الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***
(ولا الكثير) معطوف على ما مرّ (فيهم) خبر (العدول) مبتدأ والجملة حال، وأشار به إلى ما ذكره ابن سهل في مسألة أبي الخير الملقب لزندقته بأبي الشر شهد عليه بأنواع كثيرة من الزندقة الواضحة عدد كثير ثبتت عدالة نحو العشرين منهم وأكثر من ضعفهم استظهاراً، فأفتى قاضي الجماعة منذر بن سعيد وإسحاق بن إبراهم وأحمد بن مطرف بقتله دون إعذار وحكم به ولم يلتفت إلى من قال بالإعذار له، وظاهر إطلاق الناظم أن الإعذار منتف مع الكثرة المذكورة في الأموال وغيرها لأنه إذا انتفى في الدماء مع خطرها فكيف به في الأموال وهو كذلك؟ قال ابن سهل عقب نقله لفتوى من أفتى بقتل الزنديق المذكور ما نصه: والحق أن من تظاهرت الشهادة عليه في إلحاد أو غيره هذا التظاهر فالإعذار إليه معدوم الفائدة، وفهم من قوله الكثير أنهم إذا لم يكثروا يعذر فيهم وهو كذلك قال في التبصرة: وأما الآجال في حق الزنادقة فمذهب المحققين أن المشهود عليه إن استفاضت عليه الأمور الموجبة للقيام عليه فلا يعذر إليه ولا يضرب له أجل، وإن كان على اختلاف ذلك فإنه يؤجل شهراً لدفع البينة، فإن طلب أجلاً آخر ورجى ثبوت حجته أجل أجلاً آخر دون الأول أو مثله بالاجتهاد وإن لم يرج لم يوسع عليه (والخلف) مبتدأ (في جميعها) أي جميع ما مر أنه لا يعذر فيه يتعلق بقوله: (منقول) خبر المبتدأ، وقد نبهنا على الخلاف في كل مسألة بخصوصها عند الكلام عليها. تنبيهان الأول: ما تقدم من عدم الإعذار في الموجه للتطليق وعدمه إنما هو من حيث الطعن فيه بالقوادح كما يفهم من التعليل بقوله منه بدلاً الخ. لا من حيث معارضته ببينة أخرى كما إذا شهد الموجه بأنها طلقت نفسها في وقت كذا من يوم كذا وطلب الزوج أن يأتي ببينة تشهد بأنها لم تتلفظ بالطلاق أصلاً في ذلك الوقت أو لم يحلفه في ذلك الوقت ونحو ذلك من الوجوه المعارضة الموجبة للتهاتر أو الصيرورة للترجيح، فهذا ينبغي أن يعذر له فيه ويؤجل لإثباته إذ لا أقل أن توجب المعارضة المذكورة الخلاف، ويحتاج الناظر في القضية حينئذ إلى مزيد تحرير وإتقان، وقد نقل (ح) أن البينتين إذا تعارضتا فنفت كل منهما ما أثبتته الأخرى في وقت مخصوص ومكان مخصوص يكون تهاتراً ويصار للترجيح فانظره، ولا سيما والموجه قد يكون واحداً وكذا يقال في اللفيف على ما به العمل من إعمال شهادته مطلقاً. وقلنا لا يعذر فيه بكل القوادح إذا أراد الخصم معارضته فيمكن كما نص عليه غير واحد. الثاني: بقي على الناظم مما لا إعذار فيه شهادة القافلة بعضهم لبعض في حرابة إذا شهد عدلان منهم على من حاربهم بأخذ مال أو قتل، فإن مذهب مالك في السلابة والمغيرين وما أشبههم إذا شهد المسلوبون والمنتهبون قبول شهادتهم عليهم إذا كانوا من أهل القبول دون إعذار، وإن أدى إلى سفك دمائهم كما في ابن سهل عن أبي إبراهيم إسحاق المذكور، وكذا لا إعذار في شهادة أهل القافلة بعضهم لبعض عند حاكم البلد أو القرية التي حلوا أو مروا بها بما وقع بينهم من المعاملات في ذلك السفر وإن لم يعرف حاكم البلد عدالتهم كما أشار إليه المصنف فيما يأتي بقوله: ومن عليه وسم خير قد ظهر. الخ. لأنه في ضرورة السفر مدخول فيهم على عدم العدالة، وكذا لا إعذار في مزكي السر كما مرّ ولكن الذي عليه القضاة اليوم وجوب الإعذار فيه لما نبهنا عليه قبل في شاهدي المجلس، ويأتي قول الناظم: والفحص من تلقاه قاض قنعا. وأما المبرز في العدالة فالمعتمد وجوب الإعذار فيه بكل قادح كما أشار له (خ) بقوله: وفي المبرز بعداوة وقرابة وإن بدونه كغيرهما على المختار، وكذا من يخشى منه مذهب المدونة وجوب الإعذار فيه، وإنما ذكره (خ) مع من لا إعذار فيه جمعاً للنظائر قاله طفي أي: لأن الجمع للنظائر قد يرتكب فيه غير المشهور، وكذا لا إعذار في الشهادة بالضرر ولا في حكم الحكمين ولا في الشاهد على القاضي بالجرحة، لأن طلبه للإعذار فيه طلب لخطة القضاء وطلبها جرحة كما تقدم، وأما الوكالة فإنما ترك الإعذار فيها من تركه لأن القاضي لا بد له من الإعذار عند إرادة الحكم بقوله: أبقيت لك حجة فاستغني بذلك عن الإعذار فيها ابتداء فلا يسقط فيها الإعذار جملة كما في غيرها مما مرّ، وكذا الإراثة كما في (ح) عن ابن بشير القاضي. والحاصل أن الطالب للإعذار إن كان هو الموكل فإن طلبه قبل قبض الوكيل ولم يتعلق للوكيل حق بالوكالة من بيع رهن بيده ليستوفي دينه ونحو ذلك فلا وجه للإعذار لأنه ممكن من عزله، وإن كان بعد القبض وتلف المقبوض أو تعلق للوكيل حق بها فلا إشكال في وجوب الإعذار له، وإن كان الطالب له هو الدافع فإن قلنا: إن الدافع لا ضمان عليه ولو ظهرت سخطة بشاهديها بعد قبض الوكيل وهروبه أو إفلاسه كما هو ظاهر كلامهم لأنه دفع بحكم، والمصيبة من الموكل فلا حق للدافع في الإعذار بلا إشكال، وإن قلنا بضمانه فكيف لا يعذر له إذا طلبه ابتداء وانتهاء. بل استظهر ابن رحال في شرحه وجوب الإعذار له مع عدم الضمان قائلاً لأنه قائم مقام الموكل في ذلك وأما إن قال: لا أدفع المال حتى يعذر إلى الموكل ففي ابن سلمون: إن قربت غيبة الموكل كالثلاثة فدون كتب إليه وإن بعدت الغيبة حكم عليه بالدفع، وحينئذ فمن نفى الإعذار فيها مراده إذا طلب الغريم الإعذار لنفسه مطلقاً أو لرب الحق مع بعد الغيبة كما ترى، وهذا كله إذا ثبتت الوكالة عند القاضي، وأما إن لم تثبت واعترف الغريم بصحتها فحكم عليه الحاكم بالأداء ثُمَّ تبين عدم صحتها وقد هرب الوكيل أو فلس فعلى الدافع الغرم والمصيبة منه لأنه غار لنفسه باعترافه كما نص عليه ابن فرحون في القضاء بالإمارات هذا تحرير المسألة فيما يظهر ولم أقف عليه محرراً هكذا والله أعلم. وهو كما قال الشيخ (م) أن يكتب قاضي بلد إلى قاضي بلد آخر بما ثبت عنده من حق الإنسان في بلد القاضي الكاتب على آخر في بلد المكتوب إليه ليحكم عليه هنالك عملاً بقوله: والحكم في المشهور حيث المدعى عليه الخ... وهذا التعريف لا يشمل الإنهاء بالمشافهة مع أنه خطاب فهو غير منعكس، لكن لما لم يتعرض المصنف له داخل الفصل اقتصر على تعريفه بما ذكر، وهو يشمل الإنهاء بالكتابة والخطاب على الرسوم الذي اقتصر عليه الناظم ههنا. (وما يتعلق به) من التعجيز والبشر ونحوهما. (ثُمَّ) هي للترتيب الإخباري (الخطاب) من قاض لآخر بما ثبت عنده من صحة الرسم وعدالة شاهديه، وهو مبتدأ (للرسوم) فيها أو عليها كقوله تعالى: {ويخرون للأذقان} (الإسراء: 109) أي عليها ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (الأنبياء: 47) أي فيه يتعلق بالخطاب (إن طلب) بالبناء للمفعول شرط أي إن طلبه الخصم من القاضي (حتم) خبر وجواب الشرط محذوف للعلم به مما قبله كقوله: أنت ظالم إن فعلت لأن رتبة قوله: حتم التقديم (على القاضي وإلا) يطلبه الخصم من القاضي (لم يجب) عليه ولا مفهوم للرسوم بل بالمشافهة، كذلك حيث طلبه الخصم أيضاً (خ) وأنهى لغيره بمشافهة إن كان كل بولايته وبشاهدين مطلقاً الخ. ابن رشد: يجب على القاضي المكتوب إليه أن يصل نظره بما ثبت عند القاضي الكاتب، فإن كتب بثبوت شهادتهم فقط أي لا بقبولهم لم يؤمروا بإعادة شهادتهم ونظر في تعديلهم، وإن كتب بتعديلهم وقبوله إياهم أعذر للمشهود عليه فيهم، وإن كتب أنه أعذر