الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
الجزء الثالث وإذا قال الأمير: من خرج من أهل العسكر فأصاب شيئاً فله من ذلك الربع فهذا اللفظ يتناول كل من له في الغنيمة سهم أو رضخ من مسلم أو ذمي رجل وامرأة حر أو عبد صغير أو بالغ تاجر أو مقاتل قاتل قبل هذا أو لم يقاتلن لأن المقصود التحريض على القتال والإصابة وكل هؤلاء يتحقق فيهم معنى التحريض. ألا ترى أنهم يستحقون السهم أو الرضخ من الغنيمة للتحريض والتاجر وإن لم يقاتل قبل هذا فقد قاتل الآن حين أصاب شيئاً وجاء به فلهذا استحق النفل من ذلك كله. فأما المستأمن فإن كان خرج بغير إذن الإمام فلا شيء له من ذلك لأنه لا حق له في الغنيمة رضخاً و لا سهماً. وإن كان خرج بإذن الإمام فهو بمنزلة الذمي في ذلك. ولو أن أسيراً من أهل الحرب سمع هذه المقالة من الأمير فخرج وأصاب سيئاً فذلك كله للمسلمين لأن الأسير فيء لهم وما أصابه فهو كسبه وكسب العبد لمولاه فلهذا كان هو مع ما جاء به فيئاً للمسلمين. ولو كانوا مستأمنين في عسكر المسلمين من أهل تلك الدار فلما سمعوا هذه المقالة خرجوا فأصابوا غنائم فأتوا بها العسكر فإن كانوا وصلوا إلى موضع قد أمنوا فيه من المسلمين ثم أصابوا هذا المال فعادوا واستأمنوا عليها أماناً مستقبلاً فذلك كله لهم لا خمس فيها لأنه بوصولهم إلى ذلك الموضع قد انتهى حكم الأمان بيننا وبينهم فهم أهل حرب أغاروا على أموال أهل الحرب فملكوها ثم استأمنوا عليها. وإن كانوا أصابوا ذلك كله للمسلمين إن كانوا خرجوا بغير إذن الإمام وإن كانوا خرجوا بإذنه فلهم النفل من ذلك لأن الأمان بيننا وبينهم باق ما لم يبلغوا إلى مأمنهم فحكمهم في هذا كحكم المستأمنين في عسكرنا من أهل دار أخرى. والذي يوضح الفرق بين الذين خرجوا بإذن الأمير والذين خرجوا بغير إذنه: أنه يجب على الأمير والمسلمين نصرة الخارجين بإذنه من المستأمنين إذا بلغوا أن العدو أحاطوا بهم كما يجب نصرة أهل الذمة ولا يجب عليهم نصرة الخارجين بغير إذنه فكذلك في حكم التنفيل الذين خرجوا فإذنه بمنزلة أهل الذمة دون الذين خرجوا بغير إذنه والله أعلم بالصواب.
وإذا وقف المسلمون على باب مطمورة فيها العدو يقاتلون فقال الأمير: من دخل من باب المطمورة فله نفل مائة درهم فاقتحم الباب قوم من المسلمين فإذا للمطمورة باب آخر دون ذلك الباب مغلق وإذا ليس بين البابين أحد فقاتل عامة المسلمين على الباب الثاني حتى اقتحموا فاللذين اقتحموا الباب الأول نفلهم لكل إنسان مائة درهم لأن لإمام أوجب لهم ذلك فإن كلمة من توجب العموم على أن يتناول كل واحد على سبيل الانفراد. فإن قال جماعة المسلمين: لا نعطيهم النفل فإنه لم يكن بين البابين أحد وقد اجتمعنا على القتال على باب المطمورة. قيل لهم: إن الأمير حرض الداخلين على باب الدخول الأول بما أوجب لهم فكانت الحاجة إلى التنفيل ماسة يومئذ فإنكم كنتم لا تدرون أن وراء الباب باباً آخر وأنه ليس بين البابين أحد. فإن قيل: هذا لو قال الإمام: من دخل من هذا الباب وهو ما صمد لباب بعينه وإنما قال: من دخل من باب المطمورة وباب المطمورة الباب الأقصى. قلنا: لا كذلك فإن