الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غاية الوصول إلى شرح لب الأصول
.القوادح: أي هذا مبحثها وهي ما يقدح في الدليل علة كان الدليل أو غيرها. (منها تخلف الحكم عن العلة المستنبطة) إن كان التخلف (بلا مانع أو فقد شرط في الأصح)، بأن وجدت في بعض صور بدون الحكم لأنها لو كانت علة للحكم لثبت حينئذ بخلاف المنصوصة، إذ لا نقض معها كما بينته في الحاشية، وبخلاف ما إذا كان التخلف لمانع أو فقد شرط، لأن العلة عند التخلف تجامع كلًّا منهما. وهذا ما اختاره ابن الحاجب وغيره من المحققين، وعليه يحمل إطلاق الشافعي القدح بالتخلف، وقيل يقدح مطلقا، ورجحه الأصل إذ لو صحت العلية مع التخلف للزم الحكم في صورة التخلف ضرورة استلزام العلة لمعلولها، وقيل لا يقدح مطلقا. وقال به أكثر الحنفية وسموه تخصيص العلة، وقيل يقدح في العلة المستنبطة دون المنصوصة، وقيل عكسه، وقيل يقدح إلا أن يكون لمانع أو فقد شرط وعليه أكثر فقهائنا وقيل غير ذلك. (والخلف) في القدح (معنوي) خلافا لابن الحاجب ومن تبعه في قولهم إنه لفظي مبني على تفسير العلة إن فسرت بالمؤثر وهو ما يستلزم وجوده وجود الحكم، فالتخلف قادح أو بالباعث أو بالمعرف فلا.(ومن فروعه) أي فروع أن الخلف معنوي (الانقطاع) للمستدل فيحصل إن قدح التخلف، وإلا فلا يحصل ويسمع قوله أردت العلية في غير ما حصل فيه التخلف، (وانخرام المناسبة بمفسدة) فيحصل إن قدح التخلف وإلا فلا، لكن ينتفي الحكم لوجود المانع (وغيرهما) بالرفع أي غير المذكورين كتخصيص العلة فيمتنع إن قدح التخلف وإلا فلا. (وجوابه) أي التخلف على القول بأنه قادح (منع وجود العلة) فيما اعترض به. (أو) منع (انتفاء الحكم) في ذلك (إن لم يكن انتفاؤه مذهب المستدل). وإلا فلا يتأتى الجواب، (أو بيان المانع أو) بيان (فقد الشرط) مثال ذلك يجب القود بالقتل بمثقل كالقتل بمحدد، فإن نقض بقتل الأصل فرعه حيث تخلف الحكم فيه عن العلة فجوابه منع وجود العلة في ذلك، إذ يعتبر فيها عدم أصلية القاتل أو أن التخلف لمانع، وهو أن الأصل كان سببا لإيجاد فرعه، فلا يكون هو سببا لإعدام أصله. (وليس للمعترض) بالتخلف (استدلال على وجود العلة) فيما اعترض به. (عند الأكثر) من النظار، ولو بعد منع المستدل وجودها. (لانتقاله) من الاعتراض إلى الاستدلال المؤدي إلى الانتشار، وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة. وقيل له ذلك إن لم يكن ثم دليل أولى من التخلف بالقدح، وإلا فلا. وقيل له ذلك ما لم تكن العلة حكما شرعيا. (ولو دل) المستدل (على وجودها) أي العلة فيما علل حكمه بها (بـ)ـدليل (موجود في محل النقض ثم منع وجودها) في ذلك المحل، (فقال) له المعترض (ينتقض دليلك) الذي أقمته على وجودها حيث وجد في محل النقض دونها على مقتضى منعك وجودها فيه. (لم يسمع) قول المعترض (لانتقاله من نقضها إلى ناقض دليلها)، والانتقال ممتنع، قال ابن الحاجب وفيه نظر لأن القدح في الدليل قدح في المدلول بمعنى أن القدح فيه يحوج إلى الانتقال إلى إثبات المدلول بدليل آخر، وإلا كان قولًا بلا دليل فلا يمتنع الانتقال إليه، فإن ردّد بين الأمرين فقال يلزمك انتقاض العلة أو انتقاض دليلها الدال على وجودها في الفرع فلا تثبت علتك سمع قوله اتفاقا، إذ لا انتقال (وليس له) أي للمعترض (استدلال على تخلف الحكم) فيما اعترض به ولو بعد منع المستدل تخلفه (في الأصح)، لما مر من الانتقال من الاعتراض إلى الاستدلال المؤدي إلى الانتشار، وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة، وقيل له ذلك إن لم يكن ثم طريق أولى من التخلف بالقدح وإلا فلا. (ويجب الاحتراز منه) أي من التخلف بأن يذكر في الدليل ما يخرج محله ليسلم من الاعتراض، (على المناظر مطلقا) عن الاستثناء الآتي، (وعلى الناظر) لنفسه (إلا فيما اشتهر من المستثنيات)، كالعرايا لأنه لشهرته كالمذكور، فلا يجب الاحتراز منه، وقيل يجب عليه ذلك مطلقا وغير المذكور ليس كالمذكور، وقيل يجب عليه ذلك إلا في المستثنيات ولو كانت غير مشهورة، فلا يجب ذلك للعلم بأنها غير مرادة، وقيل لا يجب مطلقا. واختاره ابن الحاجب وغيره (وإثبات صورة) معينة أو مبهمة (أو نفيها ينتقض بالنفي أو الإثبات العامين) يعني السالبة والموجبة الكليتين. (وبالعكس) أي النفي العام أو الإثبات العام ينتقض بإثبات صورة معينة أو مبهمة أو بنفيها فنحو زيد كاتب أو إنسان ما كاتب يناقضه لا شيء من الإنسان بكاتب ونحو زيد ليس بكاتب، أو إنسان ما ليس بكاتب يناقضه كل إنسان كاتب، أما الأولى بشقيها فلتحقق المناقضة بين الموجبة الجزئية والسالبة الكلية، وأما الثانية كذلك فلتحقق المناقضة بين السالبة الجزئية والموجبة الكلية.