فصل: بَاب أَسمَاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأحكام الشرعية الكبرى



.بَاب:

أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا حَمَّاد، عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن شُعَيْب بن عبد الله بن عَمْرو، عَن أَبِيه قَالَ: «مَا رئي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُل مُتكئا قطّ وَلَا يطَأ عقبه رجلَانِ».
قَالَ البُخَارِيّ: شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، سمع عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، سمع مِنْهُ ابْنه عَمْرو. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: شُعَيْب بن عبد الله بن عَمْرو، روى عَنهُ ابْنه وثابت الْبنانِيّ وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي.
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق، ثَنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، ثَنَا أَبُو عوَانَة، ثَنَا الْأسود بن قيس، عَن نُبيح، عَن جَابر بن عبد الله فِي حَدِيثه الطَّوِيل الَّذِي ذكر فِيهِ دُخُول رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيته، قَالَ: فَقَامَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ أَصْحَابه فَخَرجُوا بَين يَدَيْهِ وَكَانَ يَقُول: «خلوا ظَهْري للْمَلَائكَة».
قَالَ: وَحدثنَا فَهد بن سُلَيْمَان، ثَنَا مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَصْبَهَانِيّ، ثَنَا وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن الْأسود بن قيس، عَن نُبيح الْعَنزي، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا خرج من منزله مَشى أَصْحَابه أَمَامه وخلوا خَلفه للْمَلَائكَة».

.بَاب الِاخْتِلَاف فِي سنّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكم أَقَامَ بِمَكَّة وَالْمَدينَة:

مُسلم: حَدثنَا نصر بن عَليّ، ثَنَا بشر بن الْمفضل، ثَنَا خَالِد الْحذاء، أبنا عمار مولى بني هَاشم قَالَ: ثَنَا ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفّي وَهُوَ ابْن خمس وَسِتِّينَ».
قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: قَالَ البُخَارِيّ: لم يُتَابع عمار على هَذَا الحَدِيث.
مُسلم: حَدثنَا أَبُو غَسَّان الرَّازِيّ مُحَمَّد بن عَمْرو، ثَنَا حكام بن سلم، ثَنَا عُثْمَان بن زَائِدَة، عَن الزبير بن عدي، عَن أنس قَالَ: «قبض رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ، وَأَبُو بكر وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ، وَعمر وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ».
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن مثنى وَابْن بشار- وَاللَّفْظ لِابْنِ مثنى- قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة قَالَ: سَمِعت أَبَا إِسْحَاق، يحدث عَن عَامر بن سعد البَجلِيّ، عَن جرير أَنه سمع مُعَاوِيَة- رَضِي الله عَنهُ- يخْطب فَقَالَ: «مَاتَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ، وَأَبُو بكر وَعمر وَأَنا ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ».
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف، أبنا اللَّيْث، عَن عقيل، عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة: «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفّي وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة».
قَالَ ابْن شهَاب: وَأَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب مثله.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا روح بن عبَادَة، ثَنَا زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق، حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «مكث النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة، وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة».
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: قَرَأت على مَالك، عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن أنس «أن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّة عشر سِنِين وبالمدينة عشر سِنِين، وتوفاه الله على رَأس سِتِّينَ سنة».
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يُوسُف بن يزِيد، ثَنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، عَن نَافِع بن يزِيد، حَدثنِي ابْن غزيَّة- يَعْنِي: عمَارَة- عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان، أَن أمه فَاطِمَة ابْنة الْحُسَيْن حدثته، أَن عَائِشَة- رَضِي الله عَنْهَا- كَانَت تَقول: «إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لفاطمة ابْنَته- رَضِي الله عَنْهَا- فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ مِمَّا سَارهَا بِهِ وأخبرت بِهِ عَائِشَة بعد وَفَاته قَالَت عَائِشَة: أَخْبَرتنِي أَنه أخْبرهَا أَنه لم يكن نَبِي كَانَ بعده نَبِي إِلَّا عَاشَ نصف عمر الَّذِي كَانَ قبله. وَأَخْبرنِي أَن عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ عشْرين وَمِائَة سنة لَا أَرَانِي إِلَّا ذَاهِبًا على سِتِّينَ».
مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا روح، حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عمار بن أبي عمار، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَقَامَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة خمس عشرَة سنة، يسمع الصَّوْت وَيرى الضَّوْء سبع سِنِين وَلَا يرى شَيْئا، وثَمَانِي سِنِين يُوحى إِلَيْهِ، وَأقَام بِالْمَدِينَةِ عشرا».
