موحدون غير مشركين. يعني ويبين له أيضًا أن عبادة الله وحده هي التي ينكرونها علينا ويصرخون بها علينا كما فعل ذلك أسلافهم حين قالوا للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وان عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرون علينا ويصيحون فيه كما صاح إخوانهم حيث قالوا: فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا "كبير الإعتقاد" هو الشرك الذي نزل فيه القرآن، وقاتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الناس عليه، فأعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولا قوله: "إذا عرفت" يعني علمت معنى العبادة وأن ما عليه أولئك المشركون في زمنه هو ما كان المشركون عليه في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عرفت أن شرك هؤلاء أعظم من شرك الذين قاتلهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وجهين: ـ الوجه الأول: ـ أن شرك هؤلاء يشركون بالله في الشدة والرخاء، وأما أولئك المشركون الذين بعث فيهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنما يشركون في الرخاء ويخلصون في حال الشدة، كما قال تعالى : يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء، وأما الشدة فيخلصون لله الدعاء كما قال تعالى: وقوله : وقوله تعالى: إلى قوله: وقوله تعالى: وهذه أيضًا كالآيتين اللتين قبلها، تدل على أن الإنسان إذا مسه الضر دعا ربه مبينًا إليه، ولكنه إذا خوله نعمة منه نسى وقوله تعالى: ـ فمن فهم هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعون الله ويدعون غيره في الرخاء، وأما في الضراء والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له وينسون سادتهم [يبين رحمه الله أن المشركين في زمانه أشد شركاً من مشركي زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن مشركي زمانه يدعون غير الله في الرخاء وفي الشدة وأما المشركون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنهم يدعون الله ويدعون غيره في حال الرخاء، وأما في حال الشدة فلا يدعون إلا الله عز وجل ، وهذا يدل على أن شرك المشركين في زمانه رحمه الله أعظم من شرك المشركين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ] تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة هذه المسألة فهما راسخًا، والله المستعان [قوله: "تبين له الفرق . . . إلخ" هذا جواب قوله: "فمن فهم هذه المسألة . . . إلخ" أي تبين له الفرق ،بين له الفرق ، بين مشركي زمانه رحمه الله والمشركين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن شرك الأولين أخف من شرك أهل زمانه ، ولكن أين من يفهم قلبه ذلك ، أكثر الناس في غفلة عن هذا وأكثر الناس يلبس عليهم الحق بالباطل فيظنون الباطل حقاً كما يظنون الحق باطلاً.]. الأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناسًا مقربين عند الله إما أنبياء، وإما أولياء وإما ملائكة، أو يدعون أشجارًا، أو أحجارًا مطيعة لله ليست عاصية، وأهل زماننا يدعون مع الله أناسا ًمن أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك [قوله: "الأمر الثاني" أي في بيان أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زمانه رحمه الله أن المشركين في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعون أناسًا مقربين من أولياء الله عز وجل أو يدعون أحجارًا أو أشجارًا مطيعة لله ذليلة له، أما والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به. إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصح عقولًا، وأخف شركًا من هؤلاء، فأعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم، فأصغ سمعك لجوابها وهي: أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وينكرون البعث ويكذبون القرآن ويجعلونه سحرًا، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟ . ]. قوله: "الأمر الثاني" أي في بيان أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زمانه رحمه الله أن المشركين في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعون أناسًا مقربين من أولياء الله عز وجل أو يدعون أحجارًا أو أشجارًا مطيعة لله ذليلة له، أما والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به. إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصح عقولًا، وأخف شركًا من هؤلاء، فأعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم، فأصغ سمعك لجوابها وهي: أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وينكرون البعث ويكذبون القرآن ويجعلونه سحرًا، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟ . هؤلاء أعني المشركين في زمانه فإنهم يدعون من يحكون عنهم الفجور والزنا والسرقة وغير ذلك