(ومنها) أي من القوادح (الكسر) فإنه قادح (في الأصحّ) لما يعلم من تعريفه الآتي، وقيل ليس بقادح، (وهو) أي الكسر ويسمى بنقض المعنى أي المعلل به. (إلغاء بعض العلة) بوجود الحكم عند انتفائه إما (مع إبداله) أي البعض بغيره (أو لا) مع إبداله (ونقض باقيها) أي العلة والتصريح بأو لا إلخ من زيادتي (كما يقال في) إثبات صلاة (الخوف) هي (صلاة يجب قضاؤها) لو لم تفعل. (فيجب أداؤها كالأمن) فإن الصلاة فيه كما يجب قضاؤها لو لم تفعل يجب أداؤها. (فيعترض) بأن خصوص الصلاة ملغى بأن يقال الحج يجب أداؤه لقضائه. (فليبدل) خصوص الصلاة (بالعبادة) ليندفع الاعتراض، وكأنه قيل عبادة إلخ. (ثم ينقض) هذا القول (بصوم الحائض) فإنه عبادة يجب قضاؤها ولا يجب أداؤها بل يحرم (أو لا يبدل) خصوص الصلاة. (فلا يبقى) للمستدل علة (إلا) قوله (يجب قضاؤها) فيجب أداؤها كالأمن. (ثم ينقض بما مر)، بأن يقال ليس كل ما يجب قضاؤه يؤدي بدليل صوم الحائض، فإنه يجب عليها قضاؤه دون أدائه. وعبر ابن الحاجب عن هذا القادح بالنقض المكسور وعرف الكسر قبيله بما لزم منه أن الراجح أنه لا يقدح، وفي محل آخر بما يقتضي أنه تخلف الحكم عن العلة، فعنده أن الكسر مشترك لفظي، وبما تقرر أوّلًا علم أن الكسر لا يكون إلا في العلة المركبة، وأن مفاده تخلف الحكم عن العلة فهو قسم من أقسام القادح السابق.(ومنها) أي من القوادح (عدم العكس) بأن يوجد الحكم بدون العلة وإنما يقدح. (عند مانع تعدد العلل) بخلاف مجوّزه لجواز أن يكون وجود الحكم لعلة أخرى ومثاله يعلم من القادح الآتي. (والعكس انتفاء الحكم) لا بمعنى انتفائه نفسه، بل (بمعنى انتفاء العلم أو الظن به لانتفاء العلة)، وإنما عنى ذلك لأنه لا يلزم من عدم الدليل الذي من جملته العلة عدم المدلول للقطع بأن الله تعالى لو لم يخلق العالم الدال على وجوده لم ينتف وجوده، وإنما ينتفي العلم به. (فإن ثبت مقابله) أي مقابل العكس وهو الطرد أي ثبوت الحكم لثبوت العلة أبدا، (فأبلغ) في العكسية مما لم يثبت مقابله بأن يثبت الحكم مع انتفاء العلة في بعض الصور، لأنه في الأوّل عكس لجميع الصور وفي الثاني لبعضها. (وشاهده) أي العكس في صحة الاستدلال بانتفاء العلة فيه على انتفاء الحكم (قوله صلى الله عليه وسلّم) لبعض أصحابه في خبر مسلم لما عدد وجوه البر بقوله وفي بضع أحدكم صدقة إلخ. (أرأيتم لو وضعها) أي الشهوة (في حرام أكان عليه وزر) فكأنهم قالوا نعم، فقال (فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر في جواب) قولهم (أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر) استنتج من ثبوت الحكم أي الوزر في الوطء الحرام انتفاءه في الوطء الحلال الصادق بحصول الأجر حيث عدل بوضع الشهوة عن الحرام إلى الحلال لتعاكس حكميهما في العلة، وهو كون هذا مباحا وذاك حراما، وهذا الاستنتاج يسمى قياس العكس الآتي في الكتاب الخامس، وإنما ذكر هنا مع العكس، وإن كان المبحث في القدح بعدمه أما العكس فلتوقف معرفة عدمه على معرفته، وأما قياسه فلكونه شاهدا له.(ومنها) أي من القوادح (عدم التأثير أي نفي مناسبة الوصف) الذاتية للحكم (فيختص) القدح به (بقياس معنى علته مستنبطة مختلف فيها) لاشتماله على المناسب بخلاف غيره كالشبه، وقياس المعنى الذي علته منصوصة أو مستنبطة مجمع عليها فلا يأتي فيه ذلك، (وهو) أقسام (أربعة) القسم الأوّل عدم التأثير (في الوصف بكونه طرديا أو شبها). والمعنى عدم تأثيره أصلًا كقول الحنفية في الصبح صلاة لا تقصر فلا يقدم أذانها كالمغرب فعدم القصر بالنسبة لعدم تقديم الأذان طردي لا مناسبة فيه ولا شبه، وعدم التقييد موجود فيما يقصر، وكقول المستدل بقياس المعنى في الوضوء طهارة تفتقر إلى النية كالتيمم فالطهارة بالنسبة لافتقار الوضوء إلى النية شبه المناسبة فيه بالذات، إذ المناسبة الذاتية له كون الوضوء عبادة. وحاصل هذا القسم طلب مناسبة علية الوصف وقولي أو شبهه من زيادتي (و) الثاني عدم التأثير (في الأصل) بإبداء علة لحكمه (على مرجوح) وهو منع تعدد العلل (مثل) أن يقال في بيع الغائب (مبيع غير مرئيّ فلا يصح كالطير في الهواء فيقول) المعترض (لا أثر لكونه غير مرئيّ) في الأصل. (إذ العجز عن التسليم) فيه (كاف) في عدم الصحة وعدمها موجود مع الرؤية. وحاصله معارضته في الأصل بإبداء غير ما علل به وزدت على مرجوح ليوافق ما اعتمدته من جواز تعدّد العلل. (و) الثالث عدم التأثير (في الحكم وهو أضرب) ثلاثة أحدها (ما) أي وصف اشتملت عليه العلة (لا فائدة لذكره كقولهم) أي الخصوم الحنفية (في المرتدين) المتلفين مالنا بدار الحرب حيث استدلوا على نفي الضمان عنهم في ذلك (مشركون أتلفوا مالًا بدار الحرب فلا ضمان) عليهم (كالحربيّ) المتلف مالنا (فدار الحرب عندهم) أي الخصوم كما هو عندنا وصف (طرديّ فلا فائدة لذكره) لأن من نفي الضمان في إتلاف المرتد مال المسلم كالحنفية نفاه، وإن لم يكن الإتلاف بدار الحرب ومن أثبته كالشافعية أثبته، وإن لم يكن الإتلاف بدار الحرب, (فيرجع) الاعتراض في ذلك (للأوّل) من الأقسام لأن المعترض يطالب المستدل بتأثير كون الإتلاف بدار الحرب لا بغيرها. (و) الضرب الثاني (ما) أي وصف اشتملت عليه العلة (له) أي لذكره (على الأصح فائدة ضرورية كقول معتبر العدد في الاستجمار) بالأحجار (عبادة