فصل: فَصْلٌ: (وجود أكثر من ولي واستواءهم في الدرجة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏وجود أكثر من ولي واستواءهم في الدرجة‏]‏

وَإِنْ اسْتَوَى وَلِيَّيْنٍ فَأَكْثَرَ لِامْرَأَةٍ ‏(‏فِي دَرَجَةٍ‏)‏ كَإِخْوَةٍ كُلِّهِمْ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ بَنِي إخْوَةٍ كَذَلِكَ أَوْ أَعْمَامٍ أَوْ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ ‏(‏صَحَّ التَّزْوِيجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْهُمْ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمْ ‏(‏وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ أَفْضَلِ‏)‏ الْمُسْتَوِيَيْنِ فِي الدَّرَجَةِ عِلْمًا وَدِينًا لِيُزَوِّجَ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفَضْلِ ‏(‏فَأَسَنُّ‏)‏ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏{‏لَمَّا تَقَدَّمَ إلَيْهِ مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ كَبِّرْ أَيْ‏:‏ قَدِّمْ الْأَكْبَرَ فَتَقَدَّمَ حُوَيِّصَةُ‏}‏، وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْعَقْدِ فِي إجْمَاعِ شُرُوطِهِ وَالنَّظَرِ فِي الْحَظِّ ‏(‏فَإِنْ تَشَاحُّوا‏)‏ أَيْ الْأَوْلِيَاءُ الْمُسْتَوُونَ فِي الدَّرَجَة فَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يُزَوِّجَ ‏(‏أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَهُمْ لِتَسَاوِيهِمْ فِي الْحَقِّ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمْ ‏(‏فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مَنْ قَرَعَ‏)‏ أَيْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ‏(‏فَزَوَّجَ وَقَدْ أَذِنَتْ لَهُمْ‏)‏ أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ‏(‏صَحَّ‏)‏ التَّزْوِيجُ لِصُدُورِهِ مِنْ وَلِيٍّ كَامِلِ الْوِلَايَةِ بِإِذْنِ مُوَلِّيَتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ انْفَرَدَ بِالْوِلَايَةِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَأْذَنْ لَهُمْ بَلْ لِبَعْضِهِمْ ‏(‏تَعَيَّنَ مَنْ أَذِنَتْ لَهُ‏)‏ فَيُزَوِّجُهَا دُونَ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَكُونُوا مُجْبَرِينَ كَأَوْصِيَاءِ بِكْرٍ جَعَلَ أَبُوهَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ فَأَيَّهُمْ عَقَدَهُ صَحَّ وَمَنْ أُلْحِقَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ أَبٍ لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُهَا إلَّا مِنْهُمْ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ زَوَّجَ وَلِيَّيْنٍ‏)‏ اسْتَوَيَا دَرَجَةً مُوَلِّيَتَهُمَا ‏(‏لَاثْنَيْنِ‏)‏ كَأَنْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ وَالْآخَرُ لِعَمْرٍو ‏(‏وَجُهِلَ السَّبْقُ مُطْلَقًا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ وَقَعَا مَعًا أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ ‏(‏أَوْ عُلِمَ سَابِقٌ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏ثُمَّ نُسِيَ‏)‏ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ ‏(‏أَوْ عُلِمَ السَّبْقُ‏)‏ لِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ‏(‏وَجُهِلَ السَّابِقُ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا صَحِيحٌ وَلَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهِ وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ طَلَّقَا لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْفَسْخِ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَحَدُهُمَا بَعْدُ لَمْ يَنْقُصْ بِهَذَا الطَّلَاقِ عَدَدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِسَبْقٍ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يُقْبَلْ نَصًّا‏.‏