باب المطمورة عند الأمير والمسلمين حين نفل كان الباب الأول وكانوا لا يتجاسرون على الدخول فيه فالذين دخلوه بعد التنفيل خاطروا بأنفسهم وأتوا بما أوجب لهم الإمام النفل عليه. فإن قيل: ينبغي أن يعطي جماعتهم مائة درهم فإنه إنما أوجب الإمام ذلك للداخلين. قلنا: مطلق الكلام محمول على ما يتسارع إلى الإفهام وهو أن يكون لكل رجل مهم المائة نقلاً فإن نكر المائة وذلك دليل على أن المستحق لكل واحد منهم غير المستحق لصاحبه. وكذلك لو قال: من دخل قله الربع من الغنيمة - فدخل عشرة فلهم الربع بينهم لأن هناك عرف ما أوجب للداخلين بالإضافة إلى الغنيمة والغالب أن مراده الإشراك بين الداخلين في الجزء المسمى ألا ترى أن الداخلين يزيدون على الأربعة عادة ولا تكون الغنيمة إلا أربعة أرباع فبهذا يتبين أن مراده الإشراك بينهم الربع وإن كثروا. وإن دخل واحد ثم واحد هكذا حتى كملوا عشرة فالربع بينهم بمنزلة ما دخلوا معاً لأنه أوجب النفل على الدخول من غير أن يتعرض بجمع أو ترتيب. ولكن هذا لكل من دخل قبل أن يتنحى العدو من الباب فإذا تنحوا أو علم أنه ليس بين البابين أحد فلا نفل لمن يدخل بعد ذلك لأن المقصود هو التحريض على الدخول وذلك يختص بحال بقاء الخوف. وكذلك إن فتح المسلمون الباب وهابوا أن يدخلوا مخافة كمين خلف الباب فهذا والأول سواء لأن المقصود التحريض على الدخول فيتقيد بحال بقاء الخوف وكذلك لو قال: من دخل فله بطريق المطمورة فدخل العشرة معاً أو على الترتيب حال قيام الخوف لأنع عرف البطريق بالإضافة فعرفنا أن مراده الإشراك بين الداخلين فيه. ولو قال: فله بطريق من بطارقتهم فلكل داخل بطريق أن ما أوجبه هناك منكر. إلا أنه إذا لم يكن في المطمورة إلا بطريقان أو ثلاثة فذلك بينهم بالسوية لا يعطون شيئاً آخر لأن صحة الإيجاب باعتبار المحل فلا يصح إلا في مقدار الموجود في المحل. وعلى هذا لو قال: فله جارية من جواريهم ثم لم يوجد فيهم إلا ثلاث جوار فذلك بينهم بالسوية لأنه ليس بعضهم بأولى من البعض. ولا يعطون شيئاً آخر لأن التنفيل لم يوجد فيما سوى الجواري الموجودات فيها. بخلاف ما لو قال: فله جارية ولم يقل من جواريهم فإن هناك يعطي كل داخل جارية أو قيمة جارية وسط من المال الموجود فيها لأنه سمي لكل داخل جارية مطلقاً وهذه التسمية توجب الحق في مالية جارية إما عينها أو قيمتها. ولكن يتقيد بالمال الموجود بالمطمورة لأن المقصود إيصال المنفعة إلى المسلمين وإنما يتحقق ذلك إذا تقيد النفل بالمال الموجود فيها. حتى إذا لم يجدوا في المطمورة شيئاً فلا شيء للداخلين لانعدام المحل الذي أوجب الإمام حقهم فيه وأوضح هذا الفرق بالوصية: فإن من قال: أوصيت لفلان بجارية من جواري فمات وليس له جوار لم يكن للموصى له شيء. ولو قال بجارية أعطي قيمة جارية من ماله فإن مات ولا مال له فلا شيء للموصى له فكذلك حكم التنفيل إن لم يوجد في المطمورة شيء وأصابوا غنائم من موضع آخر لم يكن لهم النفل لأن ما يقيد من الكلام بمقصود المتكلم بمنزلة ما يتقيد بتنصيص المتكلم عليه. فإن دخل واحد من المسلمين ونادى أنه ليس خلف هذا الباب أحد ثم دخل جماعة