متعلقة بالأحجار لم يتقدمها معصية فاعتبر فيها العدد كالجمار) أي كرميها (فقوله لم يتقدمها معصية عديم التأثير) في حكم الأصل والفرع (لكنه) أي معتبر العدد (مضطر لذكره لئلا ينتقض ما علل به) لو لم يذكر فيه (بالرجم) للمحصن فإنه عبادة متعلقة بالأحجار ولم يعتبر فيها العدد والضرب الثالث ما ذكرته بقولي (أو غير ضرورية) أي أو ماله على الأصح فائدة غير ضرورية (مثل) أن يقال (الجمعة صلاة مفروضة فلم تفتقر) في إقامتها (إلى أذن الإمام) الأعظم (كالظهر، فإن) قولهم (مفروضة حشو إذ لو حذف) مما علل به (لم ينتقض) أي الباقي منه بشيء إذ النفل كالفرض في ذلك. (لكنه ذكر لتقريب الفرع) وهو الجمعة (من الأصل) وهو الظهر (بتقوية الشبهة بينهما إذ الفرض بالفرض أشبه) به من غيره، وقيل عدم التأثير لا يكون قادحا فيما له فائدة بقسميها، وقيل يكون قادحا في ثانيهما دون أولهما. (و) القسم الرابع عدم التأثير (في الفرع) على مرجوح يعلم من قولي بعد في الفرض والأصح جوازه، (مثل) أن يقال في تزويج المرأة نفسها (زوجت نفسها غير كفء فلا يصح) التزويج (كما لو زوجت) بالبناء للمفعول أي زوّجها وليها له. (وهو) أي الرابع (كالثاني) في أنه إبداء علة وهي في هذا المثال تزويج المرأة نفسها لا تزويجها من غير كفء، (إذ لا أثر فيه للتقييد بغير الكفء) فإنه وإن ناسب البطلان لكنه غير مطرد في جميع صور المدعي وهو أن تزويجها نفسها لا يصح مطلقا كما لا أثر للتقييد في مثال الثاني بكونه غير مرئي، وإن كان نفي الأثر هنا بالنسبة إلى الفرع وثم بالنسبة إلى الأصل. (ويرجع) هذا القسم (إلى المناقشة في الفرض وهو) أي الفرض.(تخصيص بعض صور النزاع بالحجاج) كما فعل في المثال، إذ المدعى فيه منع تزويجها نفسها مطلقا والاحتجاج على منعه من غير كفء. (والأصح جوازه) أي الفرض مطلقا فقد لا يساعده الدليل في كل الصور أو لا يقدر على دفع الاعتراض في بعضها فيستفيد بالفرض غرضا صحيحا، وقيل لا يجوز لأن جوازه لا يدفع اعتراض الخصم، وقيل يجوز بشرط بناء غير محل الفرض على محله كأن يقاس عليه بجامع بينهما، أو يقال ثبت الحكم في بعض الصور فليثبت في باقيها، إذ لا قائل بالفرق، وقد قال به الحنفية في المثال حيث جوّزوا تزويجها نفسها من غير كفء.(ومنها) أي من القوادح (القلب) وهو نوعان خاص بالقياس وعرفوه بأن يربط المعترض خلاف قول المستدل على علته إلحاقا بالأصل الذي جعله مقيسا عليه وعام يعترض به على القياس وغيره من الأدلة، (وهو في الأصح دعوى) المعترض (أن ما استدلّ به) المستدل، (وصح) دليل (عليه) أي على المستدل وإن دل له باعتبار آخر فتعبيري بذلك أولى من قوله عليه لا له. (في المسألة) المتنازع فيها لا في مسألة أخرى، وقول الأصل على ذلك الوجه لا حاجة إليه كما بينته في الحاشية، وتقديمي عليه على ما بعده أولى من تأخير الأصل له عنه، (فـ)ـبسبب التقييد بصحة ما استدل به (يمكن معه) أي مع القلب (تسليم صحته)، وقيل القلب تسليم صحته مطلقا سواء أكان ما استدل به صحيحا أم لا. وقيل هو إفساد له مطلقا لأن الغالب من حيث جعله على المستدل مسلم لصحته، وإن لم يكن صحيحا ومن حيث لم يجعله له مفسد له، وإن كان صحيحا، وعلى كلا القولين لا يذكر في الحد قيد للصحة، وإنما ذكر في الأول لأن عدم ذكره فيه يخل بموضوعه إما مصححا لمذهب المعترض أو مبطلًا لمذهب المستدل كما سيأتي، فهو قيد للاحتراز عن الفاسد، إذ لا يحصل به شيء من ذلك، وعلى الأصح من إمكان التسليم مع القلب. (فهو) أي القلب (مقبول في الأصح) وهو إما (معارضة عند التسليم) لصحة دليل المستدل، فلا يكون القلب حينئذ قادحا، بل يجاب عنه بالترجيح وإما اعتراض. (قادح عند عدمه) أي عدم تسليم الصحة، وقيل هو شاهد زور يشهد على الغالب وله حيث سلم فيه الدليل، واستدل به على خلاف دعوى المستدل فلا يقبل. (وهو) أي القلب باعتبار آخر (قسمان).القسم (الأول) القلب (لتصحيح مذهب المعترض) في المسألة (وإبطال مذهب المستدل) فيها سواء أكان مذهب المستدل مصرحا به في الاستدلال أم لا، فالأول (كما يقال) من جانب المستدل كالشافعي في بيع الفضولي (عقد بلا ولاية) عليه. (فلا يصح كالشراء) أي كشراء الفضولي فلا يصح لمن سماه. (فيقال) من جانب المعترض كالحنفي (عقد فيصح كالشراء) أي كشراء الفضولي فيصح له ويلغو تسميته لغيره وهو أحد وجهين عندنا، إذا لم يشتر بعين مال من عقد له ولم يضف العقد إلى ذمته. (و) الثاني (مثل) أن يقول الحنفي المشترط للصوم في الاعتكاف (لبث فلا يكون بنفسه قربة كوقوف عرفة)، فإنه قربة بضميمة الإحرام فكذا الاعتكاف يكون قربة بضميمة عبادة إليه وهي الصوم لأنه المتنازع فيه. (فيقال) من جانب المعترض كالشافعي الاعتكاف. (لبث فلا يشترط فيه الصوم كعرفة) لا يشترط الصوم في وقوفها، ففي هذا إبطال لمذهب الخصم الذي هو اشتراط الصوم ولم يصرح به في الدليل.