وَلمُسلم فِي لفظ آخر عَن ابْن عَبَّاس: «لبث بِمَكَّة خمس عشرَة سنة يَأْمَن وَيخَاف».
وَلمُسلم: أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس: «أنه أَقَامَ بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة».
رَوَاهُ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَن روح بن عبَادَة، عَن زَكَرِيَّا، عَن عَمْرو بْن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس- رَضِي الله عَنهُ.

.بَاب أَسمَاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، سمع مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنا مُحَمَّد، وَأَنا أَحْمد، وَأَنا الماحي الَّذِي يمحى بِي الْكفْر، وَأَنا الحاشر الَّذِي يحْشر النَّاس على عَقبي، وَأَنا العاقب، وَالْعَاقِب الَّذِي لَيْسَ بعده نَبِي».
مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن عَمْرو بْن مرّة، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّي لنا نَفسه أَسمَاء فَقَالَ: أَنا مُحَمَّد، وَأحمد، والمقفي، والحاشر، وَنَبِي التَّوْبَة، وَنَبِي الرَّحْمَة».

.بَاب الْخِصَال الَّتِي فضل بهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم:

أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عَمْرو بن عُثْمَان، ثَنَا الْوَلِيد- وَهُوَ ابْن مُسلم- عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن أبي عمار، عَن عبد الله بن فروخ، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنا سيد ولد آدم، وَأول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض، وَأول شَافِع، وَأول مُشَفع».
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء، ثَنَا مُعَاوِيَة بن هِشَام، عَن سُفْيَان، عَن مُخْتَار بن فلفل قَالَ: قَالَ أنس بن مَالك: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنا أَكثر النَّاس تبعا يَوْم الْقِيَامَة، وَأَنا أول من يقرع بَاب الْجنَّة».
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، ثَنَا شُعَيْب، عَن الزُّهْرِيّ، أَخْبرنِي سعيد وَعَطَاء بن يزِيد، أَن أَبَا هُرَيْرَة أخبرهما، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَذكر الْحَشْر وَوضع الصِّرَاط قَالَ: وَيضْرب جسر جَهَنَّم فَأَكُون أول من يُجِيز».
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، أبنا غنْدر، عَن شُعْبَة.
وَحدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى وَابْن بشار قَالَا: ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن الحكم، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: «نصرت بالصبا وأهلكت عَاد بالدبور».
الْبَزَّار: حَدثنَا عبد الله بن سعيد، ثَنَا حَفْص بن غياث، عَن دَاوُد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَتَت الصِّبَا الشمَال لَيْلَة الْأَحْزَاب فَقَالَت: مري حَتَّى ننصر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَت الشمَال: إِن الْحرَّة لَا تسري بِاللَّيْلِ، فَكَانَت الرّيح الَّتِي نصر بهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّبَا».
مُسلم: حَدثنِي أَبُو الطَّاهِر، أخبرنَا ابْن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن أبي يُونُس مولى أبي هُرَيْرَة، أَنه حَدثهُ عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: «نصرت بِالرُّعْبِ على الْعَدو، وَأُوتِيت جَوَامِع الْكَلم، وبينما أَنا نَائِم أتيت بمفاتيح خَزَائِن الأَرْض فَوضعت فِي يَدي».
عبد بن حميد: أخبرنَا عبيد الله بن مُوسَى، عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي بردة، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطَيْت خمْسا لم تعط نَبيا كَانَ قبلي، بعثت إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود، ونصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر، وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا، وَأحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لنَبِيّ كَانَ قبلي، وَأعْطيت الشَّفَاعَة، وَإنَّهُ لَيْسَ من نَبِي إِلَّا قد سَأَلَ الشَّفَاعَة، وَإِنِّي أخرت شَفَاعَتِي ثمَّ جَعلتهَا لمن مَاتَ من أمتِي لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا».
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا يحيى بن أبي بكير، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة، أَنه سمع عَليّ بن أبي طَالب يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطَيْت مَا لم يُعْط أحد من الْأَنْبِيَاء، نصرت بِالرُّعْبِ، وَأعْطيت مَفَاتِيح الأَرْض، وَسميت أَحْمد، وَجعل التُّرَاب لي طهُورا، وَجعلت أمتِي خير الْأُمَم».