فالنفل للأول خاصة أنه تقيد بحال بقاء الخوف وقد زال ذلك حين سمعوا النداء من الأول. بخلاف ما إذا كانت المطمورة مظلمة ولم يسمعوا م الأول كلاماً حتى دخلوا على إثره قبل أن يستبين لهم شيء لأنهم دخلوا في حال بقاء الخوف فهم كالداخل أولاً في استحقاق النفل. ولو دخل قوم من بابها وتدلى قوم من فوقها دلاهم غيهم بإذنهم حتى دخلوا وسطها فلكل واحد منهم النفل إذا كان الأمير قال: من دخلها لأنه شرط الدخول مطلقاً وقد ذلك من كل واحد منهم بخلاف قوله: من دخل م باب المطمورة لأن هناك قيد الكلام باشتراط الدخول من الباب. ألا ترى أن من قال لزوجته: إن خرجت من هذا الباب فخرجت من باب السطح لم يقع عليها شيء بخلاف ما إذا قال: إن خرجت من الدار. فإن الذين تدلوا جعلهم أنفسهم في قدور من حديد ثم أمروا أصحابهم فدلوهم وكانوا معلقين بين السماء والأرض يقاتلون أهل المطمورة حتى فتح المسلمون الحصن فلهم النفل لأنهم انتهوا إلى الموضع الذي كان مقصود الأمير وهو موضع القتال وما انتفع المسلمون بما صنعوا فلا شيء لهم من النفل. ولو انقطعت الحبال حين دلوهم فوقعوا في الحصن وأخذوا النفل. لأنهم دولهم بأمرهم فكأنهم طرحوا أنفسهم فيها فيستحقون النفل لإتيانهم بما شرط عليهم. فإن كان الذين دلوهم قطعوا الحبال بغير أمرهم فوقعوا في المطمورة فقاتلوا حتى فتحوا لم يكن لهم من النفل شيء لأنهم ما دخلوها وإنما ألقوا فيها لأن القطع إذا كان بغير أمرهم لا يكون فعل القاطع مضافاً إليهم بخلاف ما إذا كان بأمرهم. ألا ترى أنهم لو عطبوا في هذا الفصل من وقعتهم ضمن القاطعون دياتهم وفي الأول لا يضمنون شيئاً بمنزلة ما لو ألقوا أنفسهم فيها فكيف يستقيم أن يجمع لهم بين النفل والديات. ولو زلقت رجل أحد من الواقفين فوق المطمورة وهو يقاتل فيها فله النف لأنه هو الذي وضع قدمه في ذلك الموضع وما طرأ على فعله فعل آخر معتبر فيكون حصوله فيها مضافاً إلى فعله كأنه دخلها قصداً ولو دفعه إنسان فيها لم يكن له من النقل شيء لأنه طرأ عل فعله فعل معتبر فيكون هو ملقى فيها لا داخلاً إلا أن يكون أمر بعض أصحابه بأن يرمي به فيها فإن فعل الغير بأمره كفعله بنفسه وهذا لأنه المقصود إظهار الجرأة وذلك يحصل فيما لو فعل به غيره بأمره ولا يحصل إذا فعل به بغير أمره. ولو أن أصحابه دلوه فيها فقطع أهل الحرب الحبال بالسيوف فوقع فيها وقاتل حتى فتحت المطمورة فله النفل لأنه قد بلغ موضع القتال حيث وصلت السيوف إلى الحبال فقطعوها أو إلى القدور فكسروها. فإن كان في موضع من الهواء أعلى من أن يصل سلاح العدو إليه فتوهقه أهل الحرب بوهق حتى رموا به في المطمورة لم يكن له من النقل شيء لأنه ملقى في المطمورة بفعل فاعل معتبر وليس بداخل فيها على وجه يكون في إظهار الجرأة فلا يستحق النفل. ولو أن أهل المطمورة طلبوا الصلح على أن يؤمنوا الرجال ويأخذوا الأموال والذرية وأدخلوا الناس من المسلمين فنظروا فإن عدة الرجال خمسون فأجابوهم إلى ما التمسوا من الصلح ثم لما دخلوا فيها ألف رجل فإذا المطمورة أميال في الأرض إلا أن بابها الذي يخرج أهلها منه إلى الأرض واحد فهذه المطمورة واحدة وجميع من