القسم (الثاني) القلب (لإبطال مذهب المستدل) وإبطاله إما (بصراحة) كأن يقول الحنفي في مسح الرأس، (عضو وضوء فلا يكفي) في مسحه (أقل ما ينطلق عليه الاسم كالوجه) لا يكفي في غسله ذلك. (فيقال) من جانب المعترض كالشافعي عضو ضوء. (فلا يقدر بالربع كالوجه) لا يقدر غسله بالربع (أو بالتزام)، كأن يقول النفي في بيع الغائب (عقد معاوضة فيصح مع الجهل بالمعوّض كالنكاح) يصح مع الجهل بالزوجة أي عدم رؤيتها. (فيقال) من جانب المعترض كالشافعي، (فلا يثبت) فيه (خيار الرؤية كالنكاح) فنفي الثبوت يلزمه نفي الصحة إذ القائل بها قائل بالثبوت، وقولي فلا يثبت أولى من قوله فلا يشترط لأن اللازم للصحة عند القائل بها ثبوت ما ذكر لا اشتراطه، (ومنه) أي من القلب لإبطال مذهب المستدل بالالتزام. (قلب المساواة فيقبل في الأصح) وهو أن يكون في جهة الأصل حكمان أحدهما منتف عن جهة الفرع باتفاق الخصمين، والآخر متنازع فيه بينهما فإذا أثبته المستدل في الفرع قياسا على الأصل يقول المعترض فيجب التسوية بين الحكمين في جهة الفرع كما في جهة الأصل (مثل) قول الحنفي في الوضوء والغسل كل منهما (طهر بمائع فلا تجب فيه النية كالنجاسة) أي إزالتها لا يجب فيها النية بخلاف التيمم يجب فيه النية. (فيقال) من جانب المعترض كالشافعي (يستوي جامده ومائعه) أي الطهر (كالنجاسة) يستوي جامد طهرها ومائعه في جميع أحكامها. وقد وجبت النية في التيمم، فتجب في الوضوء والغسل، وقيل لا يقبل قلب المساواة، لأن التسوية في جهة الفرع غيرها، في جهة الأصل، وأجاب الأكثر بأن هذا الاختلاف لا يضر في القياس، لأنه غير مناف لأصل الاستواء في الوصف الذي جعل جامعا وهو الطهارة.(ومنها) أي من القوادح (القول بالموجب) بفتح الجيم أي بما اقتضاه الدليل ولا يختص بالقياس وشاهده قوله تعالى: {ولله العزة ولرسوله} في جواب ليخرجنّ الأعز منها الأذل، المحكي عن المنافقين أي صحيح ذلك لكنهم الأذل والله ورسوله الأعز وقد أخرجهم الله ورسوله. (وهو تسليم) مقتضي (الدليل مع بقاء النزاع)، بأن يظهر عدم استلزام الدليل لمحل النزاع وورد ذلك على ثلاثة أنواع. أحدها أن يستنتج المستدل من دليله ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملازم له ولا يكون كذلك. والثاني أن يستنتج منه إبطال أمر يتوهم أنه مأخذ مذهب الخصم والخصم يمنع أنه مأخذه. والثالث أن يسكت عن مقدمة صغرى غير مشهورة. فالأول (ما يقال في) القود بقتل (المثقل) من جانب المستدل كالشافعي (قتل بما يقتل غالبا فلا ينافي القود كالإحراق) بالنار لا ينافي القود، (فيقال) من جانب المعترض كالحنفي (سلمنا عدم المنافاة) بين القتل بالمثقل وبين القود، (لكن لم قلت) إن القتل بالمثقل (يقتضيه) أي القود وذلك محل النزاع ولم يستلزمه الدليل. (و) الثاني (كما يقال) في القود بالقتل بالمثقل أيضا (التفاوت في الوسيلة) من آلات القتل وغيره (لا يمنع القود كالتوسل إليه) من قتل وقطع وغيرهما لا يمنع تفاوته القود (فيقال) من جانب المعترض (مسلم) أن التفاوت في الوسيلة لا يمنع القود فلا يكون مانعا منه، (لكن لا يلزم من إبطال مانع انتفاء الموانع ووجود الشرائط والمقتضي) وثبوت القود متوقف عل جميعها، (والمختار تصديق المعترض في قوله) للمستدل (ليس هذا) الذي عنيته باستدلالك تعريضا بي من منع التفاوت في الوسيلة للقود (مأخذي) في نفي القود، لأن عدالته تمنعه من الكذب في ذلك لأنه أعلم بمذهبه، وقيل لا يصدق إلا ببيان مأخذ آخر لأنه قد يعاند بما قاله. والثالث ما ذكرته بقولي (وربما سكت المستدل عن مقدمة غير مشهورة مخافة المنع) لها لو صرح بها (فيرد) بسكوته عنها (القول بالموجب) كما يقال في اشتراط النية في الوضوء والغسل ما هو قربة يشترط فيه النية كالصلاة ويسكت عن الصغرى وهي الوضوء والغسل قربة، فيقول المعترض مسلم أن ما هو قربة يشترط فيه النية، لكن لا يلزم اشتراطها في الوضوء والغسل، فإن صرح المستدل بأنهما قربة ورد عليه منع ذلك وخرج عن القول بالموجب أما المشهورة فكالمذكورة فلا يتأتى فيها القول بالموجب.(ومنها) أي من القوادح (القدح في المناسبة) الوصف المعلل به الحكم. (وفي صلاحية إفضاء الحكم إلى المقصود) من شرعه (وفي الانضباط) للوصف المذكور، (وفي الظهور) له بأن ينفي كلًّا من الأربعة بأن يبدي في أوّلها مفسدة راجحة أو مساوية لما مر من أنها تنخرم بذلك، ويبين في ثانيها عدم الصلاحية للإفضاء، وفي ثالثها عدم الانضباط، وفي رابعها عدم الظهور. (وجوابه) أي القدح بشيء منها (بالبيان) له. الأول بيان رجحان المصلحة على المفسدة، كأن يقال التخلي للعبادة أفضل من النكاح لما فيه من تزكية النفس فيعترض بأن تلك المصلحة تفوّت أضعافها كإيجاد الولد وكف النظر وكسر الشهوة، فيجاب بأن تلك المصلحة أرجح مما ذكر لأنها لحفظ الدين وما ذكر لحفظ النسل، والثاني ببيان إفضاء الحكم إلى المقصود كأن يقال تحريم المحرم بالمصاهرة مؤبدا صالح، لأن يفضي إلى عدم الفجور بها المقصود من شرع التحريم فيعترض بأنه ليس صالحا لذلك، بل للإفضاء إلى الفجور لأن النفس مائلة إلى الممنوع. فيجاب بأن تحريمها المؤبد لسد باب الطمع فيها بحيث تصير غير مشتهاة كالأم، والثالث ببيان انضباط الوصف بنفسه أو بوصف معه يضبطه كالسفر للمشقة، والرابع ببيان ظهوره بأن يبينه بصفة ظاهرة كأن يعلل في القود بالرضا فيعترض بأن الرضا أمر خفي فلا يعلل به، فيجاب ببيان ظهوره بصفة ظاهرة تدل عليه وهي الصيغة.