فعجز عن الدفع أمضى الحكم عليه. والحاصل أنه يبنى على فعل الأول (خ) فنفذه الثاني وبنى كأن نقل لخطة أخرى وإن حدا إن كان أهلاً أو قاضي مصر الخ... وإنما كان يبني لأن إشهاد القاضي الأول بما ثبت من شهادتهم أو تعديلهم أو إعذار فيهم ونحوه حكم بذلك، فلو لم يبن لكان متعقباً لحكم الأول. وفي (خ) ولا يتعقب حكم العدل العالم، ولهذا اشترط في الباني أن يكون أهلاً أو قاضي مصر لم يعرف جوره ولا جهله لأن شأن قضاة الأمصار العلم، ثُمَّ إذا كان الخطاب على الحكم بالحق بشاهدين فإن المخاطب بالفتح يعذر فيهما للخصم فإن أتى بمدفع فيهما لم يحكم عليه، وإن ادعى الدفع فيهما بحجة في بلد الكاتب قيل له: أدِّ هنا ما ثبت عليك وامض فإن أثبت ما تدعيه من الحجة رجعت، وإنما وجب الإعذار لأن المكتوب إليه لم يوجههما بل هما موجهان إليه فلا يعارض ما مرّ، ويفهم من هذا أن الخطاب إذا لم يكن بالشاهدين بل بأعلم بصحته ونحوه على ما به العمل اليوم كما يأتي حكم بما خاطب به، وإن لم يكن إشهاد فيبنى أيضاً وهو واضح، وأن المكتوب إليه إذا لم يعرف خط الكاتب وعرف له به غيره لا بد من الإعذار في العرف بالكسر وهو كذلك، وأن إشهاد الحاكم بصحة الرسم أو ثبوته ونحوهما أو إعلامه بذلك من غير إشهاد على ما به العمل ليس حكماً بالحق وإلاَّ ما احتاج المكتوب إليه إلى البناء بل ينفذ ذلك الحكم فقط، وما ذاك إلا لكون اللفظ المذكور محتملاً للحكم بالحق وللحكم بتعديل البينة ونحوه دون إيقاع حكم ولا يلزم من الحكم بالتعديل مثلاً الحكم بالحق لأن التعديل راجع للحكم بعلم القاضي، وقد يعارضه تجريح ونحوه يمنع من الحكم بالحق على أن كونه حكماً بالتعديل ونحوه هو ما لابن رشد كما مرّ عنه وصرح به ابن عرفة، والذي لغيره أنه ليس بحكم أصلاً وهو ما تقدم أول الباب، وبه صرح الناظم في قوله بعد: وليس يغني كتب قاض كاكتفى. الخ... ولذا قال المازري وغيره في قاض خاطب آخر بقوله: ثبت عندي أن فلاناً وفلاناً اشتريا من فلان في عقد واحد كذا بثمن سماه الخ أن ذلك لا يوجب نقل الملك فتترتب عليه آثاره من شفعة ونحوها إذ النقل لا يثبت إلا باعتراف المتعاقدين أو حكم الحاكم عليهما بعد الإنكار، والخطاب المذكور لم يصرح فيه بالاعتراف ولا بالحكم بالبيع، بل هو محتمل للحكم ولما سواه من استماع لما أثبته من بينة زكيت دون إيقاع حكم ولا تلزم القضايا بلفظ فيه إشكال وإبهام اتفاقاً. انظر أقضية المعيار وأن القاضي إذا خاطب بحكم يجب أن يكتب حكمه وكل حجة له من تعديل أو تجريح وموجب حكمه لتكون له حجة على المحكوم عليه إن نازعه، إذ لا يتم المعنى الذي وجب الخطاب لأجله إلاَّ بذلك وأن الخطاب على رسم ناقص لا يجب إذ الحجة لا تقوم به لأنه ساقط الاعتبار كما لا تعطى منه نسخة كما مرّ، فإذا أشهد الشاهدين بوقتين مثلاً ولم يقيد فيه أنه لا يعلم أن الدين تأدى ولا سقط وطلب الخصم الخطاب عليه فلا يجاب إذ لا خطاب بشيء ناقص كما في المعيار، وفي التبصرة أن الشهادة بالدين لميت أو عليه لا تتم إلا إذا قال الشاهد: إنه لا يعلم أن الدين تأدى أو سقط اه بالمعنى، وهل يسمى المخاطب بالكسر الشهود الذي بنى عليهم حكمه في خطابه يجري ذلك على ما يأتي في فصل الحكم على الغائب من أنه إذا كان المحكوم عليه غائباً فلا بد من التسمية لأنه على حجته. (خ) وسمى الشهود وإلاَّ نقض الخ. وإن كان حاضراً فالتسمية مستحبة، وبه العمل كما في ضيح والتبصرة، ولكن الموافق لما مرّ عند قول الناظم وقول سحنون الخ. وجوب التسمية حتى في حق الحاضر لا استحبابها فقط لضعف عدالة قضاة الوقت، وقد قال في تكميل التقييد ما نصه المازري من المصلحة والحكمة منع القاضي الحكم بعلمه خوف كونه غير عدل فيقول: علمت فيما لم يعلمه وعليه فلا يقبل قوله ثبت عندي كذا إلا أن يسمي البينة اه. وأما إن خاطب بمجرد شهادتهم أو بتعديله إياهم فلا بد من التسمية لبقاء الإعذار ولا يمكن إلا بها، فإن قال: ثبت عندي بينة عادلة أن لفلان على فلان كذا ولم يسمهم رد خطابه، ثُمَّ إن الأحوط تاريخ الخطاب لاحتمال عزل القاضي الكاتب لأن خطابه بعد عزله وقبل العلم به ساقط على أحد القولين في الوكيل يتصرف بعد العزل، وقبل العلم المشار لهما بقول (خ) وفي عزله بعزله ولم يعلم خلاف، ولأن البينة التي خاطب بقبولها قد ينقلب حالها إلى جرحة لم تكن فإذا تأخر العمل بالخطاب ثُمَّ أعذر للخصم فيها ولم يكن تاريخ أمكنه إبطالها بالجرحة الثابتة الآن، ولا يمكنه ذلك مع التاريخ لسلامة وقت الأداء من الجرحة الحادثة قاله الشارح. ونقله في المعيار مسلماً. قلت: والتعليل الأخير يقتضي وجوب التاريخ وهو يؤيد ما مرّ عند قوله وحقه إنهاء ما في علمه الخ. من أن الفسق الطارىء بعد الأداء لا يبطل الشهادة فتأمله، وفي نوازل الزياتي أن القاضي أبا عبد الله المكناسي سئل عمن استظهر برسم عليه خطاب قاض معروف مات معزولاً، فادعى المطلوب أن القاضي خاطب عليه بعد عزله، وخالفه الطالب فقال: إن لم يكن للخطاب تاريخ يعلم به قدمه على عزله لم يعمل به اه. قلت: وقد يؤرخ في حال العزل باليوم الذي كان مولى فيه، وقد شاهدنا من ذلك العجب العجاب فلا تنتفي التهمة إلا بالتسجيل عليه والله أعلم. ولما أخبر أن الخطاب واجب إن طلبه الخصم، وكان ذلك شاملاً للخطاب في الشاهدين على كتاب القاضي الكاتب يشهدان بما فيه عند المكتوب إليه كما مرّ عن (خ) وللخطاب المجرد عنهما، وسواء كانت الكتابة في بطاقة على حدتها مع الإحالة على رسم الحق أو في رسم الحق نفسه، وقوله: للرسوم لا ينافي ذلك لأن المراد على مضمنها كان فيها أو على حدته كان بشاهدين أم لا؟ بين أن الصور كلها جائزة، وأن الخطاب بالكتابة حيث كان بلفظ أعلم مقبول على أي وجه كان فقال: (والعمل) مبتدأ (اليوم) ظرف يتعلق به (على قبول ما) خبر المبتدأ وما موصولة مضاف إليه وصلتها (خاطبه قاض) و(بمثل أعلما) يتعلق به وهو مقحم أو بمعنى نفس كما قيل بكل منهما في قوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم} (البقرة: 137) الآية. ولو قال بلفظ أعلما لأن الخطاب إنما كان في زمانه به لا بمثله ولا به وبمثله كأخبر كان أولى قاله (ت) قلت: وسيأتي أن الاقتصار على لفظ أعلما مجرد اصطلاح ولو تغير الاصطلاح إلى غيره مما يؤدي معناه لصح الخطاب به فاعتراضه إنما هو بالنسبة لتقييد النظم باليوم اه. وظاهر النظم القبول وإن لم يكن إشهاد وهو موافق لما حكاه ابن المناصف عن أهل عصره من اتفاقهم على قبول كتاب القاضي بمجرد معرفة خطه دون إشهاد عليه. قال: ولا يستطيع أحد صرفهم عنه فيما أظن مع أني لا أعلم فيه خلافاً إلا ما وقع في المذهب أن كتاب القاضي لا يجوز بمعرفة خطه اه. وقوله: لا أعلم فيه خلافاً الخ. يعني به إلاَّ ما وقع لسحنون من قبوله كتب أمنائه كما يأتي، وظاهره أيضاً أن الخطاب بأعلم يقبل مطلقاً كان المخاطب بالفتح معيناً أم لا. وهو كذلك كما في العتبية فيعمل به مع عدم التعيين كل من يقف عليه من القضاة إذا عرف خطه أو ثبت ببينة عادلة أنه خطه ولو بشاهد واحد على ما للمكناسي في مجالسه عمن أدركه من القضاة ابن المناصف، وإذا ثبت خط القاضي الكاتب وجب العمل به، وإن لم تقم بينة بذلك، والقاضي يعرف خط القاضي الكاتب فواجب عندي قبوله بمعرفة خطه، وقبول سحنون كتب