فيها من الرجال آمن لا سبيل عليهم لأن باب المطمورة على وجه الأرض واحد فتكون مطمورة واحدة بمنزلة دار على وجه الأرض فيها حجر ومقاصير ولكن بابها إلى السكة واحد فإنها تكون بمنزلةدار واحدة ثم قد أمنوا الرجال الذين هم في المطمورة وإنما ظنوا قلة عددهم ولا يبنى الحكم على الظن وإنما يبنى على ما صرحوا به فكانوا جميعاً آمنين. وإن كان لأقصى المطمورة من الجانب الآخر باب يخرج إلى أعلى الأرض فهاتان مطمورتان باختلاف المدخل بمنزلة دار على وجه الأرض عظيمة لكل جانب منها باب فإنها تجعل في حكم دارين. ثم الأمان أيضاً وقع على المطمورة التي تلي المسلمين فمن وجد فيها من الرجال فهو آمن ومن وجد في المطمورة الأخرى من الرجال فهو فيء. فإن قالوا: نح من المطمورة الأولى لم يلتفت إلى كلامهم لأنهم وجدوا في غير موضع الأمان فلا يقبل قولهم فيما يدعون من الأمان. إلا أن يعرفوا بأعيانهم. بمنزلة أهل الذمة إذا دخلوا قرية من قرى أهل الحرب ثم ظفر المسلمون بها فهم فيء أجمعون إلا من عرف أنه ذمي. ومن وجد في المطمورة الأولى فهو آمن لأنه وجد في موضع الأمن. إلا من عرف أنه من أهل المطمورة الأخرى بمنزلة قوم من أهل الحرب دخلوا قرية من قرى أهل الذمة فلا سبيل للمسلمين على استرقاق واحد منهم إلا من عرف بعينه أنه من أهل الحرب. ثم إن كان بين المطمورتين حائط وعليه باب يصل بعضهم إلى بعض فالحائط هو المفرق بين المطمورتان. وإن لم يكن بينهما حاجز ينقطع منه وصول بعضهم إلى بعض فهذه كلها مطمورة واحدة. بمنزلة مدينة على وجه الأرض لها أبواب فإن باختلاف الأبواب لا يخرج من أن يكون الكل مدينة واحدة. والمطامير تحت الأرض بمنزلة الأبنية فوقها يدخل في الأمان جميع من فيها من الرجال. والله الموفق.
وإذا وقف المسلمون على باب حصن فقال الأمير: من دخل منكم أولاً فله ثلاثة أرؤس الثاني رأسان وللثالث رأس. فهذا تنفيل صحيح حصل من الإمام على وجه النظر يحسب الجزاء والعناء فعناء الداخل أولاً أكثر من عناء الثاني وعناء الثاني أكثر من عناء الثالث. فإذا دخل ثلاثة تباعاً كان للأول ثلاثة أرؤس وللثاني رأسان وللثالث رأس. وكذلك لو قال: من دخل منكم فله ثلاثة أرؤس وللثاني رأسان وللثالث رأس لأن بالعطف بلفظ الثاني والثالث عرفنا مراده من أول كلامه من دخل منكم أول فكأنه صرح بذلك. وكذلك لو قال: أيكم دخل لأن أي كلمة جمع تتناول كل واحد من المخاطبين على سبيل الانفراد بمنزلة كلمة من. وإنما يستحق الثاني والثالث النقل إذا دخلوا في الفصلين في حال بقاء الخوف فأما من دخل بعد زوال الخوف فلا شيء له. وإن دخل في هذه الفصول الثلاثة جميعاً معاً بطل نفل الأول والثاني وإنما الثلث وهو رأس بينهم أثلاثاً لأن الأول اسم لفرد سابق والثاني اسم لفرد هو تال للسابق والثالث: اسم لفرد هو تال للسابق الثاني هذا هو الحقيقة ولكن مقصود الإمام التنفيل بحسب إظهاره الجلادة والقوة وما كان من الجلادة التي تحصل بدخول أول القوم لا تحصل إذا دخل اثنان فلهذا يبطل نفل الأول وكذلك ما يحصل من الجلادة بدخوله بعد واحد لا يحصل بدخوله مع اثنين. فأما ما يحصل بدخوله بعد اثنين يحصل معهما بيقين