‏(‏فَإِنْ عُلِمَ وُقُوعُهُمَا‏)‏ أَيْ الْعَقْدَيْنِ ‏(‏مَعًا‏)‏ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ‏(‏بَطَلَا‏)‏ أَيْ فَهُمَا بَاطِلَانِ مِنْ أَصْلِهِمَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَى فَسْخٍ وَلَا تَوَارُثَ فِيهِمَا ‏(‏وَلَهَا‏)‏ أَيْ الَّتِي زَوَّجَهَا وَلِيَّاهَا لِاثْنَيْنِ وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ بِعَيْنِهِ ‏(‏فِي غَيْرِ هَذِهِ‏)‏ الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إذَا عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا ‏(‏نِصْفُ الْمَهْرِ‏)‏ عَلَى أَحَدِهِمَا ‏(‏بِقُرْعَةٍ‏)‏ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ أَخَذَتْ مِنْهُ نِصْفَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ عَقْدَ أَحَدِهِمَا صَحِيحٌ، وَقَدْ انْفَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِمَا ‏(‏وَإِنْ مَاتَتْ‏)‏ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ قَبْلَ فَسْخِ الْحَاكِمِ نِكَاحَهُمَا ‏(‏فَلِأَحَدِهِمَا نِصْفُ مِيرَاثِهَا‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ‏(‏بِقُرْعَةٍ‏)‏ فَيَأْخُذُهُ مَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ ‏(‏بِلَا يَمِينٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَعْرِفُ الْحَالَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ‏)‏ أَيْ الْعَاقِدَانِ عَلَى امْرَأَةٍ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا ‏(‏فَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِسَبْقٍ لِأَحَدِهِمَا فَلَا إرْثَ لَهَا مِنْ الْآخَرِ‏)‏ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ لِتَأَخُّرِهِ ‏(‏وَهِيَ تَدَّعِي مِيرَاثَهَا مِمَّنْ أَقَرَّتْ‏)‏ لَهُ بِالسَّبْقِ لِتَضَمُّنِهِ صِحَّةَ نِكَاحِهِ ‏(‏فَإِنْ كَانَ ادَّعَى ذَلِكَ‏)‏ أَيْ السَّبْقَ ‏(‏أَيْضًا‏)‏ قَبْلَ مَوْتِهِ ‏(‏دَفَعَ إلَيْهَا‏)‏ إرْثَهَا مِنْهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ الْمُدَّعِي ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يُدْفَعُ إلَيْهَا شَيْءٌ ‏(‏إنْ أَنْكَرَ وَرَثَتَهُ‏)‏ سَبْقَهُ وَلَهَا تَحْلِيفُهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ السَّابِقُ فَإِنْ نَكَلُوا قُضِيَ عَلَيْهِمْ‏.‏

‏(‏وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ أَقَرَّتْ بِسَبْقٍ‏)‏ مِنْ أَحَدِهِمَا ‏(‏وَرِثَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ‏)‏ بِأَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ فَلَهَا إرْثُهَا مِنْهُ، وَرَوَى حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ زَوَّجَ إحْدَاهُنَّ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَّتَهنَّ زَوَّجَ يُقْرَعُ فَأَيَّتَهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ فَهِيَ الَّتِي تَرِثُهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ بِأَمَتِهِ‏)‏ جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِلَا نِزَاعٍ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحُكْمِ الْإِذْنِ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ زَوَّجَ ‏(‏ابْنَهُ‏)‏ الصَّغِيرَ وَنَحْوَهُ ‏(‏بِنْتَ أَخَاهُ‏)‏ جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ زَوَّجَ ‏(‏وَصِيٌّ فِي النِّكَاحِ صَغِيرًا‏.‏

بِصَغِيرَةٍ تَحْتَ حَجْرِهِ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَمَا لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ بِصَغِيرَةٍ هُوَ وَصِيٌّ عَلَيْهَا ‏(‏صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ وَكَذَا وَلِيُّ‏)‏ امْرَأَةٍ ‏(‏تَحِلُّ لَهُ كَابْنِ عَمٍّ وَمَوْلًى وَحَاكِمٍ إذَا أَذِنَتْ لَهُ‏)‏ بِنْتُ عَمِّهِ أَوْ عَتِيقَتُهُ أَوْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا فِي تَزْوِيجِهَا فَيَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ لِأُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِضٍ أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إلَيَّ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ قَدْ تَزَوَّجْتُكِ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ فَجَازَ أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ‏.‏

‏(‏أَوْ وَكَّلَ زَوْجٌ وَلِيًّا‏)‏ لِمَخْطُوبَتِهِ أَنْ يَقْبَلَ لَهُ النِّكَاحَ مِنْ نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ ‏(‏وَعَكْسَهُ‏)‏ بِأَنْ وَكَّلَ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ فِي إيجَابِ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ‏.‏