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ، عَن ربعي، عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فضلنَا على النَّاس بِثَلَاث: جعلت صُفُوفنَا كَصُفُوف الْمَلَائِكَة، وَجعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا، وَجعلت لنا تربَتهَا طهُورا إِذا لم نجد المَاء، وَأُوتِيت هَذِه الْآيَات من بَيت كنز تَحت الْعَرْش من آخر سُورَة الْبَقَرَة، لم يُعْط مِنْهُ أحد كَانَ قبلي، وَلَا يعْطى مِنْهُ أحد كَانَ بعدِي».

.بَاب هِجْرَة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

البُخَارِيّ: حَدثنَا يحيى بن بكير، ثَنَا اللَّيْث، عَن عقيل، قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة زوج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَت: «لم أَعقل أَبَوي قطّ إِلَّا وهما يدينان الدَّين، وَلم يمر علينا يَوْم إِلَّا يأتينا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرفِي النَّهَار: بكرَة وَعَشِيَّة، فَمَا ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ خرج أَبُو بكر مُهَاجرا نَحْو أَرض الْحَبَشَة، حَتَّى إِذا بلغ برك الغماد لقِيه ابْن الدغنة- وَهُوَ سيد القارة- فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ يَا أَبَا بكر؟ فَقَالَ أَبُو بكر: أخرجني قومِي فَأُرِيد أَن أسيح فِي الأَرْض وأعبد رَبِّي. فَقَالَ ابْن الدغنة: فَإِن مثلك يَا أَبَا بكر لَا يخرج وَلَا يُخرج، إِنَّك تكسب الْمَعْدُوم، وَتصل الرَّحِم، وَتحمل الْكل، وتقري الضَّيْف، وَتعين على نَوَائِب الْحق. فَأَنا لَك جَار، ارْجع واعبد رَبك ببلدك. فَرجع وارتحل مَعَه ابْن الدغنة، فَطَافَ ابْن الدغنة عَشِيَّة على أَشْرَاف قُرَيْش فَقَالَ: إِن أَبَا بكر لَا يَخرج مثله وَلَا يُخرج، أتخرجون رجلا يكْسب الْمَعْدُوم، وَيحمل الْكل، ويصل الرَّحِم، ويقري الضَّيْف، ويعين على نَوَائِب الْحق؟ فَلم تكذب قُرَيْش بجوار ابْن الدغنة، وَقَالُوا لِابْنِ الدغنة: مر أَبَا بكر فليعبد ربه فِي دَاره، وَليصل بهَا وليقرأ مَا شَاءَ، وَلَا يؤذينا بذلك لَا يستعلن بِهِ، فَإنَّا نخشى أَن يفتن نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. فَقَالَ ذَلِك ابْن الدغنة لأبي بكر، فَلبث أَبُو بكر بذلك يعبد ربه فِي دَاره وَلَا يستعلن بِصَلَاتِهِ وَلَا يقْرَأ فِي غير دَاره. ثمَّ بدا لأبي بكر فابتنى مَسْجِدا بِفنَاء دَاره، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيقْرَأ الْقُرْآن فيتقذف عَلَيْهِ نسَاء الْمُشْركين وأبناؤهم يعْجبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بكر رجلا بكاء لَا يملك عَيْنَيْهِ إِذا قَرَأَ الْقُرْآن، وأفزع ذَلِك أَشْرَاف كفار قُرَيْش من الْمُشْركين، فأرسلوا إِلَى ابْن الدغنة فَقدم عَلَيْهِم فَقَالُوا: إِن كُنَّا أجرنا أَبَا بكر بجوارك على أَن يعبد ربه فِي دَاره، فقد جَاوز ذَلِك فابتنى مَسْجِدا بِفنَاء دَاره فأعلن بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَة فِيهِ، وَإِنَّا قد خشينا أَن يفتن نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فانهه، فَإِن فَإِن أحب أَن يقْتَصر على أَن يعبد ربه فِي دَاره فعل، وَإِن أَبى إِلَّا أَن يعلن بذلك فسله أَن يرد إِلَيْك ذِمَّتك، فَإنَّا قد كرهنا أَن نخفرك، ولسنا بمقرين لأبي بكر الاستعلان. قَالَت عَائِشَة: فَأتى ابْن الدغنة إِلَى أبي بكر- رَضِي الله عَنهُ- فَقَالَ: قد علمت الَّذِي عاقدتك عَلَيْهِ، فإمَّا أَن تقتصر على ذَلِك وَإِمَّا أَن ترجع إِلَيّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أحب