أو أكثر من ذلك فلهذا يجب نفل الثالث. ثم ليس أحدهم بأن يجعل ثالثاً بأولى من صاحبيه ولهذا كان نفل الثالث بينهم بالسوية أثلاثاً. فإن قيل: لماذا لا يعطى لكل واحد منهم ترأس على أنه ثالث. قلنا: لأن الإمام أوجب للثالث رأساً واحداً وقد بينا أن اسم الثالث لا يتناول إلا الفرد فلا يمكن أن يجعل الإيجاب بهذا اللفظ عاماً أو متناولاً لهم جميعاً وإنما يتناول أحدهم بغير عينه ثم المشاركة بينهم في المستحق باعتبار المعارضة والمساواة في سبب الاستحقاق. ولو دخل اثنان معاً ثم ثالث بعدهما بطل نفل الأول لأنه لا أول بينهما ويكون لهما نفل الثاني. وذلك رأسان لأن الثاني فيهما يتعين فجزاء كل واحد منهما في الدخول مع صاحبه أظهر جزائه في الدخول بعد صاحبه. وللثالث رأس لأنه دخل بعد اثنين فهو الثالث بعينه. ولو دخل اثنان معاً ثم اثنان معاً فللأولين نفل الثاني لما قلنا. ولا شيء للآخرين لأنه دخل مع الثلث رابع والثلث اسم لفرد يدخل بعد اثنين ولم يكن واحد منهما بهذه الصفة لكون صاحبه معه وإن دخل أربعة من القوم معاً لم يكن لهم شيء لأنه ليس فيهم أول ولا ثان ولا ثالث فإن الرابع مزاحم لهم. أرأيت لو دخل عشرون معاً أو دخل العسكر جميعاً أكانوا يستحقون شيئاً ولو دخل أول مرة واحداً ثم اثنان فالداخل أولاً يستحق نفل الأول لأنه فرد سبق بالدخول. وبطل نفل الثاني لأنه يأتي في الآخرين ولكن لهما نفل الثالث لأنا تيقناً أن الثالث فيهما ولو دخل واحد ثم واحد ثم اثنان فلا شيء للآخرين لأنه لا ثالث فيهما. فكل واحد منهما رابع مع صاحبه الإمام ما أوجب للرابع شيئاً ولو صمد الأمير لرجل بعينه فقال: لست أطمع في أن تدخل أولاً ولكن إن دخلت ثانياً فلك رأسان فدخل أول القوم فلا شيء له في القياس لأن الإمام ما أوجب للأول شيئاً وإنما أوجب له التنفل بشرط أن يدخل ثانياً ولم يوجد ذلك الشرط. وفي الاستحسان له رأسان لأنا نتيقن أنه صنع ما طلب الإمام منه زيادة في إظهار القوة والجلادة فإن ما تقدم من قول الإمام: لست أطمع في أن تدخل أولاً. يتبين أنه لم يكن مراده أن يشترط عليه الدخول ثانياً وإنما مراده التحريض على إظهار الجد في القتال وقد أتى به على أكمل الوجوه. وهذا بخلاف ما إذا لم يذكر هذه المقدمة ولكن قال: إن دخلت ثانياً فلك رأسان فدخل أولاً إبقاء على نفسه فإنه علم أنه يقتحم المهالك فأراد أن لا يدخل وحده حتى يدخل غيره قبله أو معه ليكون أقوى له فإذا لم يدخل وحده حتى يدخل غيره قبله أو معه ليكون أقوى له فإذا لم يدخل بتلك الصفة لا يستحق النقل. ثم هذا المعنى الذي قلنا محتمل والمعنى الأول الذي ذكرنا في وجه الاستحسان محتمل أيضاً ولكن لا يتعين أحد المحتملين إلا بدليل وقد وجد الدليل في الفصل الأول وهو المقدمة التي جرت ولم يوجد الدليل في الفصل الثاني فيبقى الاحتمال ومع الاحتمال لا يثبت الاستحقاق. ولو دخل مع آخر فله رأسان لأنه دخل ثانياً كما شرط عله الأمير. ولو دخل ثلاثة هو أحدهم لم يستحق شيئاً بإيجاب النفل له إذا دخل ثانياً فإن أوجب له نفلاً إن دخل ثالثاً استحق ذلك أنه ثالث في الدخول إذا دخل مع اثنين كما هو ثالث إذا دخل