‏(‏أَوْ وَكَّلَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ رَجُلًا ‏(‏وَاحِدًا‏)‏ بِأَنْ وَكَّلَهُ الْوَلِيُّ فِي الْإِيجَابِ وَالزَّوْجُ فِي الْقَبُولِ فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ لَهُمَا ‏(‏وَنَحْوَهُ‏)‏ أَيْ مَا تَقَدَّمَ كَأَنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ الْكَبِيرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ نَحْوَ النِّكَاحِ مِنْ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَيَجُوزُ فِيهِمَا تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ الْآخَرَ أَوْ وَكَّلَ وَاحِدًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بَلْ ‏(‏يَكْفِي زَوَّجْتُ‏)‏ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ ‏(‏فُلَانًا‏)‏ وَيَنْسِبُهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَقَبِلْتُ لَهُ نِكَاحَهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ يَقُولُ ‏(‏تَزَوَّجْتُهَا‏)‏ أَيْ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ ‏(‏إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَقَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِنَفْسِي ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏وَكِيلُهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ فَيَقُولُ زَوَّجْتُهَا لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ أَوْ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَقَبِلْتُ لَهُ نِكَاحَهَا ‏(‏إلَّا بِنْتَ عَمِّهِ وَعَتِيقَتَهُ الْمَجْنُونَتَيْنِ‏)‏ إذَا أَرَادَ تَزْوِيجَهُمَا فَلَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِهِمَا ‏(‏فَيُشْتَرَطُ‏)‏ لِتَزَوُّجِهِ بِهِمَا ‏(‏وَلِيٌّ غَيْرُهُ‏)‏ إنْ كَانَ ‏(‏أَوْ حَاكِمٌ‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرَهُ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ اعْتَبَرَ النَّظَرَ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَالِاحْتِيَاطَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا هُوَ مُوَلًّى عَلَيْهِ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ لَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ فَيُزَوِّجُهُ وَلِيٌّ غَيْرُهُ وَلَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ لِتَنْتَفِيَ التُّهْمَةُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏قول الرجل لأمته‏:‏ أعتقتك‏]‏

وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا إذًا أَيْ وَقْتَ الْقَوْلِ ‏(‏لَوْ كَانَتْ حُرَّةً‏)‏ لِتَدْخُلَ الْكِتَابِيَّةُ وَتَخْرُجَ الْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ وَالْمُعْتَدَّةُ لِعَدَمِ حِلِّ كُلٍّ مِنْهُنَّ لَهُ ‏(‏مِنْ‏)‏ بَيَانٍ لِأَمَتِهِ ‏(‏قِنٍّ أَوْ مُدَبَّرَةٍ أَوْ مُكَاتَبَةٍ أَوْ مُعَلَّقٍ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ‏:‏ أَعْتَقْتُكِ وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ أَوْ جَعَلْت عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَهَا أَوْ‏)‏ قَالَ‏:‏ جَعَلْتُ ‏(‏صَدَاقَ أَمَتِي عِتْقَهَا‏)‏ أَوْ قَالَ‏:‏ قَدْ أَعْتَقْتُهَا وَجَعَلْتُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا أَوْ قَالَ ‏(‏أَعْتَقْتُهَا عَلَى أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَكِ وَعِتْقِي‏)‏ صَدَاقُكِ ‏(‏أَوْ عِتْقُكِ صَدَاقُكِ صَحَّ‏)‏ الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَقُلْ‏:‏ وَتَزَوَّجْتُكِ أَوْ‏)‏ لَمْ يَقُلْ ‏(‏تَزَوَّجْتُهَا‏)‏ لِتَضَمُّنِ قَوْلِهِ وَجَعَلْتُ عِتْقَهَا وَنَحْوَهُ صَدَاقَهَا ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أَنَسٍ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ‏.‏