أَن تسمع الْعَرَب أَنِّي أخفرت فِي رجل عاقدت لَهُ. فَقَالَ أَبُو بكر: فَإِنِّي أرد إِلَيْك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وَجل وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للْمُسلمين: إِنِّي رَأَيْت دَار هجرتكم ذَات نخل بَين لابتين، وهما الحرتان. فَهَاجَرَ من هَاجر قبل الْمَدِينَة وَرجع عَامَّة من كَانَ هَاجر بِأَرْض الْحَبَشَة إِلَى الْمَدِينَة، وتجهز أَبُو بكر قبل الْمَدِينَة، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على رسلك، فَإِنِّي أَرْجُو أَن يُؤذن لي. فَقَالَ أَبُو بكر: وَهل ترجو ذَلِك بِأبي أَنْت؟ قَالَ: نعم. فحبس أَبُو بكر نَفسه على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليصحبه وعلف راحلتين كَانَتَا عِنْده ورق السمر- وَهُوَ الْخبط- أَرْبَعَة أشهر- قَالَ ابْن شهَاب: قَالَ عُرْوَة: قَالَت عَائِشَة:- فَبَيْنَمَا نَحن يَوْمًا جُلُوس فِي بَيت أبي بكر فِي نحر الظهيرة قَالَ قَائِل لأبي بكر: هَذَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متقنعا فِي سَاعَة لم يكن يأتينا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو بكر: فدى لَهُ أبي وَأمي، وَالله مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِه السَّاعَة إِلَّا أَمر. قَالَت: فجَاء رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذن، فَأذن لَهُ فَدخل فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر: أخرج من عنْدك. فَقَالَ أَبُو بكر: إِنَّمَا هم أهلك بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله. قَالَ: فَإِنِّي قد أذن لي فِي الْخُرُوج. فَقَالَ أَبُو بكر: الصَّحَابَة بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله. قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم. قَالَ أَبُو بكر: فَخذ بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله إِحْدَى رَاحِلَتي هَاتين. قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِالثّمن. قَالَت عَائِشَة: فجهزناهما أحث الجهاز، وصنعنا لَهما سفرة فِي جراب، فَقطعت أَسمَاء بنت أبي بكر قِطْعَة من نطاقها فَربطت بِهِ على فَم الجراب، فبذلك سميت ذَات النطاقين. قَالَت: ثمَّ لحق رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر بِغَار فِي جبل ثَوْر، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاث لَيَال، يبيت عِنْدهمَا عبد الله بن أبي بكر وَهُوَ غُلَام شَاب ثقف لقن فيدلج من عِنْدهمَا بِسحر، فَيُصْبِح مَعَ قُرَيْش بِمَكَّة كبائت، فَلَا يسمع أمرا يكتادان بِهِ إِلَّا وعاه حَتَّى يأتيهما بِخَبَر ذَلِك حِين يخْتَلط الظلام، ويرعى عَلَيْهِمَا عَامر بن فهَيْرَة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عَلَيْهِ حَتَّى يذهب من الْعشَاء، فيبيتان فِي رسل وَهُوَ لبن منحتهما ورضيفهما حَتَّى ينعق بهم عَامر بِغَلَس، يفعل ذَلِك فِي كل لَيْلَة من تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاث، واستأجر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر رجلا من بني الديل وَهُوَ من بني عبد بن عدي هاديا خريتا- والخريت الماهر بالهداية- قد غمس حلفا فِي آل الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي وَهُوَ على دين كفار قُرَيْش، فأمناه، فدفعا إِلَيْهِ راحلتيهما، ووعداه غَار ثَوْر بعد ثَلَاث لَيَال براحلتيهما صبح ثَلَاث، وَانْطَلق مَعَهُمَا عَامر بن فهَيْرَة وَالدَّلِيل، فَأخذ بهما طَرِيق السواحل».