من معاصي الله عز وجل ومعلوم أن من يعتقد في الصالح، أو الجهاد الذي لا يعصي الله تعالى أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه ويشهد به وهذا ظاهر. في هذه الجملة يبين رحمه الله الله شبهة من أعظم شبههم ويجيب عنها فيقول: إذا تحققت أن المشركين في عهده عليه. فالجواب: ـ أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شيء وكذبه في شيء، أنه كافر لم يدخل في الإسلام، وكذلك إذا آمن ببعض القرآن بعضه كمن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة، أو أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاء، أو أقر بهذا كله وجحد الصوم، أو أقر بهذا كله وجحد الحج، ولما لم ينقذ أناس في زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للحج أنزل الله في حقهم الصلاة والسلام أصح عقولًا وأخف شركًا من هؤلاء فأعلم أنهم يوردون شبهة حيث يقولون إن المشركين في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان فكيف تجعلوننا مثلهم، وهذه شبهة عظيمة. يقول رحمه الله: إنهم إذا قالوا هذا، يعني أنهم يشهدون أن لا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله . . . إلخ، يعني فكيف يكونون كفارًا؟ . وجوابه أن يقال: إن العلماء أجمعوا على أن من كفر ببعض ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكذب به، فهو كمن كذب بالجميع وكفر به ومن كفر بنبي من الأنبياء فهو كمن كفر بجميع الأنبياء لقول الله تعالى: المثال الأول: الصلاة فمن أقر بالتوحيد وأنكر وجوب الصلاة فهو كافر. قوله: "أو أقر بالتوحيد . . . .إلخ" هذا هو المثال الثاني وهو من أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة فإنه يكون كافرًا. ومن أقر بهذا كله وجحد البعث كفر بالإجماع، وحل دمه وماله، كما قال تعالى: المثال الثالث: من أقر بوجوب ما سبق وجحد وجوب الصوم فإنه يكون كافرًا. المثال الرابع: من أقر بذلك كله وجحد وجوب الحج فإنه كافر، واستدل المؤلف على ذلك بقوله تعالى: قول المؤلف رحمه الله "ولما لم ينقد . . . إلخ" ظاهره أن للآية سبب نزول هو هذا ولم أعلم لما ذكره الشيخ دليلًا. قوله: "ومن أقر بهذا كله" أي بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووجوب الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، لكنه كذب بالبعث فإنه كافر بالله لقول الله تعالى: ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلًا أولئك هم الكافرون حقًا وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا} [سورة النساء، الآيتان: 150،151]. فإذا كان الله قد صرح في كتابه : أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقًا زالت هذه الشبهة، وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الإحساء في كتابه الذي أرسله إلينا. ويقال أيضًا إذا كنت تقر أن من صدق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل شيء وجحد وجوب الصلاة أنه كافر حلال الدم.
قوله: "كما قال تعالى: لا أعلم عن هذا الكتاب شيئًا فليبحث عنه. قوله: "ويقال أيضًا إذا كنت تقر أن من صدق الرسول . . . . إلخ" هذا جواب ثان فإن مضمونه أنك إذا عرفت وأقررت بأن من جحد الصلاة والزكاة والصيام والحج والبعث كافر بالله العظيم، ولو أقر بكل ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ سوى ذلك فكيف تنكر أن يكون من جحد التوحيد المال بالإجماع، وكذلك إذا أقر بكل شيء إلا البعث، وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان وصدق بذلك كله لا تختلف المذاهب فيه، وقد نطق به القرآن كما قدمنا. فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أعظم من الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج فكيف إذا جحد الإنسان شيئًا من هذه الأمور كفر ولو عمل بكل وأشرك بالله تعالى كافرًا؟ إن هذا لشيء عجيب، أن تجعل من جحد التوحيد مسلمًا، ومن جحد وجوب هذه الأشياء كافرًا، مع أن التوحيد هو أعظم ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو أعم ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو أعم ما جاءت به الرسل، فجميع الرسل قد أرسلت به، كما قال تعالى: ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟ سبحان الله، ما أعجب هذا الجهل ويقال أيضًا: هؤلاء أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الله عليه وسلم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويؤذنون ويصلون. قوله : "ويقال أيضًا هؤلاء أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . . . . إلخ" هذا جواب ثالث ومضمونه أن الصحابة رضي الله عنهم قاتلوا مسيلمة وأصحابه [ أخرجه البخاري / كتاب استتابة المرتدين / باب قتل من أين قبول الفرائض.]