بعدهما. ولو قال للقوم: من دخل منكم ثانياً فله رأس فدخل واحد أولاً لم يستحق شيئاً لأنه أوجب النفل الثاني دون الأول. فإن قيل: فأين ذهب قولكم إن معنى العناء والقوة في الدخول أولاً أكثر فإن هذا الرجل قد أتى بأفضل مما كان شرط قلنا: نعم ولكن هذا إنما يعتبر فيما إذا كان الإيجاب لشخص بعينه فأما إذا كان لغير معين فلا بد من اعتبار الوصف الذي رتب الإيجاب عليه. أرأيت لو استحق هذا النفل لأنه صنع خيرا ًمما طلب منه ثم دخل الثاني بعد ذلك هل يستحق شيئاً فلا يجوز القول بأنه لا يستحق لأنه أتى بالوصف الذي أوجب الإمام النفل به وإذا ثبت الاستحقاق له عرفنا أنهلا شيء للأول ومثل هذا لا يتحقق فيما إذا كان التنفيل لمعين. ولو قال لثلاثة نفر بأعيانهم: من دخل منكم أولاً فله ثلاثة أرؤس فدخل رجل منهم مع رجل من المسلمين من غير الثلاثة فللداخل من الثلاثة ثلاثة أرؤس لأنه أوجب له النفل على أن يكون أول الثلاثة دخولاً لا على أن يكون أول الناس دخولاً وهو أول الثلاثة حين لم يدخل معه صاحباه فلا يبطل نفه بدخول قوم معه من غير الثلاثة. ولو كان قال: من دخل منكم قبل الناس فله ثلاثة أرؤس والمسألة بحالها لم يكن له شيء لأنه شرط أن يكون منفرداً بالدخول سابقاً على الناس كلهم ولم يوجد حين دخل معه غيره وفي الأول شرط أن يكون سابقاً لصاحبه وقد وجد ذلك. وكذلك لو دخل اثنان من الثلاثة معاً في هذا الفصل لم يكن لهما شيء لأنه أوجب النفل لفرد يسبق الناس كلهم ولم يوجد. ولو قال: من دخل من الشبان أولاً فله رأسان وللثاني رأس ومن دخل من الشيوخ أولاً فله ثلاثة أرؤس وللثاني رأسان فدخل شاب وشيخ معاً كان للشاب رأسان لأنه أول شاب دخل فإن الذي معه ليس بشاب فعرفناه أنه أول الشبان دخولاً وللشيخ ثلاثة أرؤس لأنه أول الشيوخ دخولاً والذي معه ليس بشيخ ولو دخل شابان وشيخ فللشيخ ثلاثة أرؤس لأنه أول شيخ دخل. وبطل نفل الشاب الأول لأنه أول فيهما فصاحب كل واحد منهما يزاحمه. ولكن لهما نفل الثاني رأس بينهما نصفان لأن فيهما الثاني. وعلى هذا لو دخل شابان وشيخان معاً فللشيخين أيضاً نفل الثاني من الشيوخ لأن كل واحد منهما مزاحم لصاحبه فلا يكون فيهما أول شيخ دخولاً. ولو قال: من دخل من أهل الشام أولاً فله كذا فدخل رجل من غير أهل الشام ثم دخل شامي فله النفل لأنه أول شامي دخل وهو الذي شرطه الإمام. إلا أن يكون قال في كلامه أول الناس فحينئذ لا يستحق شيئاً لأنه ليس بأول الناس دخولاً وعلى هذا لو قال: من دخل من الأحرار أولاً أو قال: من أول الناس أو قال: من دخل من المسلمين أولاً أو قال: أول الناس فهو على ما ذكرنا من الفرق ألا ترى أنه لو قال: أول عبد مسلم أشتريه فهو حر فاشترى نصرانياً ثم اشترى مسلماً عتق المسلم. ولو قال: أو ل عبد مسلم أشتريه أول العبيد والمسألة بحالها لم يعتق وكذا لو قال: من دخل من عبيد الأتراك أولاً الدار فهو حر فدخل هندي ثم دخل تركي عتق التركي. ولو قال: أول عبيدي لم يعتق. وكان الفرق ما ذكرنا. ولو قال: أي فارس دخل فله رأس فدخل راجل ثم فارس كان له النفل لأنه أوجب لأول فارس يدخل وهذا أول فارس وإن قال: أول الناس ولم يكن