قَالَ ابْن شهَاب: وَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن مَالك المدلجي ابْن أخي سراقَة بْن مَالك بن جعْشم، أَن أَبَاهُ أخبرهُ، أَنه سمع سراقَة بن جعْشم يَقُول: «جَاءَنَا رسل قُرَيْش يجْعَلُونَ فِي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأبي بكر دِيَة كل وَاحِد مِنْهُمَا لمن قَتله أَو أسره، فَبَيْنَمَا أَنا جَالس فِي مجْلِس من مجَالِس قومِي بني مُدْلِج أقبل رجل مِنْهُم حَتَّى قَامَ علينا وَنحن جُلُوس فَقَالَ: يَا سراقَة، إِنِّي قد رَأَيْت آنِفا أَسْوِدَة بالسَّاحل أراهما مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه. قَالَ سراقَة: فَعرفت أَنهم هم، فَقلت لَهُم: إِنَّهُم لَيْسُوا بهم، وَلَكِنَّك رَأَيْت فلَانا وَفُلَانًا انْطَلقُوا بأعيننا. ثمَّ لَبِثت فِي الْمجْلس سَاعَة، ثمَّ قُمْت فَدخلت فَأمرت جاريتي أَن تخرج بفرسي وَهِي من وَرَاء أكمة فتحبسها عَليّ وَأخذت رُمْحِي فَخرجت بِهِ من ظهر الْبَيْت فخططت بزجه الأَرْض، وخفضت عاليه، حَتَّى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرب بِي، حَتَّى دَنَوْت مِنْهُم، وعثرت بِي فرسي، فَخَرَرْت عَنْهَا، فَقُمْت فَأَهْوَيْت بيَدي إِلَى كِنَانَتِي فاستخرجت مِنْهَا الأزلام، فاستقسمت بهَا: أضرهم أم لَا؟ فَخرج الَّذِي أكره، فركبت فرسي- وعصيت الأزلام- تقرب بِي حَتَّى سَمِعت قِرَاءَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يلْتَفت، وَأَبُو بكر يكثر الِالْتِفَات، ساخت يدا فرسي فِي الأَرْض، حَتَّى بلغتا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْت عَنْهَا، ثمَّ زجرتها فَنَهَضت، فَلم تكد تخرج يَديهَا، فَلَمَّا اسْتَوَت قَائِمَة إِذا لأثر يَديهَا غُبَار سَاطِع فِي السَّمَاء مثل الدُّخان، فاستقسمت بالأزلام فَخرج الَّذِي أكره فناديتهم بالأمان، فوقفوا فركبت فرسي حَتَّى جئتهم وَوَقع فِي نَفسِي حِين لقِيت مَا لقِيت من الْحَبْس عَنْهُم أَن سَيظْهر أَمر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقلت: إِن قَوْمك قد جعلُوا فِيك الدِّيَة، وَأَخْبَرتهمْ أَخْبَار مَا يُرِيد النَّاس بهم، وَعرضت عَلَيْهِم الزَّاد وَالْمَتَاع، فَلم يرزآني، وَلم يسألاني إِلَّا أَن قَالَا: أخف عَنَّا. فَسَأَلته أَن يكْتب لي كتاب أَمن، فَأمر عَامر بن فهَيْرَة فَكتب فِي رقْعَة من أَدَم، ثمَّ مضى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير «أن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِي الزبير فِي ركب من الْمُسلمين كَانُوا تجارًا قافلين من الشَّام، فكسا الزبير رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبا بكر ثِيَاب بَيَاض وَسمع الْمُسلمُونَ بِالْمَدِينَةِ بمخرج رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مَكَّة، فَكَانُوا يَغْدُونَ كل غَدَاة إِلَى الْحرَّة فينظرونهم حَتَّى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يَوْمًا بعد مَا أطالوا انتظارهم، فَلَمَّا أووا إِلَى بُيُوتهم أوفى رجل من يهود على أَطَم من آطامهم لأمر ينظر إِلَيْهِ فَبَصر برَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مبيضين يَزُول بهم السراب فَلم يملك الْيَهُودِيّ أَن قَالَ بِأَعْلَى صَوته: يَا معشر الْعَرَب، هَذَا جدكم الَّذِي تنتظرون. فثار الْمُسلمُونَ إِلَى السِّلَاح فتلقوا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظهْر الْحرَّة فَعدل بهم ذَات الْيَمين حَتَّى نزل بهم فِي بني عَمْرو بن عَوْف، وَذَلِكَ يَوْم الِاثْنَيْنِ من شهر ربيع الأول، فَقَامَ أَبُو بكر للنَّاس وَجلسَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صامتا، فَطَفِقَ من جَاءَ من الْأَنْصَار مِمَّن لم ير رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحيي أَبَا بكر، حَتَّى أَصَابَت الشَّمْس رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأقبل أَبُو بكر حَتَّى ظلل عَلَيْهِ بردائه، فَعرف النَّاس رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد ذَلِك، فَلبث رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بني عَمْرو بن عَوْف بضع عشرَة لَيْلَة، وَأسسَ الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى وَصلى فِيهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ ركب دَابَّته فَسَار يمشي مَعَه النَّاس حَتَّى بَركت عِنْد مَسْجِد الرَّسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي يَوْمئِذٍ فِيهِ رجال من الْمُسلمين، وَكَانَ مربدا للتمر لسهيل وَسَهل غلامين يتيمين فِي حجر ابْن زُرَارَة، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين بَركت رَاحِلَته: هَذَا إِن شَاءَ الله الْمنزل. ثمَّ دَعَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مَسْجِدا فَقَالَا: بل نهبه لَك يَا رَسُول الله. ثمَّ بناه مَسْجِدا وطفق رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينْقل مَعَهم اللَّبن وَيَقُول وَهُوَ ينْقل اللَّبن:
هَذَا الْحمال لَا حمال خَيْبَر ** هَذَا أبر رَبنَا وأطهر

وَيَقُول:
اللَّهُمَّ إِن الْأجر أجر الْآخِرَه ** فَارْحَمْ الْأَنْصَار والمهاجره

فتمثل بِشعر رجل من الْمُسلمين لم يسم لي»
.