، واستحلوا دماءهم وأموالهم مع أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ويؤذنون، ويصلون وهم إنما رفعوا رجلًا إلى مرتبة جبار السموات والأرض أفلا يكون أحق بالكفر ممن رفع مخلوقًا إلى منزلة مخلوق آخر؟ وهذا أمر واضح، ولكن كما قال الله تعالى: فإن قال إنهم يقولون: إن مسيلمة نبي. فقل: هذا هو المطلوب إذا كان من رفع رجلًا إلى رتبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة، فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابيًا أو نبيًا إلى مرتبة جبار السموات والأرض؟ سبحان الله، ما أعظم شأنه ويقال أيضًا قوله: "ويقال أيضاً إن الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار . . . إلخ" ، هذا جواب رابع فقد كان هؤلاء يدعون الإسلام ، وتعلموا من الصحابة ومع ذلك لم يمنعهم هذا من الحكم بكفرهم ، وتحريقهم بالنار لأنهم قالوا في علي ابن أبي طالب إنه إله، مثل ما يدعي هؤلاء بمن يؤلهونهم، كشمسان وغيره.) الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فكيف أجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتل هؤلاء، أتظنون أن الصحابة رضي الله عنهم يجمعون على قتل من لا بالنار كلهم يدعون الإسلام وهم من أصحاب علي رضي الله عنه وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وامثالهما، فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟ أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟ أم تظنون أن الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر والاعتقاد في علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكفر؟ ويقال أيضًا : بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن يحل قتله، وتكفير من ليس بكافر؟! ذلك لا يمكن أم تظنون أن الاعتقاد في علي بن أبي طالب يضر. قوله: "ويقال أيضًا بنو عبيد القداح . . . إلخ" هذا جواب خامس وهو إجماع العلماء على كفر بني عبيد القداح الذين ملكوا مصر والمغرب وكانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويصلون الجمعة والجماعات ويدعون أنهم مسلمين، ولكن ذلك لم يمنعهم من حكم المسلمين عليهم بالردة حين أظهروا مخالفة المسلمين في أشياء دون التوحيد حتى قاتلوهم وأستنفذوا ما بأيديهم. محمدًا رسول الله، ويدعون الإسلام، ويصلون الجمعة والجماعة فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتى أستنفذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين. ويقال أيضًا إذا كان الأولون لم يكفروا إلا أنهم جمعوا بين قوله : "ويقال أيضًا إذا كان الأؤلون لم يكفروا إلا أنهم . . . إلخ" هذا جواب سادس مضمونه أنه إذا كان الأؤلون لم يكفروا إلا حين جمعوا جميع أنواع الكفر من الشرك والتكذيب والاستكبار فما معنى ذكر أنواع من الكفر في (باب حكم المرتد) كل نوع منها يكفر حتى ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب، فلولا أن الكفر يحصل بفعل نوع منه وإن كان الفاعل مستقيمًا في جانب آخر لم يكن لذكر الأنواع فائدة. يقول رحمه الله تعالى: ومما يدفع شبه هؤلاء، هم الفقهاء في كل مذهب ذكروا في كتبهم (باب حكم المرتد وذكروا أنواعًا كثيرة، حتى ذكروا الكلمة يذكرها الإنسان بلسانه ولا يعتقدها بقلبه، أو يذكرها الإنسان بلسانه ولا يعتقدها بقلبه، أو يذكرها على سبيل المزح، ومع ذلك كفروهم وأخرجوهم من الإسلام بها وسيأتي لذلك مزيد بيان وإيضاح. الشرك وتكذيب الرسول والقرآن، وإنكار البعث وغير ذلك فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب : (باب حكم المرتد) وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعًا كثيرة كل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله، حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها، مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب. ويقال أيضًا: الذين قال الله فيهم [قوله: "ويقال أيضاً الذين قال الله فيهم الأولى: أن الله تعالى حكم بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة الكفر مع أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلون ويزكون ويحجون ويجاهدون ويوحدون. الثانية: أنه حكم بكفر المنافقين الذين أستهزؤا بالله وآياته ورسوله وقالوا "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء" [ ابن جرير الطبري جـ14 وابن كثير جـ2 ص 381.] يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء فأنزل الله فيهم
ومن الدليل على ذلك أيضاً ما حكى الله عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم أنهم قالوا لموسى:
قوله: "ومن الدليل على ذلك" أي على أن الإنسان قد يقول أو يفعل ما هو كفر من حيث لا يشعر قول بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم لموسى عليه الصلاة والسلام: وقد شبه بعض المشركين في هذا الدليل فقال: إن الصحابة وبني إسرائيل لم يفعلوا ذلك حين لقوا من الرسولين الكريمين إنكار ذلك.] قوله: "ويقال أيضًا الذين قال الله فيهم الأولى: أن الله تعالى حكم بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة الكفر مع أنهم كانوا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلون ويزكون ويحجون ويجاهدون ويوحدون. الثانية: أنه حكم بكفر المنافقين الذين أستهزؤا بالله وآياته ورسوله وقالوا "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء" [ابن جرير الطبري جـ14 وابن كثير جـ2 ص 381. ]. يعني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه القراء فأنزل الله فيهم . فحكم بكفرهم بعد إيمانهم مع أنهم ذكروا أنهم كانوا يستهزؤن ولم يقولوا ذلك على سبيل الجد وكانوا يصلون ويتصدقون، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أن الجواب على هذه الشبهة من أنفع ما في هذه الأوراق. ومن الدليل على ذلك أيضًا ما حكى الله عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم أنهم قالوا لموسى: قوله: "ومن الدليل على ذلك" أي على أن الإنسان قد يقول أو يفعل ما هو كفر من حيث لا يشعر قول بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم لموسى عليه الصلاة والسلام: وقد شبه بعض المشركين في هذا الدليل فقال: إن الصحابة وبني إسرائيل لم يفعلوا ذلك حين لقوا من الرسولين الكريمين إنكار ذلك. ولكن المشركين شبهة يدلون عند هذه القصة وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك، وكذلك الذين قالوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجعل لنا ذات أنواط لم يكفروا. فالجواب: أن نقول إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك، وكذلك الذين سألوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يفعلوا ذلك، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا وهذا هو المطلوب. ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن قول الجاهل (التوحيد فهمناه) أن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان. هذا شروع في بيان ما تفيده هذه القصة أعني قصة الأنواط وبني إسرائيل من الفوائد: وتفيد أيضًا أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وتفيد أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظًا الفائدة الأولى: أن الإنسان وإن كان عالمًا قد يخفى عليه بعض أنواع الشرك، وهذا يوجب على الإنسان أن يتعلم ويعرف حتى لا يقع في الشرك وهو لا يدري، وأنه إذا قال أنا أعرف الشرك وهو لا يعرف كان ذلك من أخطر ما يكون على العبد، لأن هذا جهل مركب شر من الجهل البسيط، لأن الجاهل جهلًا مركبًا فإنه يظن نفسه عالما وهو جاهل فيستمر فيما هو عليه من العمل المخالف للشريعة. قوله: "وتفيد أيضًا أنه لو لم يكفر . . . إلخ" هذه هي الفائدة الثانية، أن المسلم إذا قال ما يقتضي الكفر جاهلًا بذلك ثم نبه فأنتبه وتاب في الحال فإن ذلك لا يضره لأنه معذور بجهله ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، أما لو إستمر على ما علمه من الكفر فإنه يحكم بما تقتضيه حاله. قوله: "وتفيد أيضًا لو لم يكفر . . .إلخ" هذه هي الفائدة الثالثة، أن الإنسان وإن كان لا يدري عن الشيء إذا طلب شديدًا كما فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وللمشركين شبهة أخرى يقولون: إن النبي صلى الله ما يكون به الكفر فإنه يغلظ عليه تغليظًا شديدًا ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأصحابه "الله أكبر إنها السنن لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة" وهذا إنكار ظاهر. قوله: (وللمشركين شبهة أخرى . . . إلخ) يعني للمشركين المشبهين شبهة أخرى مع ما سبق من الشبهات وهي : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنكر على أسامة بن زيد رضي الله عنه قتل الرجل بعد أن قال لا إله إلا الله فقال: (أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله) وما زال يكررها عليه الصلاة والسلام على أسامة حتى قال أسامة: (تمنيت أني لم أكن أسلمت بعد) وكذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وأمثال ذلك من الأحاديث التي يستدلون بها على أن من قال : "لا إله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال " لا إله إلا الله"، وكذلك قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها، ومراد هؤلاء الجهلة أن من قالها لا يكفر، ولا يقتل ولو فعل ما فعل. فيقال لهؤلاء المشركين الجهال: معلوم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون : لا إله إلا الله، وأن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويصلون ويدعون الإسلام، وكذلك الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار.