(ومنها) أي من القوادح (الفرق) بين الأصل والفرع (والأصح أنه معارضة بإبداء قيد في علية) حكم (الأصل أو) إبداء (مانع في الفرع) يمنع من ثبوت حكم الأصل فيه (أو بهما) أي بالابداءين معا. وقيل هو الثالث فقط مثاله على الشق الأول أن يقول الشافعي تجب النية في الوضوء كالتيمم بجامع الطهارة عن حدث، فيعترض الحنفي بأن العلة في الأصل الطهارة بالتراب، وعلى الثاني أن يقول الحنفي يقاد المسلم بالذميّ كغير المسلم بجامع القتل العمد العدوان فيعترض الشافعي بأن الإسلام في الفرع مانع من القود، وعلى الثالث أن يعارض بالابداءين وما عرفت به الفرق أولى من تعريف الأصل له بأنه راجع إلى المعارضة في الأصل، أو الفرع وقيل إليهما لأنه أحاله على ما لم يذكره مع إيهام أن المعارضة بالابداءين ليست فرقا مطلقا وليس كذلك. (و) الأصح (أنه) أي الفرق (قادح) وإن قيل إنه بالثالث أو بالضعيف سؤالان. أو قلنا بجواز تعدّد العلل لأنه يؤثر في جميع المستدل، ولأنه لو لم يقدح لم يمتنع التحكم واللازم باطل وقيل ليس بقادح، وقيل كذلك على القول بأنه بالثالث سؤالان لا سؤال واحد، إذ جمع الأسئلة المختلفة غير مقبول ومعنى كونه سؤالًا واحدا اتحاد المقصود منه وهو قطع الجمع، ومعنى كونه سؤالين اشتماله على معارضة علة الأصل بعلة وعلى معارضة الفرع بأخرى مستنبطة. (وجوابه) أي الفرق (بالمنع) كأن يمنع كون المبدى في الأصل جزءا من العلة وفي الفرع مانعا من الحكم وهذا من زيادتي (و) الأصح (أنه يجوز تعدد الأصول) لفرع واحد بأن يقاس عليها لقوّة الظن به، وصححه ابن الحاجب وغيره وهو الموافق لجواز تعدد العلل وقيل يمتنع تعددها، وإن جوز تعدد العلل لانتشار البحث في ذلك مع إمكان حصول المقصود بواحد منها وصححه الأصل. (فلو فرق بين الفرع وأصل منها كفى) في القدح فيها (في الأصح) لأنه يبطل جمعها المقصود، وقيل لا يكفي لاستقلال كل منها وقيل يكفي إن قصد الإلحاق بمجموعها، لأنه يبطله بخلاف ما إذا قصد بكل منها (في اقتصار المستدل على جواب أصل) واحد منها، وقد فرق المعترض بين جميعها. (قولان) أحدهما يكفي لحصول المقصود بالدفع عن واحد منها، والثاني لا يكفي لأنه التزم الجميع فلزمه الدفع عنه، وهذا هو الأوجه الموافق للأصح قبله.(ومنها) أي من القوادح، (فساد الوضع بأن لا يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم) عليه كأن يكون صالحا لضد ذلك الحكم أو نقيضه (كتلقي) أي استنتاج (التخفيف من التغليظ والتوسيع من التضييق والإثبات من النفي). وعكسه (وثبوت اعتبار الجامع) في قياس المستدل (بنص أو إجماع في نقيض الحكم)، أو ضده في ذلك القياس، فالأول كقول الحنفية القتل عمدا جناية عظيمة لا يجب له كفارة كالردة فعظم الجناية يناسب تغليظ الحكم لا تخفيفه بعدم وجوب الكفارة، والثاني كقولهم الزكاة وجبت على وجه الارتفاق لدفع الحاجة، فكانت على التراخي كالدية على العاقلة، فالتراخي الموسع لا يناسب دفع الحاجة المضيق، والثالث كأن يقال في المعاطاة في غير المحقر لم يوجد فيها مع الرضا صيغة، فينعقد بها البيع كما في المحقر على القول بانعقاده بها فيه، فعدم الصيغة يناسب عدم الانعقاد لا الانعقاد، والرابع كأن يقال في المعاطاة في المحقر وجد فيها الرضا فقط، فلا ينعقد بها بيع كغير المحقر، فالرضا الذي هو مناط البيع يناسب الانعقاد لا عدمه. والخامس في الجامع ذي النص قول الحنفية الهرة سبع ذو ناب فسؤره نجس كالكلب، فيقال السبعية اعتبرها الشارع علة للطهارة حيث دعي إلى دار فيها كلب فامتنع وإلى أخرى فيها سنور فأجاب فقيل له فقال السنور سبع. رواه الإمام أحمد وغيره، وفي الجامع ذي الإجماع قول الشافعية في مسح الرأس في الوضوء مسح فيسن تكراره كالاستجمار حيث يسن الإيتار فيه فيقال المسح في الخف لا يسن تكراره إجماعا فيما قيل. (وجوابه) أي فساد الوضع (بتقرير نفيه) عن الدليل بأن يقرر كونه صالحا لترتيب الحكم عليه كأن يكون له جهتان يناسب بإحداهما التوسيع وبالأخرى التضييق فينظر المستدل فيه من إحداهما، والمعترض من الأخرى كالارتفاق ودفع الحاجة في مسألة الزكاة، ويجاب على الكفارة في القتل بأنه غلظ فيه بالقود فلا يغلظ فيه بالكفارة، وعن المعاطاة في الثالث بأن الانعقاد بها مرتب على الرضا لا على عدم الصيغة، وعن المعاطاة في الرابع بأن عدم الانعقاد بها مرتب على عدم الصيغة لا على الرضا، وعن ثبوت اعتبار الجامع بقسميه في نقيض الحكم بثبوت اعتباره في ذلك الحكم، ويكون تخلفه عنه بأن وجد مع نقيضه لمانع في أصل المعترض كما في مسح الخف فإن تكراره يفسده كغسله.