قَالَ ابْن شهَاب: وَلم يبلغنَا فِي الْأَحَادِيث أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمثل بِبَيْت شعر تَامّ غير هَذِه الأبيات.
البُخَارِيّ: حَدثنِي مُحَمَّد، ثَنَا عبد الصَّمد، حَدثنِي أبي، ثَنَا عبد الْعَزِيز بْن صُهَيْب، ثَنَا أنس بن مَالك قَالَ: «أقبل نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة وَهُوَ مردف أَبَا بكر، وَأَبُو بكر شيخ يعرف وَرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاب لَا يعرف، قَالَ: فَيلقى الرجل أَبَا بكر فَيَقُول: يَا أَبَا بكر، من هَذَا الرجل الَّذِي بَين يَديك؟ قَالَ: فَيَقُول: هَذَا الَّذِي يهديني السَّبِيل. قَالَ فيحسب الحاسب أَنه إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيق، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيل الْخَيْر، والتفت أَبُو بكر فَإِذا هُوَ بِفَارِس قد لحقهم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَذَا فَارس قد لحق بِنَا. فَالْتَفت نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اصرعه. فصرعه فرسه ثمَّ قَامَت تحمحم، فَقَالَ: يَا نَبِي الله، مرني بِمَا شِئْت. فَقَالَ: قف مَكَانك، لَا تتْرك أحدا يلْحق بِنَا. قَالَ: فَكَانَ أول النَّهَار جاهدا على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ آخر النَّهَار مسلحة لَهُ، فَنزل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَانب الْحرَّة، ثمَّ بعث إِلَى الْأَنْصَار فَجَاءُوا إِلَى نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأبي بكر فَسَلمُوا عَلَيْهِمَا، وَقَالُوا: اركبا آمِنين مطاعين. فَركب نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر وحفوا دونهمَا بِالسِّلَاحِ فَقيل فِي الْمَدِينَة: جَاءَ نَبِي الله، فأشرفوا ينظرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِي الله، جَاءَ نَبِي الله. فَأقبل يسير حَتَّى نزل جَانب دَار أبي أَيُّوب فَإِنَّهُ ليحدث أَهله إِذْ سمع بِهِ عبد الله بن سَلام وَهُوَ فِي نخل لأَهله يخْتَرف لَهُم فَعجل أَن يضم الَّذِي يخْتَرف لَهُم، فجَاء وَهِي مَعَه فَسمع من نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله فَقَالَ نَبِي الله: أَي بيُوت أهلنا أقرب؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوب: أَنا يَا نَبِي الله، هَذِه دَاري، وَهَذَا بَابي. قَالَ: فَانْطَلق فهيئ لنا مقيلا. قَالَ: قوما على بركَة الله. فَلَمَّا جَاءَ نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عبد الله بن سَلام فَقَالَ: أشهد إِنَّك رَسُول الله وَأَنَّك جِئْت بِالْحَقِّ، وَقد علمت يهود أَنِّي سيدهم وَابْن سيدهم وأعلمهم وَابْن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أَن يعلمُوا أَنِّي قد أسلمت، فَإِنَّهُم إِن يعلمُوا أَنِّي قد أسلمت قَالُوا فيّ مَا لَيْسَ فيّ. فَأرْسل نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا معشر الْيَهُود، وَيْلكُمْ اتَّقوا الله فوَاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنَّكُم لتعلمون أَنِّي رَسُول الله حَقًا وَأَنِّي جِئتُكُمْ بِحَق فأسلموا. قَالُوا: مَا نعلمهُ. قَالُوا للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاث مرار- قَالَ: فَأَي رجل فِيكُم عبد الله بن سَلام؟ قَالُوا: ذَاك سيدنَا وَابْن سيدنَا وَأَعْلَمنَا وَابْن أعلمنَا. قَالَ: أَفَرَأَيْتُم إِن أسلم؟ قَالُوا: حاشا لله مَا كَانَ ليسلم. قَالَ: أَفَرَأَيْتُم إِن أسلم؟ قَالُوا: حاشا لله مَا كَانَ ليسلم. قَالَ: أَفَرَأَيْتُم إِن أسلم؟ قَالُوا: حاشا لله مَا كَانَ ليسلم. قَالَ: يَا ابْن سَلام، اخْرُج إِلَيْهِم. فَخرج عَلَيْهِم فَقَالَ: يَا معشر يهود، اتَّقوا الله فوَاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنَّكُم لتعلمون أَنه رَسُول الله وَأَنه جَاءَ بِحَق. فَقَالُوا: كذبت: فَأخْرجهُمْ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
مُسلم: حَدثنَا سَلمَة بن شبيب، حَدثنَا الْحسن بن أعين، ثَنَا زُهَيْر، ثَنَا أَبُو إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت الْبَراء بن عَازِب يَقُول: «جَاءَ أَبُو بكر الصّديق إِلَى أبي فِي منزله، فَاشْترى مِنْهُ رحلا، فَقَالَ لعازب: ابْعَثْ معي ابْنك يحملهُ إِلَى منزلي فَقَالَ لي أبي: احمله. فَحَملته، وَخرج أبي مَعَه ينْتَقد ثمنه، فَقَالَ لَهُ أبي: يَا أَبَا بكر، حَدثنِي كَيفَ صنعتما لَيْلَة سريت مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: نعم أسرينا ليلتنا كلهَا حَتَّى قَامَ قَائِم الظهيرة، وخلا الطَّرِيق، فَلَا يمر مِنْهُ أحد حَتَّى رفعت لنا صَخْرَة طَوِيلَة لَهَا ظلّ لم تأت عَلَيْهِ الشَّمْس بعد، فنزلنا عِنْدهَا، فَأتيت الصَّخْرَة، فسويت بيَدي مَكَانا ينَام فِيهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظلها، ثمَّ بسطت عَلَيْهِ فَرْوَة، ثمَّ قلت: نم يَا رَسُول الله، وَأَنا أنفض لَك مَا حولك، فَنَامَ وَخرجت أنفض حوله، فَإِذا أَنا براعي يرْعَى غنما مقبل بغنمه إِلَى الصَّخْرَة يُرِيد مِنْهَا الَّذِي أردنَا، فَلَقِيته فَقلت: لمن أَنْت يَا غُلَام؟ قَالَ: لرجل من أهل الْمَدِينَة. قلت: أَفِي غنمك لبن؟ قَالَ: نعم قلت: أفتحلب لي؟ قَالَ: نعم. فَأخذ شَاة، فَقلت: انفض الضَّرع من الشّعْر وَالتُّرَاب والقذى- قَالَ: فَرَأَيْت الْبَراء يضْرب بِيَدِهِ على الْأُخْرَى ينفض- فَحلبَ لي فِي قَعْب مَعَه كثبة من لبن وَمَعِي إدواة أرتوي فِيهَا للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليشْرب مِنْهَا وَيتَوَضَّأ قَالَ: فَأتيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكرهت أَن أوقظه من نَومه، فوافقته اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْت على اللَّبن من المَاء حَتَّى برد أَسْفَله، فَقلت: يَا رَسُول الله، اشرب من هَذَا اللَّبن. قَالَ: فَشرب حَتَّى رضيت. ثمَّ قَالَ: ألم يَأن للرحيل؟ قلت: بلَى. قَالَ: فارتحلنا بعد مَا زَالَت الشَّمْس وَاتَّبَعنَا سراقَة بن مَالك، وَنحن فِي جدد من الأَرْض، فَقلت: يَا رَسُول الله، أَتَيْنَا. فَقَالَ: لَا تحزن إِن الله مَعنا. فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فارتطمت فرسه إِلَى بَطنهَا. فَقَالَ: إِنِّي قد علمت أنكما قد دعوتما عَليّ، فَادعوا لي، فَالله لَكمَا أَن أرد عنكما الطّلب. فَدَعَا الله فنجا، فَرجع لَا يلقى أحدا إِلَّا قَالَ: قد كفيتكم مَا هَاهُنَا، فَلَا يلقى أحدا إِلَّا رده. قَالَ: ووفى لنا».