أمنائه بلا بينة يدل على ذلك وليس ذلك من باب قضاء القاضي بعلمه الذي لا يجوز القضاء به لأن ورود كتاب القاضي عليه بذلك الحق كقيام بينة عنده فقبوله الكتاب بما عرفه من خطه كقبوله بينة بما عرف من عدالتها اه. قلت: وحاصل ما قاله أن قضاء القاضي يعلمه المجرد عن الواسطة كعلمه أن لزيد على عمرو درهماً ممتنع، وأما إن علمه بواسطة البينة التي يعرف عدالتها أو بواسطة الخط الذي يعرف عدالة كاتبه، فهذا جائز قضاؤه به لبعد التهمة، وقد يقال: إن التهمة تقوي في انفراده بمعرفة الخط لمشاركة بعض الناس له في العلم بالعدالة وللبحث عن تحققها بالأعذار، ولذا نظر فيه المكناسي في مجالسه قائلاً يلزم عليه أن من قام بشهادة عدلين ميتين أو غائبين، ولم يوجد من يعرف خطهما، والقاضي يعرف خطهما أن يحكم بذلك الرسم، وهذا مما لا يقوله أحد أي لأنه من الحكم بعلمه إذ لا فرق فيما يظهر بين خط الشاهد وخط القاضي، بل صرح أبو الحسن كما في أقضية المعيار بعدم قبوله في خط القاضي قائلاً لأنه حاكم بعلمه وهو الموافق لما مرّ في البيت قبله عن المازري، ولا سيما مع ضعف عدالة قضاة اليوم، فينبغي أن لا يباح ألبتة فتأمله والله أعلم. وأما مع التعيين فيعمل به المكتوب إليه أو من ولي بعده كما يأتي في قول الناظم: ومعلم يخلفه والي القضا الخ. وظاهره أيضاً أنه يقبل وإن مات المخاطب بالكسر أو عزل أو مات المخاطب بالفتح أو عزل وهو كذلك في الجميع على المعتمد، وبه العمل كما يأتي عند قوله: واعتمد القبول بعض من مضى الخ. وما يأتي للناظم مما يعارض إطلاقه هنا. وفي قوله: وإن يمت مخاطب الخ. ونحوه للشيخ (م) عن ابن المناصف في الفرع الثالث لا يعول عليه، وكيفيته مع عدم التعيين على ما به العمل اليوم بفاس وما والاها أن يكتب أسفل الرسم أو عرضه أو في ظهره الحمد لله أديا فقبلا، وأعلم به في تاريخ كذا على ما هو الأحوط أو الواجب كما مرّ وإن كان الناس اليوم فيما شاهدناه على عدم التاريخ أو الحمد لله أديا فثبت وأعلم به أو الحمد لله أعلم بصحته أو بثبوته أو باستقلاله وإن كان في الصك رسوم نبه على جميعها إن أراد ذلك وصحت عنده وإلاَّ قيد بالأخيرين مثلاً أو بما ثبت عنده منها وإن كان في الرسم عدل واحد أو عدد كثير ولم يقبل إلا واحد فيكتب على ما شهدناه اليوم أدي فقبل وأعلم به فلان، وكان الضمير عندهم في به في الخطاب على الواحد يعود على الأداء المفهوم من أدى وليس له أن يخاطب على الواحد بقوله أعلم بصحة الرسم أو بثبوته أو باستقلاله مع قصده بذلك ثبوت الحق على المطلوب، وأنه لم يبق له فيه مقال بطعن ولا غيره لما علمت أن الحق لا يثبت بالواحد إلا بعد اليمين معه، وهذا في الأموال، وأما في غيرها مما لا يثبت إلا بعدلين فلا وجه للخطاب فيها على الواحد لما مرّ أنه لا خطاب على رسم ناقص لا ينتفع به ربه، اللهم إلا أن يرجى أن يضاف إليه شاهد آخر في غير موضع الخطاب فيخاطب حينئذ، وإن كان الخطاب بورقة مفصولة عن رسم الحق غير ملصقة به فلا بد أن يقول أعلم بصحة الرسم الذي بيد حامله فلان المتضمن للحق الذي له على فلان المؤرخ بكذا الذي شهوده فلان وفلان ونحو ذلك مما يعين الرسم المخاطب عليه، وإن ألصق ورقة بالرسم وخاطب فيها قال أعلم بصحة العقد المرتسم بالورقة الملتصقة لهذا المتضمن لفلان قبل فلان كذا، أو المتضمن توكيل فلان فلاناً على كذا ونحوه مما يعين الحق المخاطب به، فلا بد من زيادة المتضمن الخ. خشية أن يلصق ورقة الخطاب بورقة حق غير الحق الذي به وقع الخطاب، ولا يعمل به إن سقط ذلك منه كما لا يعمل به إن كان الخطاب ملصقاً ولم يقل فيه بالملتصق أعلاه لإمكان إزالته من ورقة أخرى، ولا يكفي عن زيادة المتضمن الخ. ما صدر به من قوله بالملتصق أعلاه كما يقتصر عليه الجهال من القضاة لأن ذلك لا يمنع إلصاقه بورقة أخرى، وأما مع التعيين فكيفيته الحمد لله أعلم بصحة الرسم المقيد فوق هذا على ما يجب الشيخ الفقيه أبو فلان فلان ابن فلان أدام الله توفيقه وتسديده، وليه في الله تعالى وموثقه فلان ابن فلان، ويكتب اسمه بتخليط وتعمية، ويسمى العلامة والشكل لئلا يخاطب على لسانه غيره، وإنما قدموا مفعول أعلم وهو اسم المكتوب إليه على الفاعل الكاتب تعظيماً له واهتماماً به، ثُمَّ إذا وصل الخطاب للمكتوب إليه المعين كتب تحته بخط يده أعملته، وكذا إن كان المكتوب إليه غير معين ووقف عليه بعض القضاة وكان الخصام عنده فإن لم يكن الخصام عنده بل ببلد آخر لا يعرف قاضيها خط القاضي الكاتب، ولكن يعرف خط الواقف عليه كتب الواقف المذكور الحمد لله أعلم بأعماله فلان ابن فلان، وهكذا حتى يصل إلى بلد قاضي بلد النزاع. ولما كان الخطاب الذي لم يصرح فيه بالإعلام لغواً غير مقبول ولا معمول به عند القضاة نبه عليه بقوله: ولَيْسَ يُغْني كَتْبُ قَاضٍ كاكْتَفى *** عَنِ الخطابِ والمَزِيدُ قَدْ كَفى (وليس) فعل ناقص (يغني) خبرها (كتب قاض) اسمها (كاكتفى) مفعول بقوله كتب لأن الكاف اسم بمعنى مثل (عن الخطاب) يتعلق بيغني أي ليس كتب القاضي تحت الرسم اكتفى، ومثله من نحو استقل أو صح أو ثبت مغنياً عن الخطاب بأعلم، بل حتى يزيد وأعلم به أو يقول أعلم باستقلاله ونحوه مما مرّ وهو صريح في أن الثبوت ليس بحكم فقوله: ( والمزيد) منصوب على نزع الخافض بقوله: (قد كفى) أي كفاه عن زيادة الشهود فهو يتعدى للأول بنفسه وللثاني بحرف الجر كقوله تعالى: {واختار موسى قومه} (الأعراف: 551) ويجوز أن تكون ليس مهملة بمنزلة لا وأن يكون اسمها ضمير للشأن والجملة خبرها. وحاصله: أن القاضي إذا اقتصر على كتب اكتفى أو استقل أو نحوهما كان ذلك قاصراً عليه وكأنه تذكرة لنفسه بأنه وقف على موجب اكتفاء الرسم لعدالة شاهديه ونحو ذلك، وإخبار للمشهود له بأنه يكفيه ذلك عن الزيادة فلا يلزم قاضياً آخر إذا وقف على ذلك أن يمضيه اعتماداً على قوله اكتفى ونحوه، لأنه لم يخاطبه ولو أمضاه لكان غير معتمد على شهادة ولا خبر من القاضي الأول. قلت: وذلك والله أعلم أن الأول قد يكتبه اعتماداً على ما ظهر له فيه ابتداء وإن كان سيراجع فيه نفسه ويبحث عن باطنه فلا يدل ذلك على أنه استقصى أمره فيه، فكما أن الناقل لا ينقل إلا بإشهاد فكذلك المخاطب بالفتح لا يعمل به إلا بإعلام لاشتراط الإذن في كل منهما، ولذا قال (خ): ولم يشهد على حاكم قال: ثبت عندي إلا بإشهاد الخ. ولذا أتى الناظم بالحصر فقال: (وإنما) حرف تأكيد وحصر (الخطاب) مبتدأ خبره (مثل أعلما) بصحته أو استقلاله أو استقل وأعلم به ونحو ذلك مما يقتضي أن المخاطب بالكسر أذن لمن يقف عليه أن يعمل بمقتضاه واقتصارهم على لفظ أعلم مجرد اصطلاح فلو تغير الاصطلاح إلى سواها مما يؤدي معناها كأخبر ونحوه لصح، ولذا قال الناظم بمثل أعلم أي بأعلم أو مثله مما اصطلح قضاة الوقت عليه (إذ) تعليلة (معلماً به) بفتح اللام اسم مفعول من أعلم وضمير به يعود على الرسم المخاطب عليه على حذف مضاف أي بثبوته ونحوه وهو مفعول مقدم بقوله: (اقتضى) أي طلب وافهم (ومعلما) بكسر اللام معطوف على الأول، ويكون الناظم ساكتاً عن الشخص المعلم بالفتح، ويجوز العكس وهو كسر اللام في الأول وفتحها في الثاني، وعليه فقد تضمن كلامه الثلاثة المعلم بالكسر وهو فاعل الإعلام، والشيء الذي وقع به الإعلام وعليه يعود الضمير