(ومنها) أي من القوادح (فساد الاعتبار بأن يخالف) الدليل (نصا) من كتاب أو سنة، (أو إجماعا) كأن يقال في أداء الصوم الواجب صوم واجب، فلا يصح نيته من النهار كقضائه، فيعترض بأنه مخالف لقوله تعالى: {والصائمين والصائمات} إلخ فإنه رتب فيه الأجر العظيم على الصوم كغيره من غير تعرض للتبييت فيه، وذلك مستلزم لصحته بدونه، وكأن يقال لا يصح قرض الحيوان لعدم انضباطه كالمختلطات، فيعترض بأنه مخالف لخبر مسلم عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلّم استسلف بكرا وردّ رباعيا. وقال: «إن خيار الناس أحسنهم قضاء» والبكر بفتح الباء الصغير من الإبل، والرباعي بفتح الراء ما دخل في السنة السابعة، وكأن يقال لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته الميتة لحرمة النظر إليها كالأجنبية، فيعترض بأنه مخالف للإجماع السكوتي في تغسيل عليّ فاطمة رضي الله عنهما، (وهو) أي فساد الاعتبار (أعم من فساد الوضع) من وجه لصدقه فقط بأن يكون الدليل صالحا لترتيب الحكم عليه وصدق فساد الوضع فقط بأن لا يكون الدليل كذلك، ولا يعارضه نص ولا إجماع وصدقهما معا بأن لا يكون الدليل كذلك مع معارضة نص أو إجماع له (وله) أي للمعترض بفساد الاعتبار (تقديمه على المنوعات) في المقدمات (وتأخيره عنها) لمجامعته لها من غير مانع من تقديمه وتأخيره (وجوابه كالطعن في سنده) أي سند النص أو الإجماع بإرسال أو غيره (والمعارضة) للنص بنص آخر فيتساقطان ويسلم دليل المستدل. (ومنع الظهور) له في مقصد المعترض (والتأويل) له بدليل وزدت الكاف لدفع توهم حصر الجواب فيما ذكر، فإنه لا ينحصر فيه إذ منه غيره كالقول بالموجب كما بينته في الحاشية.(ومنها) أي من القوادح (منع علية الوصف) أي منع كونه العلة (وتسمى المطالبة) أي بتصحيح العلة المتبادر عند إطلاق المطالبة. (والأصح قبوله) وإلا لأدى الحال إلى تمسك المستدل بما شاء من الأوصاف لأمنه المنع، وقيل لا يقبل لأدائه إلى الانتشار بمنع كل ما يدعي عليته. (وجوابه بإثباتها) أي العلية بمسلك من مسالك العلة المتقدمة. (ومن المنع) المطلق (منع وصف العلة) أي منع اعتباره فيها وهو مقبول جزما. (كقولنا في إفساد الصوم بغير جماع) كأكل من غير كفارة (الكفارة) شرعت (للزجر عن الجماع المحذور في الصوم فوجب اختصاصها به كالحد). فإنه شرع للزجر عن الجماع زنا وهو مختص بذلك. (فيقال) لا نسلم أنها شرعت للزجر عن الجماع بخصوصه، (بل عن الإفطار المحذور فيه) أي في الصوم بجماع أو غيره. (وجوابه ببيان اعتبار الخصوصية) أي خصوصية الوصف في العلة كأن يبين اعتبار الجماع في الكفارة بأن الشارع رتبها عليه حيث أجاب بها من سأله عن جماعه كما مرّ. (كأن المعترض) بهذا الاعتراض (ينقح المناط) بحذف خصوص الوصف عن اعتباره في العلة (والمستدل يحققه) ببيان اعتبار خصوصية الوصف فيقدم لرجحان تحقيق المناط فإنه يرفع النزاع. (و) من المنع المطلق (منع حكم الأصل، والأصح أنه مسموع) كمنع وصل العلة كأن يقول الحنفي الإجارة عقد على منفعة، فتبطل بالموت كالنكاح فيقال له لا نسلم حكم الأصل، إذ النكاح لا يبطل بالموت بل ينتهي به، وقيل غير مسموع لأن لم يعترض المقصود (و) الأصح (أن المستدل لا ينقطع به) أي بمنع الحكم لأنه منع مقدمة من مقدمات القياس، فله إثباته كسائر المقدمات. وقيل ينقطع للانتقال عن إثبات حكم الفرع الذي هو بصدده إلى غيره، وقيل ينقطع به إن كان ظاهرا يعرفه أكثر الفقهاء، ولم يقل المستدل في استدلاله إن سلمت حكم الأصل وإلا نقلت الكلام إليه بخلاف ما لا يعرفه إلا خواصهم، أو قال المستدل ذلك، وقيل غير ذلك. (و) الأصح (أنه) أي المستدل (إن دل) أي استدل (عليه) أي على حكم الأصل بدليل (لم ينقطع المعترض) بمجرد ذلك، (بل له أن يعترض) ثانيا الدليل، لأنه قد لا يكون صحيحا، وقيل ينقطع فليس له أن يعترض لخروجه باعتراضه عن المقصود، (وقد يقال) من طرف المعترض في الإتيان بمنوع مترتبة (لا نسلم حكم الأصل سلمنا). (ولا نسلم أنه مما يقاس فيه) لجواز كونه مما اختلف في جواز القياس فيه والمستدل لا يراه. (سلمنا) ذلك (ولا نسلم أنه معلل) لجواز كونه تعبديا. (سلمنا) ذلك، (ولا نسلم أن هذا الوصف علته) لجواز كونها غيره. (سلمنا) ذلك، (ولا نسلم وجود فيه) أي وجود الوصف في الأصل. (سلمنا) ذلك (ولا نسلم أنه) أي الوصف (متعد) لجاز كونه قاصرا. (سلمنا) ذلك، (ولا نسلم وجوده بالفرع)؛ فهذه سبعة منوع تتعلق الثلاثة الأولى منها بحكم الأصل، والأربعة الباقية بالعلة مع الأصل، والفرع في بعضها. وقد بينت ذلك في الحاشية. (فيجاب) عنها (بالدفع) لها على ترتيبها السابق (بما عرف من الطرق) المذكورة في دفعها إن أريد ذلك، وإلا فيكفي الاقتصار على دفع الأخير منها، (فـ)ـبسبب جواز تعدد المنوع (يجوز إيراد اعتراضات) هو أولى من قوله معارضات (من نوع)، كالنقوض أو المعارضات في الأصل أو الفرع لأنها كسؤال واحد مترتبة كانت أو لا، (وكذا) يجوز إيراد اعتراضات (من أنواع في الأصح)، كالنقض وعدم التأثير والمعارضة، (وإن كانت مترتبة) أي يستدعي تاليها تسليم متلوه، وذلك لأن تسليمه تقديري لا تحقيقي، وقيل لا يجوز من أنواع للانتشار، وقيل يجوز في غير المترتبة دون المترتبة، لأن ما قبل الأخير في المترتبة مسلم فذكره ضائع، وردّ بأن تسليمه تقديريّ لا تحقيقي كما مرّ، مثال النوع في الاعتراضات المترتبة أن يقال ما ذكر أنه علة منقوض بكذا ومنقوض بكذا، ولئن سلم فهو منقوض بكذا، ومثاله في غير المترتبة أن يقال ما ذكر أنه علة منقوض بكذا ومنقوض بكذا ومثال الأنواع مترتبة أن يقال ما ذكر من الوصف غير موجود في الأصل، ولئن سلم فهو معارض بكذا، ومثالها غير مترتبة أن يقال هذا الوصف منقوض بكذا أو غير مؤثر لكذا.