وحدثنيه زُهَيْر بن حَرْب، ثَنَا عُثْمَان بن عمر. وَحدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا النَّضر بن شُمَيْل، كِلَاهُمَا عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْبَراء قَالَ: «اشْترى أَبُو بكر من أبي رحلا بِثَلَاثَة عشر درهما...» وسَاق الحَدِيث بِمَعْنى حَدِيث زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق، وَقَالَ فِي حَدِيثه من رِوَايَة عُثْمَان بن عمر: «فَلَمَّا دنا دَعَا عَلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فساخ فرسه فِي الأَرْض إِلَى بَطْنه، ووثب عَنهُ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّد، قد علمت أَن هَذَا عَمَلك، فَادع الله أَن يخلصني مِمَّا أَنا فِيهِ، وَلَك عَليّ لأعمين على من ورائي، وَهَذِه كِنَانَتِي فَخذ سَهْما مِنْهَا فَإنَّك ستمر على إبلي وغلماني بمَكَان كَذَا وَكَذَا، فَخذ مِنْهَا حَاجَتك. قَالَ: لَا حَاجَة لي فِي إبلك. قَالَ: فقدمنا الْمَدِينَة لَيْلًا، فتنازعوا أَيهمْ ينزل عَلَيْهِ فَقَالَ: أنزل على بني النجار أخوال عبد الْمطلب أكْرمهم بذلك. فَصَعدَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فَوق الْبيُوت وتفرق الغلمان والخدم فِي الطّرق ينادون: يَا مُحَمَّد يَا رَسُول الله، يَا مُحَمَّد يَا رَسُول الله».
روى أَبُو بكر الْبَزَّار قَالَ: حَدثنَا حوثرة بن مُحَمَّد الْمنْقري، ثَنَا عَمْرو بن مُحَمَّد الْعَنْقَزِي، حَدثنَا إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْبَراء، عَن أبي بكر الصّديق فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ: «فَقلت: هَذَا الطّلب قد لحقنا يَا رَسُول الله. قَالَ: وبكيت قَالَ: وَلم تبْكي؟ قلت: أما وَالله مَا على نَفسِي أبْكِي، وَلَكِن أبْكِي عَلَيْك، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اكفناه. فساخت فرسه فِي الأَرْض إِلَى بَطنهَا».
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن شُعَيْب، أخبرنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا يحيى بن حَمَّاد، حَدثنِي الوضاح أَبُو عوَانَة، ثَنَا أَبُو بلج- هُوَ يحيى بن أبي سليم- ثَنَا عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: «إِنِّي لجالس إِلَى ابْن عَبَّاس إِذْ أَتَاهُ تِسْعَة رَهْط فَسَأَلُوهُ عَن عَليّ- رَضِي الله عَنهُ- فَقَالَ: كَانَ أول من أسلم من النَّاس بعد خَدِيجَة، وَلبس ثوب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونام، فَجعل الْمُشْركُونَ يرْمونَ كَمَا يرْمونَ رَسُول الله وَيَحْسبُونَ أَنه نَبِي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجَاء أَبُو بكر- رَضِي الله عَنهُ- فَقَالَ: يَا نَبِي الله. فَقَالَ عَليّ: إِن نَبِي الله قد ذهب نَحْو بِئْر مَيْمُون فَاتبعهُ. فَدخل مَعَه الْغَار، وَكَانَ الْمُشْركُونَ يرْمونَ عليا- رَضِي الله عَنهُ- حَتَّى أصبح».
قَالَ: وَحدثنَا فَهد بن سُلَيْمَان، ثَنَا يحيى بن عبد الحميد، ثَنَا أَبُو عوَانَة بِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ: «قَالَ لي عَليّ: لما انْطلق- يَعْنِي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْغَار فأنامه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهُ وَألبسهُ برده، فَجَاءَت قُرَيْش تُرِيدُ أَن تقتل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجعلُوا يرْمونَ عليا وهم يرَوْنَ أَنه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ألبسهُ برده، فَجعل عَليّ يتضور فنظروا فَإِذا هُوَ عَليّ- رَضِي الله عَنهُ- فَقَالُوا: إِنَّه لنائم لَو كَانَ صَاحبك لم يتضور لقد استنكرنا ذَلِك».