في به والشخص المعلم بالفتح أي لأنه اقتضى معلماً بالشيء الذي تضمنه الرسم وشخصاً معلماً وهو المخاطب بالفتح، ويجوز فتح اللام فيهما ويكون المعلم بالكسر مستفاداً من اللفظ، إذ لفظ الإعلام لا بد له من فاعل يوقعه، وفي كل وجه من هذه الأوجه يصح التنازع في به على قول من أجازه في متقدم أي لأنه اقتضى شيئاً معلماً به وشخصاً معلماً بالفتح والكسر بذلك الشيء، وهكذا والضمير في به على كل حال يعود على الشيء الذي وقع به الإعلام، ثُمَّ إن هذا البيت ليس فيه كبير فائدة مع ما قدمه في قوله: والعمل اليوم الخ إلا ما أفاده من الحصر، ومن بيان وجه كون اكتفى ونحوه لا يكفي في الخطاب أي لكونه لا يقتضي ما ذكر وحينئذ، فلو قدم هذا البيت وجعل بعده قوله: والعمل اليوم الخ. ويقول بعده ما نصه: من أجل ذا لا يغني كتب كاكتفى *** عن الخطاب والمزيد قد كفى أي لا يغني قاضياً كتب كاكتفى الخ. ليسلم من التكرار مع إفادة تعليل عدم الاكتفاء بذلك، وإنما كان أعلم يقتضي ما ذكر لأن قولهم أعلم باستقلاله ونحوه لا بد له من الفاعل الذي هو المعلم بالكسر، وهو هنا فلان القاضي الذي جرت العادة أن يكتب اسمه شكلاً يسمى العلامة وهو يتعدى إلى ثلاثة حذف؛ أولها: الذي هو المعلم بالفتح للتعميم أي كل من يقف عليه كقوله تعالى: {والله يدعو إلى دار السلام} (يونس: 52) والثاني والثالث: الذي هو المعلم به سد مسدهما المصدر المنسبك من أن، والفعل إذ الأصل أعلم فلان فلاناً رسماً مستقلاً كقولك: أعلمت زيداً عمراً قائماً، فلما دخلت أن على الثاني والثالث للتأكيد ونحوه سبكا بمصدر، وكان الأصل أن يتعدى إليهما بنفسه كما تقول: أعلمت زيداً قيام عمرو، ولكنهم اصطلحوا هنا على جره بالباء الزائدة كما ترى، وقد سئل الشيخ المكودي رحمه الله عن وجه زيادتهم لها فقال: إنما سئل عنه لو كان من كلام العرب. وهذا ما يكتبه القاضي الكاتب، وأما المكتوب إليه فقد تقدم أنه يكتب تحته أعملته من غير أن يضع علامته، وكأنه تذكرة لنفسه فقط وسواء كان معيناً أم لا على ما به العمل، وقيل: إن كان معيناً كتب قبلته وذلك مجرد اصطلاح فإن احتيج لتسجيل الإعمال والاستقلال ونحوهما كتب تحته: أشهد عدلان أشهد قاضي كذا، وهو بإعمال واستقلال الرسم أعلاه الإعمال أو الاستقلال التام لصحته عنده وثبوته لديه بواجبه وهو بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر فإذا طولع به القاضي ووضع علامته موضع البياض ووضع العدلان علامتيهما إثر تاريخه وليس لمن لم يسع من العدول إشهاده بالإعمال المذكور أن يشهد عليه بالإعمال ونحوه اتكالاً على رؤية ما كتبه من قوله أعملته أو استقل ونحوهما، لأن هذا شاهد على خطه لا على إشهاده قال (غ): وهذا وإن تسامح فيه أهل فاس وعملها، لكن لا يعلم له أصل إذ كيف تصح الشهادة على خطه، وقد لا يكون بين مقعده، ودكان الشاهد الأقدر غلوة أو أقل اه. ونحوه للمكناسي في مجالسه، والغلوة: منتهى الرمية يعني أن الشهادة على الخط إنما تجوز مع بعد الغيبة أو الموت والقاضي هنا بخلاف ذلك فكان الواجب أن لا يشهد عليه حتى يسمع إشهاده، ولا سيما وقد تقدم أنه يكتب ذلك غير جازم به بل ليراجع فيه نفسه، وكأنهم اعتمدوا في ذلك على ما في وثائق الفشتالي حيث قال ما نصه: فإذا ثبت الرسم عند القاضي وكتب تحته: أكتفي فتكتب في الرسم أشهد قاضي كذا باكتفاء الرسم فوقه الاكتفاء التام الخ. فظاهر أنه بمجرد رؤية خطه يشهد عليه، وإن لم يشهده وفي ذلك من التسامح ما لا يخفى. قلت: وتأمل هذا هل تصدق على هذا الشاهد حقيقة شهادة الزور وهي كما لابن عرفة أن يشهد بما لم يعلم عمداً ولو طابق الواقع وهو الظاهر أم لا. تنبيه: استفيد من الناظم أن اكتفى واستقل وثبت ونحوها ألفاظ مترادفة وأن بعضها يقع موضع بعض، وأن الإعلام بها هو الواجب لإعمال المخاطب بمقتضاها لما مرّ، وهو ظاهر ابن المناصف، وعن العقباني أن الخطاب بالاستقلال فيما ثبت بشهادة المبرزين وبالثبوت فيما ثبت بدونهم، وبالاكتفاء في الأدنى وهو مجرد اصطلاح. (وإن يمت) شرط (مخاطب) بالكسر فاعله (أو عزلا) عطف على فعل الشرط (رد) بالبناء للمفعول (خطابه) نائبه، والجملة جواب الشرط أي يلغى خطابه ولا يعمل به على هذا القول الذي صدر به الناظم، لأنهم نزلوا خطابه بالرسم منزلة خطابه بالمشافهة، وهو إذا مات لا يتكلم، وإذا عزل لا يقبل كلامه (خ): ولا تقبل شهادته بعده أنه قضى بكذا أي إلا ببينة على ذلك، وهو معنى قول الناظم: (سوى) استثناء (ما) موصول مجرور واقعة على المخاطب به (سجلا) بالبناء للمفعول أو الفاعل، والعائد على ما في هذا الوجه محذوف أي سوى ما سجله القاضي على نفسه بأن يشهد عدلين باستقلال الرسم، أو اكتفائه على حسب ما مرّ قبله، أو يشهدهما بأنه قد أجله أو أعذر له، أو حكم عليه ونحو ذلك كما مرّ في فصلي الإعذار والآجال لأن إشهاده بالتأجيل ونحوه حكم أمضاه بدليل أن المخاطب بالفتح يبني عليه كما مرّ فإطلاق الناظم شامل للأمرين إذ التسجيل إشهاد القاضي على نفسه بأي شيء كان، ولا يقصر إطلاقه على الأول فقط لاقتضائه أنه إذا أشهدهما على نفسه بالتأجيل أو الحكم مثلاً وخاطب عليهما بالإعلام من غير تسجيل للخطاب أنه يرد على هذا القول وليس كذلك، وبه تعلم أن اعتراض (ت) على (م) بأن التسجيل بالحكم لا يقرر به كلام الناظم لبعده، ولأنه إذا حكم عليه وماله غائب ألزمه الضامن أو الرهن، ولا يحتاج إلى خطاب من ينفذ الحكم الخ. ساقط لأنه قد يحكم ويعجز عن التنفيذ لسطوته أو لفراره بماله بعد الحكم وقبل إلزامه بالضامن أو الرهن، وقد قال في المفيد: ولو كان المطلوب بالدين في بلد القاضي الكاتب فقال في خطابه: قد أنفذت حكمي بالشهادة على خط الشهود فإن حكمه ينفذ وإن تعذر قبض الحق منه حتى خرج من بلد القاضي الكاتب لزمه الحكم ولا يوهنه خروجه عن بلد القاضي الكاتب اه. وهو صريح في أنه مع العجز يخاطب من ينفذه ممن يأتي بعده أو غيره، كيف وقد تقدم وما بالعهد من قدم، عن المازري: أنه يخاطب بما حكم به لحاضره على غائبه وأشعر فرض الناظم الكلام في القاضي أن نائبه ليس له أن يسجل بما ثبت عنده وهو كذلك، فإن فعل فلا يمضي إلا أن يجيزه المستخلف بالكسر ما لم يكن استخلفه بإذن الإمام وإلاَّ فيقبل تسجيله من غير إجازة، وإذا قلنا لا يسجل فله أن يسمع البينة ويقبل من عرف عدالته وتعقد عنده المقالات، ويرفع ذلك إلى المستخلف بالكسر لينظر فيه قاله في التبصرة، ويفهم من قوله: ويدفع ذلك لمستخلفه أنه ليس له الرفع ولا الخطاب به إلى الغير، وإن فعل لا يمضى مات المستخلف بالكسر أو عزل أو كان حياً والله أعلم. واعْتَمَد القَبُولَ بَعْضُ مَنْ مَضى *** وَمُعْلمٌ يَخْلُفُه وَالِي القَضَا (واعتمد القبول) مفعول والفاعل (بعض من مضى) قال الفشتالي في وثائقه: وإن كان القاضي لم يشهد بالتسجيل عليه وإنما كتب في الرسم بخطه أعلم باكتفائه فلان أو أعلم بثبوته أو استقلاله، ثُمَّ وصل إلى غيره، فإنه يعمله على ما جرى به العمل سواء عين فيه المكتوب له أو لم يعينه، وسواء مات الكاتب أو عزل ووصل إلى المكتوب له هذا قوله في المدونة اه. ونحوه للعقباني في الدرر المكنونة ولليزناسي في شرحه للنظم، وقد تبين أن الخطاب المسجل يعمل به مطلقاً اتفاقاً وغير المسجل يعمل به كذلك إن كان