وَعَنْ صَفِيَّةَ قَالَتْ‏:‏ ‏{‏أَعْتَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ عِتْقِي صَدَاقِي‏}‏ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى النِّكَاحِ لِيَصِحَّ وَقَدْ شَرَطَهُ صَدَاقًا فَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِتْقِ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ، لِيَكُونَ الْعِتْقُ صَدَاقًا فِيهِ وَقَدْ ثَبَتَ الْعِتْقُ فَصَحَّ النِّكَاحُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَعْتَقْتُهَا وَتَزَوَّجْتهَا عَلَى أَلْفٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏إنْ كَانَ‏)‏ الْكَلَامُ ‏(‏مُتَّصِلًا‏)‏ وَلَوْ حُكْمًا وَكَانَ ‏(‏بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ‏)‏ عَدْلَيْنِ فَإِنْ قَالَ أَعْتَقْتُكِ وَسَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، أَوْ تَكَلَّمَ بِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ‏.‏

وَنَحْوَهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لِصَيْرُورَتِهَا بِالْعِتْقِ حُرَّةً فَيَحْتَاجُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا بِصَدَاقٍ جَدِيدٍ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ‏}‏ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ جَعْلُ صَدَاقِ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ عِتْقَ الْبَعْضِ الْآخَرِ‏)‏ إنْ أَذِنَتْ هِيَ وَمُعْتِقُ الْبَقِيَّةِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ طَلَقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ‏)‏ وَقَدْ جُعِلَ عِتْقُهَا أَوْ عِتْقُ بَعْضِهَا صَدَاقُهَا ‏(‏رَجَعَ‏)‏ مُعْتِقُهَا ‏(‏عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَعْتَقَ‏)‏ مِنْهَا نَصًّا، وَإِنْ سَقَطَ لِرَضَاعٍ وَنَحْوِهِ رَجَعَ بِكُلِّهَا وَقْتَ عِتْقٍ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِعْطَاءِ إنْ كَانَتْ مَلِيئَةً بِهِ ‏(‏وَتُجْبَرُ عَلَى الِاسْتِسْعَاءِ‏)‏ أَيْ التَّكَسُّبِ ‏(‏غَيْرُ مَلِيئَةٍ‏)‏ لِتُعْطِيَهُ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِ مَا فَرَضَ لَهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا مَا أَعْتَقَ مِنْهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الرُّجُوعِ فِي الرِّقِّ بَعْدَ زَوَالِهِ فَرَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَعْتَقَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ صَدَاقُهَا‏.‏

‏(‏وَمَنْ أَعْتَقَهَا‏)‏ رَبُّهَا ‏(‏بِسُؤَالِهَا‏)‏ عِتْقَهَا ‏(‏عَلَى أَنْ تَنْكِحَهُ أَوْ قَالَ‏)‏ لَهَا ‏(‏أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ تَنْكِحِينِي فَقَطْ‏)‏ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ‏(‏وَرَضِيَتْ صَحَّ‏)‏ الْعِتْقُ وَلَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَنْكِحَهُ، لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ سَلَفًا فِي نِكَاحٍ فَلَمْ يَلْزَمْهَا كَمَا لَوْ أَسْلَفَ حُرَّةً أَلْفًا عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ ‏(‏ثُمَّ إنْ أَنْكَحَتْهُ‏)‏ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ لَهُ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهَا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَنْكِحْهُ ‏(‏فَعَلَيْهَا قِيمَةُ مَا أَعْتَقَ مِنْهَا‏)‏ كُلًّا كَانَ أَوْ بَعْضًا؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا بِشَرْطِ عِوَضٍ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ فَاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِقِيمَتِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ امْتَنَعَتْ مِنْ تَزَوُّجِهِ أَوْ بَذَلَتْهُ فَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا كَمَا هُوَ فِي الشَّرْحِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ لِأَمَتِهِ ‏(‏زَوَّجْتُكِ لِزَيْدٍ وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ وَنَحْوَهُ‏)‏ كَ زَوَّجْتُ أَمَتِي لِزَيْدٍ وَعِتْقُهَا صَدَاقُهَا صَحَّ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لِأَمَتِهِ ‏(‏أَعْتَقْتُكِ وَزَوَّجْتُكِ لَهُ‏)‏ أَيْ لِزَيْدٍ ‏(‏عَلَى أَلْفٍ وَقَبِلَ‏)‏ زَيْدٌ النِّكَاحَ ‏(‏فِيهِمَا‏)‏ أَيْ الصُّورَتَيْنِ ‏(‏صَحَّ‏)‏ الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ ‏(‏كَ أَعْتَقْتُكِ وَأَكْرَيْتُك مِنْهُ‏)‏ أَيْ زَيْدٍ ‏(‏سَنَةً بِأَلْفٍ‏)‏ فَيَصِحُّ الْعِتْقُ وَالْإِجَارَةُ إنْ قَبِلَهُمَا زَيْدٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْخِدْمَةِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏الشهادة على النكاح‏]‏