له شيء لأنه ليس بأول داخل من الناس فالراجل الذي دخل قبله من الناس وكذلك لو قال: أي حاسر دخل أول فدخل دارع ثم حاسر فله النفل لأنه أراد أن يجري الحسر بالتنفيل وهو أول حاسر دخل. بخلاف ما إذا قال: أول الناس فكذلك لو قال: أي دارع دخل أولاً لأنه أراد بهذا القوة في القتال فإن الدارع يعمل ما لا يعمل الحاسر فسواء دخل دارع أو حاسر معاً أو دخل الدارع بعد الحاسر فللدارع النفل إلا أن يكون قال: أول الناس. وكذلك لو قال: أي ناشب رمى أول فرمى نابل ثم ناشب لأن هذا أول ناشب رمى. إلا أن يكون قال: أول الناس فحينئذ لا شيء لواحد منهما. ولو قال: أي فارس دخل أول فله رأس وأي راجل دخل أول فله رأس فدخل فارس وراجل فلكل منهما رأس سواء دخلا معاً أو أحدهما قبل صاحبه لأن أحدهما أول فارس دخل والآخر أول راجل دخل في الوجهين جميعاً. فلو دخل فارسان وراجلان معاً لم يكن لهم شيء لأنه ليس فيهما فرد سابق مطلق وقوله: أي فارس أو راجل دخل اولاً فدخل فارس وراجل معاً لم يكن لواحد منهما شيء لأنه ليس فيهما فرد سابق مطلق وقوله: أي فارس أو راجل إنما يتناول فرداً سابقاً مطلقاً بخلاف ما تقدم فأخذ الكلاميين هناك يتناول فرداً سابقاً مقيداً بالفرسان خاصة والآخر مقيداً بالرجالة خاصة وعلى هذا مثله الشامي والخرساني. ولو قال: لكل من دخل منكم هذا الحصن أول فله رأس فدخل خمسة معاً فلكل واحد منهم رأس لأن كلمة كل تجمع الأسماء على أن يتناول كل واحد منهم على الانفراد فعند ذكره يجعل كل واحد من الداخلين كأن اللفظ تناوله خاصة وكأنه ليس معه غيره فلكل واحد منهم رأس. ولو دخلوا متواترين كان للأول النفل خاصة لأن كل الداخل أولاً هو فإن من دخل بعده ليس بأول حين سبقه غيره بالدخول وفي الفصل الأول لم يسبق كل واحد منهم غيره بالدخول وعلى اعتبار إفراد كل واحد منهم كما هو موجب كلمة كل يكون كل واحد منهم أول داخل. وهذا بخلاف قوله: من دخل منكم أول فإن هناك إذا دخل منكم أول فإن هناك إذا دخل الخمسة معاً لم يكن لهم شيء لأن كلمة من توجب عموم الجنس ولا توجب أفراد كل واحد من الداخلين كأنه ليس معه غيره وعلى اعتبار معنى العموم ليس فيهم أول فأما كلمة كل فتوجب تناول كل واحد على الانفراد كأنه ليس معه غيره. ألا ترى أنه لو قال: كل رجل دخل أول فدخل خمسة معاً كلن لكل واحد منهم رأس. وكلمة كل قد توجب العموم أيضاً ولكن لو حملناها على معنى العموم لم يبق لها فائدة لأن ذلك ثابت بقوله: من دخل ولا بد من أن يكون لها فائدة وليس ذلك إلا ما قلنا وهو أنها توجب الجمع في كل داخل لم يبقه غيره على أن يتناول كل واحد على الانفراد وهذا بخلاف كلمة أي فإنها لا توجب الجمع وغنما توجب العموم فيكون قوله: أي رجل دخل أول وقوله: من دخل أولاً سواء حتى إذا دخل خمسة معاً لم يكن لأحد منهم شيء. ولو قال: جميع من دخل أول فدخل خمسة معاً فلهمم رأس واحد بينهم على السوية لأن ما ألحق بكلمة من هاهنا يدل على الجمع دون الإفراد فيصير باعتبار جميع الداخلين كشخص واحد فإنهم أول فلهم رأس واحد فكلمة كل تقتضي الجمع على سبيل الإفراد فيجعل باعتبارها كأن كل واحد من الداخلين تناوله