إلا الله" لا يكفر ولا يقتل وإن على الشرك من جهة أخرى، وهذا من الجهل العظيم، فليس قول "لا إله إلا الله" منجيًا من عذاب النار ومخلصًا للإنسان من الشرك إذا كان يشرك من جهة أخرى. قوله: "فيقال لهؤلاء المشركين الجهال. . . . إلخ" هذا جواب الشبهة التي أوردها هؤلاء الجهال فيما سبق وجوابها بما يلي: أولًا: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون لا إله إلا الله. ثانيًا: أن الصحابة قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله وهؤلاء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال لا إله إلا الله. وأن من جحد شيئًا من أركان الإسلام كفر وقتل ولو قالها، فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعًا من الفروع، وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل ورأسه؟ . ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث : فأما حديث أسامة فإنه قتل رجلًا إدعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما أدعى. إلا الله. وأن محمد رسول الله ويصلون ويدعون أنهم مسلمون. ثالثأ: أن الذين حرقهم علي بن أبي طالب كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله. قوله: "وهؤلاء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث . . . . إلخ" هذا إلزام لهؤلاء الجهال واحتجاج عليهم بمثل ما قالوا به، فقد قالوا إن من أنكر البعث فإنه يقتل كافرًا، ويقولون من جحد وجوب شيء من أركان الإسلام، فإنه يحكم بكفره ويقتل وإن قال لا إله إلا الله، فكيف لا يكفر ولا يقتل من يجحد التوحيد هو أساس الدين وإن قال لا إله إلا الله ؟! أفلا يكون هذا أحق بالتكفير ممن جحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة ؟!، وهذا إلزام صحيح لا محيد عنه. الإسلام إلا خوفًا على دمه وماله، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك، وأنزل الله تعالى في ذلك قوله: (ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث . . . . إلخ) يعني الأحاديث التي شبهوا بها ثم أخذ رحمه الله يبين معناها فقال: فأما حديث أسامة، يعني الحديث الذي قتل فيه أسامة رضي الله عنه من قال لا إله إلا الله حين لحقه أسامة ليقتله وكان مشركًا، فقال: "لا إله إلا الله"، فقتله أسامة لظنه أنه لم يكن مخلصًا في قوله وإنما قاله تخلصًا فليس فيه دليل على أن كل من قال "لا إله إلا الله" فهو مسلم ومعصوم الدم، ولكن فيه دليل على أنه يجب الكف عمن قال "لا إله إلا الله"، ثم بعد ذلك ينظر في حاله حتى يتبين وأستدل المؤلف لذلك بقوله تعالى: عليه فإنه يجب أن يعامل بما يتبين من حاله، فإذا بان منه ما يخالف الإسلام قتل ولو كان لا يقتل مطلقًا إذا قالها لم يكن فائدة للأمر بالتثبت. وعلى كل حال فإن حديث أسامة رضي الله عنه ليس فيه دليل على أن من قال "لا إله إلا الله" وهو مشرك يعبد الأصنام والملائكة والجن وغير ذلك يكون مسلمًا. قوله: "وكذلك الحديث الآخر وأمثاله" يريد بالحديث الآخر قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أمرت أن أقاتل الناس . . . إلخ) فبين رحمه الله تعالى أن معنى الحديث أن من أظهر الإسلام. وجب الكف عنه حتى يتبين أمره، لقوله تعالى : {فتبينوا} لأن الأمر بالتبين يحتاج إليه إذا كنا في شك من ذلك، أما لو كان قوله "لا إله إلا الله" بمجرده عاصمًا من القتل فإنه لا حاجة إلى التبين، ثم استدل المؤلف ـ رحمه الله ـ لما ذهب إليه بأن الذي قال لأسامة "أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله" وقال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله . . . " هو الذي أمر بقتال الخوارج وقال "إينما لقيتموهم فاقتلوهم"مع أن الخوارج يصلون ويذكرون الله ويقرؤون القرآن، وهم قد تعلموا من الصحابة رضي الله عنهم ومع ذلك لم ينفعهم ذلك شيئًا ؛ لأن الإيمان لم يصل إلى قلوبهم كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إنه لا يجاوز حناجرهم) وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود، وقتال الصحابة بني حنيفة، وكذلك أراد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يغزو بني المصطلق لما أخبره رجل أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل الله تعالى: ولهم شبهة أخرى : وهو ما ذكر ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالوا: فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركًا. والجواب: أن نقول سبحان من طبع على قلوب أعدائه فإن وهو أن مجرد قول "لا إله إلا الله" ليس مانعًا من القتل بل يجوز قتال من قالها إذا وجد سبب يقتضي قتاله. الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، كما