المخاطب بالكسر لم يعزل ولم يمت وإلاَّ فقولان، بالرد وهو ما صدر به الناظم وعدمه قالوا: وبه العمل اليوم وهو مذهب المدونة كما رأيته، وحكاه ابن المناصف أيضاً عن مختصر الواضحة، ولكن قيده بما إذا أشهد القاضي الكاتب لأن إشهاده على ذلك كإشهاده على حكم مضى قال: وأما ما التزمه الحاكم وعملوا به في أقصى قطر المغرب من الاجتزاء بمعرفة خط القاضي الكاتب والعمل به دون إشهاد فلا يصح إلا أن يصل للمكتوب إليه والكاتب على حال ولايته اه. واعتمد تقييده المذكور غير واحد، وذكر ابن عرفة أنها نزلت في وسط القرن الثامن وأن شيخه أبا عبد الله السبطي رجع إلى تقييد ابن المناصف، ولذا صدر به الناظم وهو الأحوط في العزل لأنه قد يفعله بعد عزله ويوهم أنه صدر منه قبله، فإذا كان قول القاضي بعد عزله قد كنت حكمت بكذا قبله أو أجلت ونحوه لا يقبل إلا ببينة لاحتمال كذبه، فكذلك هذا إذا خاطبه الوارد بعد عزله بمنزلة قوله ذلك، وأما في الموت في حال الولاية فلا يتطرق هذا الاحتمال مع معرفة خطه فتأمله، ثُمَّ بعد كتبي ما تقدم وقفت في شهادات المعيار على جواب لابن زيادة الله وابن الفراء الذي يقتضيه النظر هو ما ذكرناه فالحمد لله على الموافقة. (و) إن مات أو عزل (معلم) بفتح اللام أي مخاطب بالفتح فهو فاعل بفعل شرط مقدر يدل عليه فعل الشرط المتقدم لا معطوف على مخاطب لأن العطف يقتضي التشريك في الحكم، وليس الأمر هنا كذلك خلافاً ل (ت) ويجوز أن يكون مبتدأ وسوغ الابتداء به كونه صفة لمحذوف (يخلفه) بفتح الياء وضم اللام مضارع خلفه إذا قام مقامه خبر أو جواب، وعلى كل حال فهو مرفوع لكن إن قدر الفاعل ماضياً كان رفعه حسناً لقول ابن مالك: وبعد ماض رفعك الجزا حسن. وإن قدر مضارعاً فالرفع ضعيف (والي) فاعل يخلف (القضا) مفعول في المعنى بوالي مجرور في اللفظ بالإضافة أي إن مات أو عزل المخاطب بالفتح قبل وصول الخطاب إليه فإن متولي القضاء بعده يخلفه في العمل بمقتضاه قاله في المدونة، ثُمَّ أشار إلى مفهوم قوله: وإن يمت الخ. فقال: (والحكم) بفتح الكاف لغة في الحاكم مبتدأ (العدل) صفة (على قضائه) يتعلق بمحذوف حال أي مستمراً على قضائه ولم يحصل له موت ولا عزل (خطابه) مبتدأ ثان ( لا) نافية للجنس (بد) اسمها (من إمضائه) خبرها. والجملة خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول أي: لا مخلص من إمضائه. ومفهوم العدل أن غيره لا يعمل بخطابه لأنه لا تصح توليته كما مرّ. ابن عرفة: وشرط إعمال خطاب القاضي صحة ولايته ممن تصح توليته، وقد تقدم قول (خ): إن كان أهلاً أو قاضي مصر، وظاهر النظم أن المخاطب بالفتح يمضيه ويعمل به سواء وافق مذهبه أم لا. وهو كذلك على ما به العمل إن كان المخاطب بالكسر قد حكم بما خاطب به، وأما إن لم يحكم به، وإنما خاطبه بما ثبت عنده فلا يحكم إلا بما يوافق مذهبه قاله في المفيد. وذكر ابن فرحون القولين عن المازري من غير تعرض للمعمول به منهما. قلت: وهذا بين إن كان الحاكم حكم بأحد حكمين متساويين، أو كان من أهل الاجتهاد في المذهب والنظر في ترجيح الأقوال، أو كان من مذهب آخر كشافعي يخاطبه مالكي مثلاً لأن حكمه حينئذ يرفع الخلاف، وإلاَّ بأن قصرت رتبته عن الاجتهاد والنظر في الترجيح ولم يكن من مذهب آخر، فلا يمضي حكمه وينقضه لأنه محجر عليه في الحكم بغير المشهور أو الراجح أو ما جرى به العمل كما مرّ. وفي الأداءِ عِنْدَ قاضٍ حلَّ في *** غيرِ مَحلِّ حُكْمِهِ الخُلْفُ اقْتَفِي (وفي الأداء عند قاض) من صفته (حل) أي نزل (في) بلد (غير محل) أي بلد ( حكمه الخلف) مبتدأ (اقتفي) أي اتبع خبره، وفي الأداء يتعلق به، وعند قاض يتعلق بالأداء، ومعناه أنه اختلف إذا نزل القاضي ببلد لا ولاية له عليها، هل له أن يسمع بذلك البلد النازل فيه بينة شاهده بحق لمن هو له في ولايته على غائب نازل بولايته ويعمل على ما أخبره به قاضي ذلك البلد من عدالتهم، وهو قول أصبغ قال: ولو اجتمع الخصمان عنده بذلك المحل النازل فيه، والمتنازع فيه في محل ولايته لم ينظر بينهما إلا أن يتراضيا عليه أو ليس له أن يسمع ذلك على من غاب بولايته، ولا أن يخاطب بذلك إلى أحد، وله أن يسأل عن حال بينة شهدت عنده، وهو قول ابن عبد الحكم، وانظر قوله: وله أن يسأل عن حال بينة شهدت عنده أي شهدت عنده في ولايته ويسأل عن عدالتها ههنا، وظاهره له أن يسأل قاضي البلد أو غيره ممن يعرفه بالعدالة فتأمله مع ما يأتي، ثُمَّ إنه يؤخذ من قول أصبغ هذا أن للقاضي أن يسمع البينة بغير حضرة المطلوب ولو قربت غيبته، وهو كذلك على ما به العمل وهو مذهب المدونة، وبه قال ابن الماجشون إلاَّ أنه إذا حضر قرئت عليه الشهادة وأسماء الشهود فإن كان له فيهم مدفع، وإلاَّ قضى عليه. وقال سحنون: لا يسمع الشهادة إلا بمحضر المطلوب إلا أن يكون بعيد الغيبة. انظر تبصرة ابن فرحون. ومَنْعُهُ فيه الخِطابَ المُرْتَضى *** وَسوَّغ التَّعْرِيفَ بعضُ مَنْ مَضى (ومنعه) أي القاضي مبتدأ مضاف إلى المفعول الأول (فيه) يتعلق بقوله: (الخطاب) مفعول ثان، والصواب أنه على نزع الخافض كقوله تعالى: {واختار موسى قومه} ( الأعراف: 551) والضمير المجرور يرجع لغير محل حكمه (المرتضى) خبر المبتدأ وأشار به لقول ابن سهل بعد نقله الخلاف المتقدم، وسألت ابن عتاب عن قاض حل بغير بلده وقد ثبت عنده ببلده حق لرجل، فطلب أن يخاطب به قاضي موضع المطلوب قال: لا يجوز ذلك، فإن فعل بطل ثُمَّ قال: ولا يبعد أن ينفذ (وسوغ) أي جوز (التعريف) مفعول (بعض من) فاعل (مضى) صلة من وأشار به إلى قول ابن سهل إثر ما مر قلت لابن عتاب: فإن كان الحق الثابت عنده ببلده على من هو بموضع احتلاله أي نزوله فأعلم قاضي الموضع بذلك مشافهة بما ثبت عنده أيكون كمخاطبته بذلك؟ قال: ليس مثله يعني ليس كمخاطبته إياه بذلك من محل ولايته، ثُمَّ قال ابن سهل: ورأيت فقهاء طليطلة يجيزون إخبار القاضي المحتل بذلك البلد قاضي البلد، ويرونه كمخاطبته إياه اه. فأشار الناظم بقوله: وسوغ الخ. إلى ما قاله فقهاء طليطلة، ويفهم منه أن البعض الآخر لم يسوغ ذلك وهو ما قاله ابن عتاب ومقابل قوله: المرتضى هو قول ابن عتاب، ولا يبعد أن ينفذ الخ. فالخطاب بالكتابة فيه قولان لابن عتاب وغيره وفي المشافهة قولان له وللطليطليين، ولكن قد علمت أن الكتابة قائمة مقام المشافهة، فمن قال بجواز خطابه في غير محل ولايته بالمشافهة وهم الطليطليون يلزمه أن يقول بجوازه بالكتابة إذ هي قائمة مقامها، والعكس بالعكس فما قاله ابن عتاب: من أنه لا يبعد أن ينفذ موافق لقول الطليطليين فترجع المسألتان إلى مسألة واحدة، وحينئذ فيجب أن يعمم في قول الناظم ومنعه فيه الخطاب أي: كان بالمشافهة أو بالكتابة، وكذا في قوله التعريف أي بالكتابة أو بالمشافهة، ويكون هذا مقابلاً لقوله المرتضى كما هو ظاهر ولا معنى لجعلهما مسألتين بل المسألة الأولى عند التأمل راجعة إلى هذا أيضاً، وبيانه: أن قولي ابن عبد الحكم وابن عتاب كلاهما جار على المشهور: من أن القاضي إذا حل في غير بلده فهو معزول فلا يخاطب ولا يسمع بينة هناك لأن سماعها يستدعي تعديلها فإن شافهه قاضي ذلك البلد بعدالتها لم يحل له أن يحكم بذلك إذا رجع لأنه حينئذ حاكم بعلم سبق مجلسه كما في ابن شاس وابن الحاج وهو ما أفاده (خ) بقوله: وأنهى لغيره بمشافهة إن كان كل بولايته الخ. وقد جعل غير واحد قول أصبغ والطليطليين مقابلاً فلو أتى المصنف بفاء التفريع بدل الواو فيقول فمنعه فيه الخطاب الخ. إشارة إلى أن هذا بيان للخلاف المذكور لكان أظهر والله أعلم. تنبيه: قال الشارح: وعلى ما ذهب إليه فقهاء طليطلة العمل عند قضاة الجماعة بالحضرة. يريد حضرة غرناطة، وانظر ما الذي به العمل الآن في هذه الأقطار، وظاهر قولهم: إن عمل المغرب تابع لعمل الأندلس أنه على ذلك. ويُثْبِتُ القاضي عَلَى المَحْوِ وما *** أشْبَهَهُ الرَّسْمَ على ما سَلِما (ويثبت) بضم الياء مضارع أثبت (القاضي) فاعله (على المحو) يتعلق بمحذوف حال من الرسم (وما) عطف على المحو (أشبهه) صلته أي من بشر وقطع وقرض فار (الرسم) مفعول يثبت (على ما سلما) حال من القاضي، أو بدل من الرسم، بدل بعض من كل أي: ويثبت القاضي الرسم في حال اشتماله على المحو ونحوه إذا طولب بالخطاب عليه حال كونه منبهاً على ما سلم منه فيقول مثلاً: أعلم بصحة الرسم أعلاه ما عدا المحو أو البشر الذي مبدؤه كذا ومنتهاه كذا، أو أعلم بثبوت ما عدا المحو الذي بين لفظة كذا وكذا في الرسم أعلاه، فلا بد من تنصيصه على الابتداء والانتهاء، وظاهره أنه يثبت السالم سواء كتب في محل المحو والبشر شيء من فصول الوثيقة أم لا. أحتمل أن يكون موضع البشر ونحوه ما يبطل الرسم أو يضاد ما لم يسترب فيه أم لا. وهو كذلك إذا لم يسترب في جميع فصول الرسم من أجل ذلك، وفهم من قوله: على المحو الخ. أن التقطيع الذي لم تذهب معه الكتابة بأن بقي المقطوع ملزقاً بخيط أو بطرف منه، ونحو ذلك يثبته كله، وهو كذلك لكن لا يحكم به إلا بعد الإيقاف زمناً رجاء أن يظهر له أمر فإن طال حكم به بعد الاستظهار باليمين كما في وصايا المعيار، وفهم من قوله: على ما سلما أن السالم يستقل بنفسه وإلا سقط الرسم كله وهو كذلك، فإذا كان رسم الصداق فيه سطر ممحو مثلاً كتب فيه أي في محل هذا المحو اشتراط عدم الرحيل مثلاً، ولم يحفظ الشهود ذلك أو غابوا أو ماتوا حلف الزوج أنه ما اشترط لها ذلك وسافر حيث شاء، وكذلك إن قال في الوثيقة لفلان على فلان مائة وخمسون ديناراً فوقع المحو ونحوه على الخمسين، فإن المائة تثبت ولا إشكال. وانظر هل تسقط الخمسون الزائدة أو ينظر للتمييز، فإن كان منصوباً فيحمل على أقل العقود وهو أحد عشر، وهو الظاهر هذا معنى قوله: على ما سلما، فإن حصلت الريبة في جميع فصول العقد بسبب البشر ونحوه لم يحقق شهود ما يوجب حكماً أو غابوا أو ماتوا قبل أن يسألوا بطل الرسم كله قاله في المعيار. قال: والبشر أشد وأكبر ريبة عند بعضهم، وفي المتيطية وغيرها: إذا وجد في ذكر حق محو أو بشر غير معتذر عنه إن كان ذلك لا يخل بشرط ولا قيد في الرسم لم يضر، وإن أبطل قيداً من قيود الرسم بطل بذاته مثل أن يخل بتاريخ أو عدد ونحوه، وإن كان مما ينبني عليه الرسم مثل اسم المحكوم عليه أو له بطل جميعه. وقال في الطرر: إذا وقع في الوثيقة بشر أو محو أو ضرب في مواضع العقد مثل عدد الدنانير أو آجالها أو التاريخ ولم يعتذر عنه سئلت البينة فإن حفظت الشيء بعينه من غير أن يروا الوثيقة مضت وإن لم يحفظوه سئلوا عن البشر فإن حفظوه مضت أيضاً، وإلا سقطت، وإن كان ذلك في غير مواضع العقد لم يضر الوثيقة وإن لم يعتذر عنه اه بنقل المعيار، ومثل عدم حفظهم لمحل البشر ونحوه موتهم أو غيبتهم كما مر وظاهر قوله: وإلا سقطت الخ. سقوط الوثيقة كلها سواء كان الباقي يستقل بنفسه أم لا. وليس كذلك بدليل ما مرّ لأنها إذا كانت تسقط كلها لم يبق للنظم محمل يحمل عليه. وفي كلام (ت) نظر، ثُمَّ بعد كتبي هذا وقفت على أن مافي الطرر وإن نقله غير واحد مسلماً، فقد بحث فيه سيدي يعيش فقال: يظهر لي أن فيه أموراً. الأول: إنه إذا سئلت البينة من غير أن يروا الوثيقة وحفظت الشيء بعينه فالاعتماد إذن على حفظهم لا على الوثيقة حتى يقال مضت. الثاني: إن قوله على البشر فيه إجمال لأنه إما أن يريد بذلك عن الكتابة الواقعة في موضع البشر، أو عن البشر الذي يبقى الكلام فيه له معنى، وأما البشر الذي ليس كذلك كبشر سطر ونحوه من غير كتابة، فلا يتأتى فيه قوله بعد فإن حفظوه مضت. الثالث: أن قوله: وإن لم يحفظوه سقطت الوثيقة فيه جور على رب الرسم بل إذا سلم فيه مثلاً وتقابضا الثمن والمثمن معاينة خاطب القاضي عليه لينتفع به. الرابع: قوله: وإن كان ذلك في غير موضع العقد لم يضر الوثيقة فيه نظر، إذ قد يكون مثلاً في وثيقة التصيير في قول الموثق وحازه معاينة ويقع النزاع في الحوز، بل هذان الأمران مخالفان لقول الناظم: ويثبت القاضي على المحو الخ، فإن ظاهره كان الذي سلم في العقد أو في غيره من الرسم اه. قلت: ويمكن أن يجاب عن الأول بأن الضمير في مضت يعود على الشهادة وعن الثاني بأنه يمكن أن يبشر السطر كله ويحفظوا كل ما كان فيه من غير كتابة كما هو ظاهر، وعن الرابع بأن المراد بالعقد ما لا يتم العقد إلا به فيشمل ما هو شرط فيه، وإن كان خارجاً عنه كالحيازة ونحوها، نعم يرد على الإطلاق في قوله: وإلا سقطت كما مرّ التنبيه عليه وهو البحث الثالث عنده والله أعلم. فرع: إذا كانت النسخة مسجلة على القاضي بالصحة بعد المقابلة والمماثلة من شاهديها المعروفين بالعدالة وما تقتضيه ألفاظ التسجيل، فشهد غيرهما بأن الأصل المنتسخ منه كان فيه تقطيع أو محو ونحوه، فإن شهادة الغير لا تعارض شهادة شاهدي النسخة لجواز أن يكون البشر ونحوه طرأ بعد الانتساخ، أو يكون هذا الذي رآه الغير نظير المنتسخ منه لكون شاهديه عدلا عنه، لما فيه من البشر ونحوه، وكتب غيره سليماً ومن هذا السليم أخذت النسخة قاله في المعيار إثر ما مرّ. (وعندما) ظرف زمان مضمن معنى الشرط فهو كحيث الواقعة على الزمان (ينفذ) بضم الفاء (حكم) فاعله ويجوز نصبه على أنه مفعول ينفذ بكسر الفاء المشددة وفاعله ضمير يعود على القاضي (وطلب) بالبناء للمفعول نائبه ضميره العائد على القاضي. ( تسجيله) مفعول ثان، والجملة معطوفة على جملة ينفذ مدخولة للشرط المذكور (فإنه أمر) الفاء رابطة بين الشرط وجوابه (يجب) صفة لأمر أي: أي وحيثما نفذ القاضي حكماً وطلب منه أحد الخصمين تسجيله أي كتبه وإشهاد شاهدين عليه ليتمسك به تحصيناً لنفسه من مفسدة تجديد الخصومة فإنه أمر واجب عليه فعله وتقدمت كيفية تسجيله في الآجال، وفهم منه أنه لا بد من تسمية شاهدي التسجيل والإعذار والآجال وشاهدي الحق، إذ لا تتم الحجة إلا بذلك. وهو كذلك. وسواء كان المحكوم عليه غائباً أو حاضراً لأن المحكوم عليه إذا أنكر حكم القاضي والخصومة عنده فلا يقبل قول القاضي عليه كما مرّ عند قوله وقول سحنون الخ. وشمل قوله: وطلب ما إذا طلبه كل منهما وهو نص في وجوب إعطاء الحاكم النسخة للمحكوم عليه من حكمه، ولا سيما إذا قال حكم عليه بما لا نص فيه. وقد صرح به الفقيه سيدي أبو القاسم بن حجوا حسبما في نوازل الزياتي قائلاً: من البدع المحرمة منع قضاة الكور تسجيل الحكم وما بني عليه من المحكوم عليه. فمن منع ذلك فهو ذو حيف مبتدع اه. قلت: ولا سيما مع ضعف عدالة قضاة الوقت وعدم معرفتهم بكيفية إجراء الأحكام على قوانينها، وانظر أواخر الركن الثاني من القسم الأول من التبصرة فإنه ذكر فيه: أن القاضي إذا قال: شهدوا عندي بكذا وحكمت وأنكرت البينة الشهادة عنده بذلك هل ينقض حكمه أو لا؟ قولان: الراجح منهما لمناسبة تهمة قضاة الوقت النقض. (وما) نافية (على القاضي) خبر (جناح) أي إثم مبتدأ (لا) تأكيد لما (ولا) نافية (من) زائدة (حرج) مجرور لفظاً وهو مرفوع معنى معطوف على جناح ومعناه الإثم أيضاً فهما بمعنى (إن) شرط (ابتداء) مصدر منصوب على نزع الخافض وفعل الشرط محذوف يفسره (فعلا) وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي ليس على القاضي جناح، ولا حرج إن فعل كتب الحكم وتسجيله ابتداء قبل أن يطلب منه. (وساغ مع سؤاله) يتعلق بساغ وهو مصدر مضاف للمفعول وضميره للقاضي (تسجيل) فاعل ساغ (ما) نكرة أو موصولة (لم يوقع) بضم الياء مع كسر القاف أو فتحها. ( النزاع) فاعله أو نائبه (فيه) يتعلق بالنزاع (كلما) بكسر اللام وفتح الكاف جمع بمعنى كلام مفعول بقوله يوقع بكسر القاف على أنه مبني للفاعل أو بضم الكاف وتشديد اللام منصوب على الظرفية الزمانية بساغ لأن ما التي أضيفت إليه كل بمعنى الزمان وهي نكرة حذفت صفتها تقديرها يسأل منه ذلك على أن يوقع بفتح القاف مبنياً للمفعول، وعلى كل فالجملة صفة لما الأولى أو صلتها والرابط الضمير في فيه، والمعنى على الأول وساغ للقاضي مع سؤاله تسجيل شيء لم يوقع النزاع فيه كلاماً، والمعنى على الثاني وساغ له تسجيل الشيء الذي لم يوقع النزاع فيه كل زمان يسأل منه ذلك. قال الشارح: وذلك مثل رسوم الأحباس التي يهلك شهودها ويشهد على خطوطهم وغير ذلك مما ثبت عنده ولم يقع فيه خصام اه. فمعنى التسجيل هنا إشهاده بصحة تلك الرسوم وكتب ذلك الإشهاد فليس فيه حكم، إذ الحكم يستدعي محكوماً عليه، وإنما هو للتحصين والاستعداد بخلاف الأول فإنه إشهاد بالحكم وكتبه كما مرّ. وسائلُ التَّعْجِيزِ ممنْ قَدْ قضى *** يُمْضىلَهُ في كلِّ شيءٍ بالقَضَا (وسائل التعجيز) أي: الحكم بعدم قبول ما يأتي به من حجة زيادة على الحكم بالحق قاله اللقاني، وقيل: إن التعجيز هو نفس الحكم بالحق أو بالإبراء منه وليس هو شيئاً زائداً عليه، وإنما يكتب تأكيداً للحكم وهو مفاد التوضيح وعياض وارتضاه طفي وهو ظاهر ما للموثقين، ولا سيما المتيطي في عدة مواضع من وثيقة النكاح منها قوله: فإذا انقضت الآجال والتلوم ولم يأت المؤجل بشيء يوجب له نظر أعجزه القاضي وأنفذ القضاء عليه وسجل بذلك وقطع شغبه عن خصمه في ذلك، ثُمَّ قال: لا تسمع له بعد ذلك حجة ولا بينة كان طالباً أو مطلوباً إلا في العتق والطلاق والدم والنسب. قاله مطرف وابن القاسم وابن وهب وأشهب، واختاره ابن حبيب اه. ومثله لابن سهل وقد قال ابن رشد: اختلف فيمن أتى ببينة بعد الحكم عليه بالتعجيز على ثلاثة أقوال الخ. فلو كان التعجيز هو الحكم بعدم قبول الحجة ما تأتى له حكاية الخلاف، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف على أن الذي في الزرقاني أنه لا تقبل حجته بعده على المذهب، ولو لم يحكم بعدم قبول حجته وحينئذٍ فتنفيذ القضاء في النص المتقدم ليس أمراً زائداً على الحكم بالحق كما مرّ أول الكتاب، فلم يبق معنى لقولهم عجزه إلا الحكم بثبوت الحق أو نفيه، فالتعجيز في النظم على حذف مضاف أي سائل كتبه تأكيداً للحكم أو سائل إيقاعه أي التعجيز بمعنى الحكم أي سائل إيقاع الحكم، ولا يتكرر مع قوله قبل وعندما ينفذ حكم الخ لأن ذلك في سؤاله كتابة الحكم بعد إيقاعه، وهذا في سؤاله كتابة التعجيز تأكيداً للحكم المذكور، أو في سؤاله إيقاعه أي التعجيز الذي هو الحكم حيث لم يأت المؤجل بشيء. والحاصل أن المحكوم له طالباً أو مطلوباً إذا سأل (ممن قد قضى) له بالحق أو نفيه أن يكتب تعجيز المطلوب تأكيداً للحكم المذكور أو سأل منه إيقاع الحكم حيث لم يأت المؤجل بشيء فإنه يجاب إلى ذلك في الأول استحباباً وفي الثاني وجوباً، فقضى بمعنى المضارع على الوجه الأول أو على حذف الإرادة على الوجه الثاني، وقد: للتحقيق على كل حال، والمجرور من الموصول وصلته يتعلق بالمبتدأ الذي هو سائل وخبره قوله: (يُمضي) بضم الياء مبنياً للمفعول ونائبه ضمير يعود على التعجيز (له) يتعلق به (في كل شيء) ويجوز قراءته بالبناء للفاعل وفاعله ضمير يعود على التعجيز بمعنى الحكم أي سائل الحكم ممن يقضي بين الناس يوجب إليه ويمضي حكمه على المحكوم عليه في كل شيء مال أو غيره ( بالقضا) ء فيه، وهذا على الوجه الثاني من أن المراد بالتعجيز إيقاع الحكم لا كتابته تأكيداً له، وإلاَّ فيؤول يمضي بيكتب أي يجاب إليه ويكتب له في كل شيء قضى به، ولكن هذا الحمل مع قلة فائدته بعيد من لفظ يمضي ومن الاستثناء في قوله: إلاّ ادِّعاءُ حُبْسٍ أو طَلاَقِ *** أوْ نَسَبٍ أوْ دَمٍ أوْ عَتَاقِ (إلا ادعاء حبس) منصوب على الاستثناء أي سائل الحكم يوجب إليه، ويمضي ذلك الحكم في كل شيء ولا تسمع للمحكوم عليه حجة بعد ذلك إلا ادعاء حبس أو طلاق الخ، فإنه لا يجاب إليه لأنه إنما شرع لقطع النزاع والشغب وهو إن حكم في هذه الأمور، فإن الطالب على حجته فلم يكن لحكمه فائدة، وبهذا تعلم افتراق هذه المستثنيات من غيرها، فإن الطالب يحكم عليه في غيرها بعد عجزه ولا تسمع حجته بعد بخلافها فلا يحكم عليه إذ لا ثمرة له وإنما يعرض عنهما كما قالوه عند قوله: أو وجد ثانياً أو مع يمين لم يره الأول وغاية ما يقول للزوجة ونحوها بعد العجز عن الإثبات لا تسمع هذه الدعوى مجردة ويخلى بينها وبين زوجها، وهذا ليس بحكم كما إذا قال: لا أحكم بالشاهد واليمين أو لا أسمع هذه البينة ونحو ذلك كما في التبصرة وهو قول خليل: لا أجيزه أو أفتي كما مر أول الكتاب، وبه أيضاً تعلم ضعف ما مرّ عن اللقاني من أن التعجيز هو الحكم بعدم قبول الحجة لأنه حينئذٍ يصير المدار في قطع النزاع والشغب على صدور التعجيز بالمعنى المذكور، والحكم بدونه لا يقطع ذلك. وهذا بعيد لا دليل عليه عقلاً ولا نقلاً، وقول ابن فرحون تبعاً للجزيري: إن قضى القاضي على القائم بإسقاط دعواه من غير صدور تعجيز ثُمَّ وجد بينة فله القيام بها الخ. مردود كما في طفي، وأيضاً هو مبني على المقابل من أن المحكوم عليه تسمع حجته المشار له بقول (خ) فإن نفاها واستحلفه فلا بينة إلا لعذر كنسيان الخ. أعني: إذا حكم عليه بإسقاط دعواه، ولم يقل في حكمه أنه لا تقبل له حجة يأتي بها ثُمَّ أتى ببينة نسبها أو لم يعلم بها فإنها لا تقبل وهذا وان كان موافقاً لنص خليل المذكور لكنه خلاف المشهور كما ستراه فإن قال في حكمه: لا تقبل له بينة يأتي بها فلا تقبل حينئذٍ اتفاقاً لأن حكمه بعدم قبول الحجة يرفع الخلاف، وبالجملة فالمعتمد من قول ابن القاسم يوافق ابن الماجشون في عدم الحكم على الطالب في هذه المستثنيات ويختلفان في غيرها، فرأى ابن الماجشون أن كل شيء عجز الطالب عن إثباته ابتداء فلا يحكم فيه ويترك وتحقق دعواه متى أمكنه، وكل شيء أثبته وأوجب فيه عملاً على المطلوب فأثبت المطلوب ما يسقطه وينقضه فادعى الطالب حجة عجز عن إثباتها بعد ضرب الأجل له فإنه يحكم عليه وتقطع حجته. ورأى ابن القاسم أنه يحكم عليه في غير المستثنيات مطلقاً إذا سأل المطلوب ذلك والحجة له ما تقدم في رسالة القضاء لعمر رضي الله عنه من قوله: اجعل للمدعي أجلاً ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذت له بحقه وإلاَّ وجهت القضاء عليه الخ. وظاهر قوله: حبس سواء ادعى أن هذه الدار مثلاً حبس على الفقراء أو على معين وهو في الأول ظاهر لحق الغائب منه، وكذا في الثاني لأن الحبس حق لله لا يجوز بيعه ويدخل في الحبس الطريق العامة. (أو طلاق) ادعته المرأة وعجزت عن إثباته، فلا يجاب الزوج إلى الحكم بقطع دعواها، وأما إذا أثبتته وعجز الزوج عن الطعن فيما أتت به فإنه يحكم به عليه ولا تسمع حجته بعد، وكذا يقال في باقي المستثنيات فلا يعجز مدعي إثباتها ويعجز مدعي نفيها ما عدا الدم لخطره كما ستراه. (أو نسب) ادعى شخص أنه من ذرية فلان وعجز عن إثباته فلا يجاب من هو من ذريته إلى الحكم بقطع دعواه ( أو دم) ادعاه شخص على آخر غيلة أو حرابة فعجز الولي عن إثبات ذلك فلا يجاب القاتل إلى الحكم بقطع دعوى الولي هذا هو المراد بالدم لأن ضابط المسائل الخمس كل حق ليس لمدعيه إسقاطه بعد ثبوته، وليس المراد ادعاءه أنه قتل وليه عمداً في غير الغيلة والحرابة وعجز عن إثباته، فإن هذا يحكم عليه ولا تقبل حجته بعد لعدم دخوله في الضابط المذكور ولا ادعاء العفو أو التجريح فعجز عن إثباتهما فحكم بقتله فوجد البينة بهما قبل أن يُقتل، فإن هذا يقبل منه ما أتى به من العفو والتجريح لخطر الدماء فقط، ولو كان مالاً لم يقبل منه ولكن لا يقرر به كلام الناظم لأن الكلام في الحكم على الطالب كما مرّ، وهذا مطلوب. وأيضاً فإن هذا من دعوى العفو في الحدود فلا يختص بالقتل بل القذف كذلك والتجريح في السرقة بالنسبة للقطع كذلك، ولو أرادوه لقالوا أو عفوا الخ. وأيضاً لو كان المراد بالكلية ما يشمل الطالب والمطلوب لورد عليه الغائب واليتيم إذ لكل منهما الإسقاط بعد القدوم والرشد مع أنه يحكم عليهما وينزع الشيء من يدهما وهما على حجتهما والله أعلم. (أو عتاق) ادعاه العبد على سيده وعجز عن إثباته فإنه لا يعمل بدعواه ويخلى بينه وبين سيده وتسمع حجته إن وجدها وعتاق بفتح العين مصدر عتق كما في القاموس. (ثُمَّ) عاطفة جملة على جملة (على ذا القول) يتعلق بقوله: (ليس) واسمها ضمير الشأن وجملة (يلتفت) بالبناء للمفعول خبرها (لما يقال) يتعلق به وكذا (بعد تعجيز) وجملة (ثبت) صفة تعجيز أي ثُمَّ إذا أجيب سائل التعجيز أي الحكم لما سأله على هذا القول المذكور من إيجابه إليه وإمضائه عليه في كل شيء إلا ما استثني لا يلتفت لما يأتي به بعد من حجة طالباً أو مطلوباً وإلاَّ لم تكن فائدة لضرب الآجال ولا تنقطع حجة أحد أبداً وظاهره أقر بالعجز أم لا كان هناك عذر من نسيان ونحوه أم لا. كانت الحجة التي أتى بها في غير المستثنيات تجريحاً أو غيره، وهو كذلك في الجميع على الراجح المعمول به قال في الشامل: ثُمَّ لا حجة للمحكوم عليه بعده، وكذا إن أقر بالعجز على المشهور. وثالثها: إلاَّ لوجه. ورابعها: تقبل عند من حكم عليه فقط وقيل تقبل من الطالب وحده، وقيل إن لم يدخل خصمه في عمل اه فعلم منه بحسب ظاهره أنه إذا حكم عليه وهو يدعي الحجة لا تقبل حجته بعد اتفاقاً وإن محل الخلاف إذا أقر بالعجز وهو كذلك وبالمشهور قال أشهب ومطرف: وفي كتاب ابن دبوس: إذا فصل الحاكم بين الخصمين لم ينظر له في بينة بعد ذلك ولم يعذر في غيبتها أو جهلها أو جهل من يجرح من شهد عليه، ونفذ الحكم عليه على ما عليه حكام أهل المدينة. قال أصبغ: وبه قال ابن القاسم وأصحابنا اه. وفي ابن سهل: إنه الذي جرى به العمل، وكذا في الجزيري وابن رحال في حاشيته هنا، وفي التبصرة إذا قال المحكوم عليه بعد الحكم كنت أغفلت حجة كذا لم يقبل منه ذلك اه بخ. قلت: وبهذا تعلم أن قول (خ) فإن نفاها واستحلفه فلا بينة إلا لعذر كنسيان الخ. وكذا قوله: أو ظهر أنه قضى بفاسقين الخ كلاهما مقابل، ويدخل في الفسق العداوة والقرابة وسائر القواد (ح) كما لابن رحال في شرحه. وفي التبصرة أن المازري صوب عدم النقض، وممن صرح بالمقابلة بين المحلين ابن سهل في أحكامه ونقله المتيطي في أول نهايته قال بعد أن ذكر عن سحنون أنه ما ضربت له الآجال ووسع عليه إلا لتقطع حجته وأنه لا يقول في ذلك بقول ابن القاسم بن سهل يريد: الذي روى عنه في موضعين قوله في أقضية المدونة إن أتى بماله وجه قبل منه مثل أن يأتي بشاهد عند من لا يرى الشاهد واليمين، فوجد بعد الحكم عليه شاهداً آخر، وفي السرقة منها مثل أن يظفر ببينة لم يعلمها، وفي كتاب التبصرة: إن وجد من يجرح من حكم عليه بهم فإنه يسمع منه ذلك عند ذلك الحاكم وعند غيره ثُمَّ قال: وفي سماع أصبغ عنه فيمن ادعى نكاح امرأة وادعى بينة بعيدة وأنكرته لم تؤمر بانتظاره إلا أن تكون البينة قريبة لا يضر ذلك بالمرأة فإن عجزه الحاكم ثُمَّ جاء ببينة فقد مضى الحكم أنكحت أم لا؟ قال: وهذه الرواية نحو روايته عنه في كتاب ابن حبيب خلاف المدونة وفي سماع يحيى لأنه لم يسمع منه بعد التعجيز اه. وهذه الرواية هي قول خليل في التنازع، وأمرت بانتظاره لبينة قريبة ثُمَّ لم تسمع بينته إن عجزه قاض مدعي حجة الخ لكن ما في المدونة من قبول حجته بعد الحكم إن أتى بماله وجه الخ. طالباً كان أو مطلوباً صرح في معاوضات المعيار في جواب لمؤلفه بأنه المشهور في المذهب قال: وسواء كان الحكم بعد العجز أو التعجيز على طريق أكثر المشايخ خلافاً لابن رشد وصاحب المعين اه. وفي الوثائق المجموعة أنه الذي به العمل فقوله: خلافاً لابن رشد يريد لأنه جعل الحكم مع التعجيز أن بين اللدد قاطعاً لكل حجة يأتي بها علمها أم لا، وقصر الخلاف على ما إذا أقر بالعجز، وقد علمت منه أن أكثر المشايخ على خلاف قوله فتأمله مع ما درج عليه الناظم، وفي الحطاب عند قوله: وتؤولت على الكمال في الأخير الخ، من النقول ما يشهد لما شهره في المعيار فانظره، لكن الأول أقوى لأنه الذي به العمل. تنبيهان الأول: إذا قال المدعي في غير المستثنيات بينتي غائبة فإن كانت قريبة الغيبة أنظر بقدر ذلك، وإن كانت بعيدة قضى عليه وهو على حجته إذا قدمت فإن سأل من القاضي أن يحلفه له ويبقي على حجته أجيب إن حلف أنها بموضع بعيد وسماها وإلاَّ فليس له تحليف المطلوب مع بقائه على حجته كما في اللامية. ابن عرفة: ولا بد أن يعين الموضع خوف أن يعتقد بعد ما ليس ببعيد والخوف مع القرب كالبعد. الثاني: لم تجر العادة عند الموثقين بإفراد عقد التعجيز أي الحكم، وإنما يضمنونه عقد التسجيلات أي الآجال ورسوم الحق التي أشهد على نفسه بقبولها وعدالة شهودها وكيفية ذلك أن تقول: لما انصرمت الآجال والتلومات الثابتة أعلاه أو حوله، ولم يأت المتأجل بشيء يوجب له نظراً سأل القائم بالحق أو المطلوب به أعلاه أو حوله ممن يجب سدده الله وهو إعمال الواجب في ذلك وأن يحكم له بما ثبت له على المتأجل المذكور أو يقطع دعواه عنه، فاقتضى نظره السديد أن حكم على المتأجل المذكور بكذا بعد أن أعذر له بأبقيت لك حجة فادعاها أو نفاها حكماً لازماً أنفذه وأمضاه وأوجب العمل بمقتضاه شهد على إشهاد من ذكر إلى آخر ما تقدم في فصل الإعذار فإن سأل كتابة التعجيز تأكيداً للحكم المذكور على حسب ما مر زاد بعد قوله أنفذه وعجزه، وأوجب العمل الخ. وقولنا: بعد أن أعذر الخ. لا بد منه كما مر في أول فصل الإعذار وصفة الوثيقة ظاهر مما مر آنفاً والله أعلم فإن ذهبت إلى كتبه مفرداً فانظر كيفية ذلك في التبصرة.
|