(ومنها) أي من القوادح (اختلاف ضابطي الأصل والفرع)؛ أي اختلاف علتي حكمهما بدعوى المعترض، وإنما كان اختلافهما قادحا لعدم الثقة فيه بالجامع وجودا ومساواة، كأن يقال في شهود الزور بالقتل تسببوا في القتل، فعليهم القود كالمكره غيره على القتل، فيعترض بأن الضابط في الأصل الإكراه، وفي الفرع الشهادة، فأين الجامع بينهما وإن اشتركا في الإفضاء إلى المقصود. فأين مساواة ضابط الفرع لضابط الأصل في ذلك؟ (وجوابه) أي جواب الاعتراض باختلاف الضابط (بأنه) أي الجامع بينهما. (القدر المشترك) بين الضابطين كالتسبب في القتل فيما مر، وهو منضبط عرفا. (أو بأن الإفضاء) أي إفضاء الضابط في الفرع إلى المقصود (سواء) أي مساوٍ لإفضاء الضابط في الأصل إلى المقصود، كحفظ النفس فيما مر، وكالمساوي لذلك الأرجح منه كما فهم بالأولى. (لا بإلغاء التفاوت) بين الضابطين بأن يقال التفاوت بينهما ملغى في الحكم، فلا يحل الجواب به لأن التفاوت قد يلغى كما في العالم يقتل بالجاهل، وقد لا يلغى كما في الحرّ لا يقتل بالعبد.(ومنها) أي من القوادح (التقسيم) هو راجع للاستفسار مع منع المعترض أن أحد احتمالي اللفظ العلة، (وهو ترديد اللفظ) المورد في الدليل (بين أمرين) مثلًا على السواء. (أحدهما ممنوع) دون الآخر المراد مثاله أن يقال في مثال الاستفسار للإجمال فيما يأتي الوضوء النظافة أو الأفعال المخصوصة الأول ممنوع أنه قربة، والثاني مسلم أنه قربة، لكنه لا يفيد الغرض من وجوب النية. (والمختار قبوله) لعدم تمام الدليل معه وقيل لا لأنه لم يعترض المراد. (وجوابه أن اللفظ موضوع) في المراد (ولو عرفا) كما يكون لغة. (أو) أنه (ظاهر) ولو بقرينة (في المراد)، كما يكون ظاهرا بغيرها ويبين الوضع والظهور. (والاعتراضات) كلها (راجعة إلى المنع) قال كثير أو المعارضة، لأن غرض المستدل من إثبات مدعاه بدليله صحة مقدّماته ليصلح للشهادة له وسلامته من المعارض لتنفذ شهادته وغرض المعترض من هدم ذلك القدح في صحة الدليل بمنع مقدمة منه أو معارضته بما يقاومه، والأصل كبعضهم رأى أن المعارضة منع للعلة عن الجريان فاقتصر عليه وتبعته فيه. (ومقدمها) بكسر الدال، ويجوز فتحها كما مر أي المتقدم أو المقدم على الاعتراضات. (الاستفسار) فهو طليعة لها كطليعة الجيش. (وهو طلب ذكر معنى اللفظ لغرابة أو إجمال) فيه (وبيانهما) أي الغرابة والإجمال (على المعترض في الأصح) لأن الأصل عدمهما وقيل على المستدل بيان عدمهما ليظهر دليله. (ولا يكلف) المعترض بالإجمال (بيان تساوي المحامل) المحقق للإجمال لعسر ذلك عليه. (ويكفيه) في بيان ذلك إن أراد التبرع به أن يقول (الأصل) بمعنى الراجح (عدم تفاوتها) أي المحامل وإن عارضه المستدل بأن الأصل عدم الإجمال. (فيبين المستدل عدمهما) أي عدم الغرابة والإجمال حيث تمّ الاعتراض عليه بهما بأن يبين ظهور اللفظ في مقصوده بنقل عن لغة أو عرف شرعي أو غيره أو بقرينة، كما إذا اعترض عليه في قوله الوضوء قربة، فلتجب فيه النية بأن الوضوء يطلق على النظافة، وعلى الأفعال المخصوصة فيقول حقيقته الشرعية الثاني. (أو يفسر اللفظ بمحتمل) منه بفتح الميم الثانية. (قيل وبغيره) أي بغير محتمل منه، إذ غاية الأمر أنه ناطق بلغة جديدة ولا محذور في ذلك بناء على أن اللغة اصطلاحية، وردّ بأن فيه فتح باب لا يستد. (والمختار) أنه (لا يقبل) من المستدل إذا وفق المعترض بإجمال اللفظ على عدم ظهوره في غير مقصده، (دعواه الظهور) له (في مقصده) بكسر الصاد (بلا نقل) عن لغة أو عرف، (أو قرينة) كأن يقول يلزم ظهوره في مقصدي لأنه غير ظاهر في الآخر اتفاقا، فلو لم يكن ظاهرا في مقصدي لزم الإجمال، وإنما لم تقبل لأنه لا أثر لها بعد بيان المعترض الإجمال، وقيل تقبل دفعا للإجمال الذي هو خلاف الأصل، ومحله إذا لم يشتهر اللفظ بالإجمال، فإن اشتهر به كالعين والقرء لم يقبل ذلك جزما، وترجيح عدم القبول من زيادتي، وهو ما اعتمده شيخنا الكمال ابن الهمام وغيره، وقولي بلا نقل أو قرينة أظهر في المراد من قوله دفعا للإجمال. (ثم المنع) أي الاعتراض بمنع أو غيره (لا يأتي في الحكاية) أي حكاية المستدل للأقوال في المسألة المبحوث فيها حتى يختار منها قولًا ويستدل عليه. (بل) يأتي (في الدليل) إما (قبل تمامه)، وإنما يأتي في مقدمة معينة منه. (أو بعده) أي بعد تمامه. (والأول) وهو المنع قبل التمام (إما) منع (مجرد أو) منع (مع السند)، وهو ما يبنى عليه المنع والمنع مع السند. (كلا