الإيجاب خاصة. ولو قال: من دخل منكم خامساً فله رأس فدخل خمسة معاً فلهم رأس بينهم أخماساً لأن الخامس فيهم بيقين وليس بعضهم بالنفل الذي أوجبها للخامس بأولى من البعض. وإن دخلوا متواترين فالرأس للخامس خاصةً لأنه مختص بالاسم الذي أوجب النفل له لا مزاحمة معه فيه لمن سبقه بالدخول. وإن دخل ثلاثة ثم اثنان فالرأس بين الاثنين لأن الخامس فيهما دون الثلاثة. وإن دخل ثلاثة ثم ثلاثة لم يكن لأحد منهم شيء لأن كل واحد منهم سادس داخل بانضمام صاحبيه إليه وما أوجب النفل للسادس. ولو قال: كل من دخل منكم خامساً فدخل خمسة متواترين كان النفل للخامس لأنه مختص باسم الخامس حين سبقه أربعة بالدخول. وإن دخل الخمسة معاً فلكل واحد منهم رأس لأن كل توجب الجمع على وجه الإفراد فيكون كل واحد منهم خامساً لوجود الأربعة معه كما يكون خامساً أن لو دخلوا قبله. ولو قال: جميع من دخل منكم خامساً فدخل خمسة معاً كان لهم رأس واحد لأنه ليس في لفظه ما يوجب إفراد كل واحد منهم فإنما يتناولهم الإيجاب جملة وذلك رأس واحد بينهم بخلاف كلمة كل. ولو قال: كل من دخل منكم خامساً فله رأس فدخل خمسة معاً ثم خمسة معاً والخوف قائم على حاله فلكل واحد منهم رأس حتى يأخذوا عشرة أرؤس لأن معنى هذا الكلام: كل من دخل منكم خامس خمسة وكل واحد من الفريق الأول خامس خمسة وكذلك ك واحد من الفريق الثاني خامس خمسة وإنما جعلنا تقدير كلامه هذا لأنه أوجب للخامس ونحن نعلم أنه لا يكون الخامس إلا في خمسة. ولو دخل أربعة ثم اثنان معاً لم يكن لأحدهم شيء لأن كل واحد من الآخرين سادس ستة. فإن دخل اثنان بعد ذلك معاً ثم دخل واحد فلهذا الآخر النفل لأن الأربعة الأولى لا يحتسب لهم إذ لم يوجد بعدهم خامس فيسقط اعتبار دخولهم بقي اثنان ثم اثنان ثم واحد فهذا الواحد خامس خمسة فله النفل. ولو دخل أربعة معاً في الابتداء ثم خمسة معاً كان لكل واحد من الخمسة رأس لأنه لا يحتسب بالأربعة لما بينا فإذا سقط اعتبار دخولهم صار كأن الخمسة دخلوا ابتداءً فكل واحد منهم خامس خمسة. ولو قال: كل من دخل منكم عاشراً فدخل تسعة معاً أو متواترين ثم دخل بعدهم اثنان لم يكن لواحد منهم شيء لأنه لا عاشر فيهم فكل واحد من الآخرين مع أصحابه واحد من أحد عشر لا من عشرة. فإن قيل: هذا يستقيم فيما إذا دخل تسعة معاً فأما إذا دخلوا متواترين فينبغي أن يسقط اعتبار الأول حتى يكون كل واحد من الاثنين عاشر عشرة كما فعلتم في الأربعة. قلنا: فعلنا في الأربعة ذلك لأن الذي تأخر دخوله وحده فيكون خامس خمسة فأما هاهنا فإنما دخل اثنان معاً آخراً وكما يمكن إثبات عاشر العشرة منهم بإلغاء الأول يمكن إثباته بإلغاء أحدهما وليس أحد الجانبين بأولى من الآخر. فإن دخل بعد الاثنين ثمانية فلكل واحد من الثمانية رأس لأن التسعة يسقط اعتبارهم حين لم يجيء بعدهم العاشر بقي اثنان ثم ثمانية فكل واحد من الثمانية عاشر عشرة. ولو دخل بعد الاثنين عشرة معاً كان لكل واحد من العشرة رأس. لأنه يسقط اعتبار الاثنين هاهنا كما يسقط اعتبار تسعة يبقى دخول العشرة معاً فيكون كل واحد منهم عاشر عشرة فيستحق النفل والله أعلم بالصواب.
|