قال الله تعالى في قصة موسى: إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب قوله: "ولهم شبهة أخرى" يعني في أن الاستغاثة بغير الله ليست شركًا وقد أجاب عنها بجوابين: الأول: أن هذه استغاثة بمخلوق فيما يقدر عليه وهذا لا ينكر لقوله تعالى في قصة موسى: الجواب الثاني: أن الناس لم يستغيثوا بهؤلاء الأنبياء الكرام ليزيلوا عنهم الشدة، ولكنهم يستشفعون بهم عند الله ـ عز وجل ـ ليزيل هذه الشدة، وهناك فرق بين من يستغيث بالمخلوق ليكشف عنه الضرر والسوء، ومن يستشفع بالمخلوق إلى الله عنه ذلك. الموقف وهذا جائز في الدنيا والآخرة، وذلك أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كلامك فتقول له: أدع الله لي، كما كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسألونه ذلك في حياته، وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف الصالح على من قصد دعاء الله عند قبره فكيف بدعائه نفسه؟ . قوله: "إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء . . . .إلخ" هذا هو الجواب الثاني وهو أن استغاثتهم بالأنبياء من باب طلب دعائهم إلى الله عز وجل أن يريح الخلق من هذا الموقف العظيم، وليس دعاء لهم، بل طلب دعائهم لربهم عز وجل، وهذا أمر جائز كما أن الصحابة رضي الله عنهم يسألون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يدعو الله لهم، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الله عليه وسلم يخطب فقال : "يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، ولم يقل فأغثنا يا رسول الله، بل قال : "فادع الله يغيثنا" ثلاث مرات، فأنشأ الله سبحانه وتعالى سحابة فأمطرت، ولم يرو الشمس أسبوعًا كاملًا والمطر ينهمر، وفي الجمعة التالية . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . دخل رجل أو الرجل الأول فقال: (يا رسول الله غرق المال، وتهدم البناء فادع الله تعالى يمسكها عنا) فدعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية، ومنابت الشجر)، انفجرت السماء وخرج الصحابة يمشون في الشمس. فهذا طلب دعاء من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لله عز وجل وليس دعاء لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا استغاثة به، وبهذا يعرف أن هذه الشبهة التي لبس بها هؤلاء شبهة لا تنفعهم بل هي حجة داحضة عند الله عز وجل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه لا بأس أن تأتي لرجل صالح تعرفه وتعرف صلاحه فتسأله أن يدعو الله لك، وهذا حق إلا أنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذ ذك ديدنًا له كلما رأى رجلًا صالحًا قال أدع الله لي، فإن هذا ليس من عادة السلف رضي الله عنهم، وفيه إتكال على دعاء الغير، ومن االمعلوم أن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه كان خيرًا له لأنه يفعل عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل فإن الدعاء من العبادة كما قال الله ولهم شبهة أخرى وهي : قصة إبراهيم لما ألقي في النار اعترض له جبريل في الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال تعالى: قوله: "ولهم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار . . . إلخ". والجواب عن هذه الشبهة: أن جبريل إنما عرض عليه أمرًا ممكنًا يمكن أن يقوم به فلو أذن الله لجبريل لأنقذ إبراهيم بما أعطاه الله تعالى من القوة فإن جبريل كما وصفه الله تعالى: {شَدِيدُ الْقُوَى} [سورة النجم الآية: 5] فلو أمره الله أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل ولو أمره أن يحمل إبراهيم إلى مكان بعيد عنهم. إبراهيم : أما إليك فلا، قالوا: فلو كانت الاستغاثة بجبريل شركًا لم يعرضها على إبراهيم ؟ فالجواب: أن هذا من جنس الشبهة الأولى: فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه، فإنه كما قال الله تعالى فيه: {شَدِيدُ الْقُوَى} [سورة النجم، الآية:5] فلو أذن الله له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها من الأرض والجبال ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل، ولو أمره أن يضع إبراهيم في مكان بعيد عنهم لفعل، ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل، وهذا كرجل غني له مال كثير يرى رجلًا محتاجًا فيعرض عليه أن يقرضه، أو أن يهبه شيئًا يقضي به حاجته فيأبى ذلك الرجل المحتاج أن يأخذ ويصبر إلى أن يأتيه الله برزق لا منة فيه لأحد. فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟! . . . . . لفعل ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل. ثم ضرب المؤلف بهذا مثلًا رجل غني أتى إلى فقير فقال هل لك حاجة في المال؟ من قرض أو هبة أو غير ذلك؟ فإنما هذا مما يقدر عليه، ولا يعد هذا شركًا لو قال نعم لي حاجة أقرضني، أو هبني لم يكن مشركًا. ولنختم الكلام ـ إن شاء الله تعالى ـ بمسألة عظيمة مهمة جدًا تفهم مما تقدم، ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها، ولكثرة الغلط فيها فنقول: لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن أختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلمًا، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما. ختم المؤلف هذه الشبهات بمسألة عظيمة هي: أنه لابد أن يكون الإنسان موحدًا بقلبه وقوله وعمله فإن كان موحدًا بقلبه ولكنه لم يوحد بقوله أو بعمله فإنه غير صادق في دعواه، لأن توحيد القلب يتبعه توحيد القول والعمل لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب) [أخرجه البخاري / كتاب الأستسقاء / باب الأستسقاء في خطبة الجمعة، ومسلم / كتاب صلاة الأستسقاء / باب الدعاء في الأستسقاء.] فإذا من جنس فرعون الذين كان مستيقنًا بالحق عالمًا به لكنه أصر وعاند وبقي على ما كان عليه من دعوى الربوبية، قال الله تعالى: وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون: هذا حق ونحن نفهم هذا، ونشهد أنه الحق، ولكنا لا نقدر أن نفعله ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، وغير ذلك من الأعذار . ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق، وقال تعالى عن موسى أنه قال لفرعون قوله : "وهذا يغلط فيه كثير من الناس. . . إلخ" يعني أن كثيرًا من الناس يعرف الحق في هذا ويقولون نحن نعرف أن هذا هو الحق ولكننا لا نقدر عليه لمخالفته أهل بلدنا ونحو ذلك من الأعذار، وهذا العذر لا ينفعهم عند الله ـ عز وجل ـ لأن الواجب على المرء أن يلتمس رضا الله عز وجل ـ ولو سخط الناس، وأن لا يتبع رضا الناس بسخط الله عز وجل، وهذا يشبه من يحتجون بما كان عليه آباؤهم وهم الذين حكى الله عنهم قوله: "ولم يدر المسكين" أي المعدم من الفقه والبصيرة أن غالب أئمة الكفر كانوا يعرفون الحق لكنهم كانوا يعرفون الحق لكنهم عائدوا فخالفوا ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار كما قال تعالى: فإن عمل بالتوحيد عملًا ظاهرًا وهو لا يفهمه، أو لا الحق كما قال تعالى: فكثير من أئمة الكفار يعرفون الحق ولكنهم يكرهونه ولا يتبعونه، ومعرفة الحق دون العمل به أشد من الجهل بالحق، لأن الجاهل بالحق يعذر، وقد يعلم فيتنبه ويتعلم بخلاف المعاند المستكبر، ولهذا كان اليهود مغضوبًا عليهم. يقول رحمه الله: فإن عمل بالتوحيد ظاهرًا أي باللسان والجوارح، ولكنه لم يعتقده بقلبه ولم يفهمه فإنه منافق، وهو شر من الكافر المصرح بكفره لقوله تعالى: يعتقده بقلبه فهو منافق، وهو شرمن الكافر الخالص لقوله تعالى: وهذه المسألة كبيرة طويلة تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به لخوف نقص دنيا، أو جاه، أو مداراة لأحد، وترى من يعم لبه ظاهرًا لا باطنًا فإذا سألته عما يعتقد بقلبه فإذا هو لا يعرفه ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله: وهذا ظاهر فيمن كان معاندًا يعلم الحق ولكنه كرهه بقلبه ولم يطمئن إليه، ولم يستقر به، ولكنه أظهر الإلتزام بالشريعة خداعًا الله ولرسوله وللمؤمنين، وأما من كان لا يفهمه بالكلية ولا يدري ولكنه يعمل كما يعمل الناس ولم يتبين له ذلك الشيء الذي يعملونه والمقصود منه، فإن الواجب أن يبلغ ويعلم، فإن أصر على ما هو عليه من إنكاره بقلبه فهو منافق. بين رحمه الله ـ أن هذه المسألة مسألة كبيرة طويلة يعني أن تتبعها يطول بواسطة أن كثيرًا من الناس قد يأبى الحق خوفًا من أن يلام عليه، أو رجاء لجاه أو دنيا، فيحتاج أن يتتبع أحوال الناس ويعرفها تمامًا حتى يعلم من هو منافق ومن هو مؤمن إيمانًا خالصًا. أولاهما : قوله تعالى:
يحث المؤلف رحمه الله على تدبر آيتين من كتاب الله عز وجل: أولاهما قوله تعالى: فالمؤلف ـ رحمه الله ـ يقول إذا كان هؤلاء المنافقون الذين غزو مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة تبوك كفروا بكلمة قالوها على سبيل المزاح لا على سبيل الجد فما بالك بمن يكفر كفرًا جديًا يريده بقلبه من أجل خوف فوات مركز، أو جاه، أو ما أشبه ذلك، فإنه يكون أعظم وأعظم، فالواقع أن كلهم كفروا بعد إيمانهم سواء فعلوا ذلك استهزاء أو فعلوه على سبيل الجد والكفر، خوفًا أو رجاء، فإن كل إنسان يظهر الإسلام ويبطن الكفر فهو منافق على أي وجه كان. والآية الثانية: قوله تعالى: فالآية تدل على هذا من جهتين: الأولى: قوله:
هذه هي الآية الثانية التي حث المؤلف رحمه الله تعالى على تدبرها وهذه الآية تدل على أنه لا يعذر أحد كفر بعد إيمانه إلا من كان مكرها، وأما من كفر على سبيل الأختيار لأي غرض من الأغراض سواء كان مزاحًا، أو مشحة في وظيفة، أو دفاعًا عن وطن، أو ما أشبه ذلك فإنه يكون كافرًا، فالله عز وجل لم يعذر من كفر إلا من كان مكرها بشرط أن يكون قلبه مطمئنًا بالأيمان. أي أن الله تعالى لم يستثن في الآية من الكافرين إلا من أكره، والإكراه لا يكون إلا على القول أو الفعل، أما عقيدة القلب المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل وأما عقيدة القلب فلا يكره عليها أحد. والثانية: قوله تعالى: فلا يطلع عليها إلا الله، ولا يتصور فيها الإكراه لأنه لا يمكن لأحد أن يكره شخصًا فيقول: لا بد أن تعتقد كذا وكذا ؛ لأنه أمر باطن لا يعلم به، وإنما الإكراه على ما ظهر فقط بالقول والفعل. الوجه الثاني: أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة فكان كفرهم سببه أنهم استحبوا الدنيا على الآخرة ويعني بالدنيا كل ما يتعلق بها من جاه، أو مال، أو رئاسة أو غير ذلك ممن آثر الدنيا بما فيها على الآخرة وكفره من أجل إيثار الدنيا فإنه يكون كافرًا وإن لم يكن مستحبًا للكفر ولكنه مستحب لحياة الدنيا فإنه يكفر، وذلك أن بعض الناس يكفر لأنه يحب الكفر ويعجبه، وبعض الناس يكفر لمال، أو جاه، أو رئاسة، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . وبعض الناس يكفر لينال بذلك شيئًا من السلطان وما أشبه ذلك فالأغراض كثيرة. نسأل الله تعالى أن يهدينا الصراط المستقيم وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ختم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى كتابه هذا برد العلم إلى الله عز وجل والصلاة والسلام على نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبهذا انتهى كتاب كشف الشبهات فنسأل الله تعالى أن يثيب مؤلفه أحسن ثواب وأن يجعل لنا نصيبًا من أجره وثوابه وأن يجمعنا وإياه في دار كرامته إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين وصلي وسلم على نبينا محمد * * تم شرح كشف الشبهات شرح كشف الشبهات والأصول الستة شرح الأصول الستة محمد بن صالح العثيمين شرح الأصول الستة قال المؤلف شيخ الإسلام: بسم الله الرحمن الرحيم من أعجب العجاب، وأكبر الآيات الدالة على قدرة المللك الغلاب ستة أصول بينها الله تعالى بيانًا واضحًا للعوام فوق ما يظن الظانون، ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل. الشـــرح قوله"بســم الله" ابتدأ المؤلف رحمه الله تعالى ـكتاب بالبسملة إقتداء بكتاب الله عز وجل فإنه مبدوء بالبسملة، واقتداء برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه يبدأ كتبه ورسائله بالبسملة. والجار والمجرور متعلق بفعل محذوف مؤخر مناسب للمقام تقديره هنا بسم الله أكتب. وقدرناه فعلًا لأن الأصل في العمل الأفعال. وقدرناه مؤخرًا لفائدتين: الأولى: التبرك بالبداءة باسم الله تعالى. الثانية: إفادة الحصر لأن تقديم المتعلق به يفيد الحصر. وقدرناه مناسبًا لأنه أدل على المراد فلو قلنا مثلًا عندما نريد أن نقرأ كتابًا باسم الله نبتدئ، ما يدري بماذا نبتدئ، لكن بسم الله نقرأ أدل على المراد. قوله: "الله" لفظ الجلالة علم على الباري جل وعلا وهو الاسم الذي تتبعه جميع الأسماء حتى إنه في قوله تعالى: قوله: "الرحمن" الرحمن: أسم من الأسماء المختصة بالله لا يطلق على غيره، ومعناه: المتصف بالرحمة الواسعة. قوله: "الرحيـم" الرحيم: اسم يطلق على الله عز وجل وعلى غيره. ومعناه: ذو الرحمة الواصلة، فالرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة فإذا جمعا صار المراد بالرحيم الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده كما قال الله تعالى: قوله : "ومن أعجب العجاب، وأكبر الآيات الدالة على قدرة المللك الغلاب ستة أصول . .إلخ" شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى له عناية بالرسائل المختصرة التي يفهمها العامي وطالب العلم، ومن هذه الرسائل هذه الرسالة (ستة أصول عظيمة) وهي: الأصل الأول: الإخلاص وبيان ضده وهو الشرك. الأصل الثاني: الاجتماع في الدين والنهي عن التفرق فيه. الأصل الثالث: السمع والطاعة لولاة الأمر. الأصل الرابع: بيان العلم والعلماء، والفقه والفقهاء، ومن تشبه بهم وليس منهم. الأصل الخامس: بيان من هم أولياء الله. الأصل السادس: رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة. وهذه الأصول أصول مهمة جديرة بالعناية، ونحن نستعين بالله تعالى في شرحها والتعليق عليها بما يسر الله.
|