نسلم كذا ولم لا يكون) الأمر (كذا أو) لا يسلم كذا و(إنما يلزم كذا لو كان) الأمر (كذا وهو) أي الأول بقسميه من المنع المجرد والمنع مع السند. (المناقضة) أي يسمى بها ويسمى بالنقض التفصيلي (فإن احتج) المانع (لانتفاء المقدمة) التي منعها (فغصب) أي فاحتجاجه لذلك يسمى غصبا لأنه غصب لمنصب المستدل (لا يسمعه المحققون) من النظار لاستلزامه الخبط فلا يستحق جوابا، وقيل يسمع فيستحقه. (والثاني) وهو المنع بعد تمام الدليل (إما بمنع الدليل) بمنع مقدمة معينة أو مبهمة (لتخلف حكمه فالنقض التفصيلي) أي يسمى به إن كان المنع لمعينة كما يسمى مناقضة. (أو) النقض (الإجمالي) أن يسمى به إن كان لمبهمة أو لجملة الدليل كأن يقال في صورته ما ذكر من الدليل غير صحيح لتخلف الحكم عنه في كذا، ووصف بالإجمالي لأن جهة المنع فيه غير معينة بخلاف التفصيلي، وذكر التفصيلي في الثاني من زيادتي. (أو بتسليمه) أي الدليل (مع) منع المدلول و(الاستدلال بما ينافي ثبوت المدلول فالمعارضة) أي يسمى بها (فيقول) في صورتها المعترض للمستدل. (ما ذكرت) من الدليل (وإن دل) على ما ذكرته (فعندي ما ينفيه) أي ما ذكرته ويذكره (وينقل) المعترض بها (مستدلًّا) والمستدل معترضا، أما لو منع الدليل لا للتخلف أو المدلول، ولم يستدل بما ينافي ثبوته فالمنع مكابرة. (وعلى المستدل الدفع) لما اعترض به عليه. (بدليل) ليسلم دليله الأصلي ولا يكفيه المنع (فإن منع) أي الدليل الثاني بأن منعه المعترض (فكما مرّ) من المنع قبل تمام الدليل، وبعد تمامه إلخ. (وهكذا) أي المنع ثالثا ورابعا مع الدفع وهلم، (إلى إفحامه) أي المستدل بأن انقطع بالمنوع. (أو إلزام المانع) بأن انتهى إلى ضروري أو يقيني مشهور من جانب المستدل.(خاتمة) الكتاب القياس (الأصح أن القياس من الدين) لأنه مأمور به لقوله تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} وقيل ليس منه لأن اسم الدين إنما يقع على ما هو ثابت مستمر، والقياس ليس كذلك، لأنه قد لا يحتاج إليه، وقيل منه إن تعين بأن لم يكن للمسألة دليل غيره، بخلاف ما إذا لم يتعين لعدم الحاجة إليه. (و) الأصح (أنه) أي القياس (من أصول الفقه)، كما عرف من حده وقيل ليس منه وإنما يبين في كتبه لتوقف غرض الأصولي من إثبات حجيته المتوقف عليها الفقه على بيانه. (وحكم المقيس يقال) فيه (إنه دين الله) وشرعه (لا) يقال فيه (قاله الله ولا نبيه) لأنه مستنبط لا منصوص وقولي ولا نبيه من زيادتي، (ثم القياس فرض كفاية) على المجتهدين. (ويتعين) أي يصير فرض عين (على مجتهد احتاج إليه) بأن لم يجد غيره في واقعة. (وهو) أي القياس بالنظر إلى قوّته وضعفه قسمان (جلي) وهو (ما قطع فيه بنفي الفارق) أي بإلغائه (أو) ما (قرب منه) بإن كان ثبوت الفارق أي تأثيره فيه ضعيفا بعيدا كل البعد كقياس الأمة على العبد في تقويم حصة الشريك على شريكه المعتق الموسر وعتقها عليه كما مرّ، وكقياس العمياء على العوراء في المنع من التضحية الثابت بخبر: «أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها» إلخ. (وخفي) وهو (بخلافه) أي بخلاف الجلي فهو ما كان احتمال تأثير الفارق فيه إما قويا واحتمال نفي الفارق أقوى منه، وإما ضعيفا وليس بعيدا كل البعد كقياس القتل بمثقل على القتل بمحدد في وجوب القود، وقد قال أبو حنيفة بعدم وجوبه في المثقل. (وقيل فيهما) أي الجلي والخفي (غير ذلك) قيل الجلي ما ذكر في تعريفه، والخفي بالشبه، والواضح بينهما. وقيل الجلي القياس الأولى كقياس الضرب على التأفيف في التحريم والواضح المساوي كقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم، والخفي الأدون كقياس التفاح علي البر في الربا ثم الجلي على الأولين يصدق بالأولى كالمساوي. (و) ينقسم القياس باعتبار علته ثلاثة أقسام (قياس العلة) وهو (ما صرح فيه بها) بأن كان الجامع فيه نفسها كأن يقال يحرم النبيذ كالخمر للإسكار. (وقياس الدلالة) وهو (ما جمع فيه بلازمها فأثرها فحكمها) الضمائر للعلة، وكل من الثلاثة يدل عليها، وكل من الأخيرين منها دون ما قبله بدلالة الفاء فالأول كأن يقال النبيذ حرام كالخمر بجامع الرائحة المشتدة وهي لازمة للإسكار. والثاني كأن يقال القتل بمثقل يوجب القود كالقتل بمحدد بجامع الإثم وهو أثر العلة وهي القتل العمد العدوان. والثالث كأن يقال يقطع الجماعة بالواحد كما يقتلون به بجامع وجوب الدية عليهم بذلك حيث كان غير عمد، وهو حكم العلة التي هي القطع منهم في المقيس والقتل منهم في المقيس عليه. وحاصل ذلك استدلال بأحد موجبي الجناية من القود والدية الفارق بينهما العمد على الآخر. (والقياس في معنى الأصل). وهو (الجمع بنفي الفارق)، ويسمى بالجلي كما مر، وبإلغاء الفارق وبتنقيح المناط كقياس البول في إناء وصبه في الماء الراكد على البول فيه في المنع بجامع أن لا فارق بينهما في مقصود المنع الثابت بخبر مسلم عن جابر: نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن أن يبال في الماء الراكد.
|