الشَّرْطُ الرَّابِعُ‏:‏ الشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ خَوْفَ الْإِنْكَارِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ حُضُورِ أَرْبَعَةٍ‏:‏ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ وَالشَّاهِدَانِ‏}‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ‏.‏

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ‏{‏الْبَغَايَا اللَّوَاتِي يُزَوِّجْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏

وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْوَلَدُ فَاشْتُرِطَ فِيهِ الشَّهَادَةُ،؛ لِئَلَّا يَجْحَدَهُ أَبُوهُ فَيَضِيعَ نَسَبُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ ‏(‏إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏ إذَا نَكَحَ أَوْ أَنْكَحَ لِأَمْنِ الْإِنْكَارِ ‏(‏فَلَا يَنْعَقِدُ‏)‏ النِّكَاحُ ‏(‏إلَّا بِشَهَادَةِ ذَكَرَيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ مُتَكَلِّمَيْنِ سَمِيعَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ ذِمِّيَّةٌ عَدْلَيْنِ وَلَوْ ظَاهِرًا‏)‏ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الشَّهَادَةِ إعْلَانُ النِّكَاحِ وَإِظْهَارُهُ وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ فَإِذَا حَضَرَ مَنْ يَشْتَهِرُ بِحُضُورِهِ صَحَّ ‏(‏فَلَا يُنْقَضُ لَوْ بَانَا‏)‏ أَيْ الشَّاهِدَانِ ‏(‏فَاسْقِينَ‏)‏ لِوُقُوعِ النِّكَاحِ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَبَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْعَدَالَةِ فَاعْتِبَارُ ذَلِكَ يَشُقُّ فَاكْتُفِيَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فِيهِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَكَذَا لَا يُنْقَضُ إنْ بَانَ الْوَلِيُّ فَاسِقًا ‏(‏غَيْرَ مُتَّهَمَيْنِ لِرَحِمٍ‏)‏ بِأَنْ لَا يَكُونَا مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ الْوَلِيِّ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ أَبِي الزَّوْجَةِ أَوْ جَدِّهَا فِيهِ وَلَا ابْنِهَا وَابْنِهِ فِيهِ، وَكَذَا أَبُو الزَّوْجِ وَجِدُّهُ وَابْنُهُ وَابْنُ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ لِلتُّهْمَةِ وَكَذَا أَبُو الْوَلِيِّ وَابْنُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الشَّاهِدَيْنِ بَصِيرَيْنِ فَتَصِحُّ ‏(‏وَلَوْ أَنَّهُمَا ضَرِيرَانِ‏)‏ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلٍ أَشْبَهَتْ الِاسْتِفَاضَةَ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَتَيَقَّنَ الصَّوْتَ بِحَيْثُ لَا يَشُكُّ فِي الْعَاقِدَيْنِ كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ رَآهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏.‏

وَلَوْ أَنَّ‏.‏

الشَّاهِدَيْنِ ‏(‏عَدُوَّا الزَّوْجَيْنِ أَوْ‏)‏ عَدُوَّا ‏(‏أَحَدِهِمَا، أَوْ‏)‏ عَدُوَّا ‏(‏الْوَلِيِّ‏)‏ لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا نِكَاحُ غَيْرِ هَذَيْنِ الزَّوْجَيْنِ فَانْعَقَدَ بِهِمَا نِكَاحُهُمَا كَسَائِرِ الْعُدُولِ ‏(‏وَلَا يُبْطِلُهُ‏)‏ أَيْ الْعَقْدَ ‏(‏تَوَاصٍ بِكِتْمَانِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مَكْتُومًا وَيُكْرَهُ كِتْمَانُهُ قَصْدًا‏.‏

وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَنَّهُمَا مُتَنَاكِحَانِ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ مُبْهَمَيْنِ ثَبَتَ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهِمَا‏.‏

‏(‏وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ بِخُلُوِّهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ ‏(‏مِنْ الْمَوَانِعِ‏)‏ لِلنِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ عَلَى ‏(‏إذْنِهَا‏)‏ لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ ‏(‏وَالِاحْتِيَاطُ الْإِشْهَادُ‏)‏ بِخُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ وَبِإِذْنِهَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ادَّعَى زَوْجٌ إذْنَهَا‏)‏ لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ ‏(‏وَأَنْكَرَتْ‏)‏ الزَّوْجَةُ إذْنَهَا لِوَلِيِّهَا ‏(‏صُدِّقَتْ قَبْلَ دُخُولِ‏)‏ زَوْجٍ بِهَا مُطَاوِعَةً، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ و‏(‏لَا‏)‏ تُصَدَّقُ فِي إنْكَارِهَا الْإِذْنَ ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الدُّخُولِ بِهَا مُطَاوِعَةً، لِأَنَّ دُخُولَهُ بِهَا كَذَلِكَ دَلِيلُ كَذِبِهَا‏.‏

الشَّرْطُ ‏(‏الْخَامِسُ كَفَاءَةُ زَوْجٍ عَلَى رِوَايَةٍ‏)‏ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ ‏(‏فَتَكُونُ‏)‏ الْكَفَاءَةُ ‏(‏حَقًّا لَلَهُ تَعَالَى وَلَهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ ‏(‏وَلِأَوْلِيَائِهَا كُلِّهِمْ فَ‏)‏ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ‏(‏لَوْ رَضِيَتْ‏)‏ امْرَأَةٌ ‏(‏مَعَ أَوْلِيَائِهَا بِ‏)‏ تَزْوِيجِ ‏(‏غَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَصِحَّ‏)‏ النِّكَاحُ، لِفَوَاتِ شَرْطِهِ ‏(‏وَلَوْ زَالَتْ‏)‏ الْكَفَاءَةُ ‏(‏بَعْدَ عَقْدٍ فَلَهَا فَقَطْ‏)‏ دُونَ أَوْلِيَائِهَا ‏(‏الْفَسْخُ‏)‏ كَعِتْقِهَا تَحْتَ عَبْدٍ‏.‏

قِيلَ لِأَحْمَدَ فِيمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ، فَالْمُعْتَبَرُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وُجُودُهَا حَالَ الْعَقْدِ‏.‏

وَاحْتُجَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ مَنْعَهَا تَزْوِيجَ نَفْسِهَا؛ لِئَلَّا تَضَعَهَا فِي غَيْرِ كُفْؤٍ فَبَطَلَ الْعَقْدُ لِتَوَهُّمِ الْعَارِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَلِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ‏(‏وَعَلَى‏)‏ رِوَايَةٍ ‏(‏أُخْرَى أَنَّهَا‏)‏ أَيْ الْكَفَاءَةَ ‏(‏شَرْطٌ لِلُّزُومِ‏)‏ أَيْ لُزُومِ النِّكَاحِ ‏(‏لَا لِلصِّحَّةِ‏)‏ أَيْ صِحَّةِ النِّكَاحِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ ‏{‏أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةُ وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد‏.‏

‏{‏وَأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَنَكَحَهَا بِأَمْرِهِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقٌّ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَرْأَةِ وَأَوْلِيَائِهَا فَإِذَا رَضُوا بِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِمْ وَلَا حَجْرَ فِيهِ عَلَيْهِمْ ‏(‏فَيَصِحُّ‏)‏ النِّكَاحُ مَعَ فَقْدِ الْكَفَاءَةِ‏.‏

‏(‏وَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ‏)‏ بِغَيْرِ كُفْءٍ بَعْدَ عَقْدٍ ‏(‏مِنْ امْرَأَةٍ وَعَصَبَتِهَا حَتَّى مَنْ يَحْدُثُ‏)‏ مِنْ عَصَبَتِهَا ‏(‏الْفَسْخُ‏)‏ لِعَدَمِ لُزُومِ النِّكَاحِ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ ‏(‏فَ‏)‏ يَجُوزُ أَنْ ‏(‏يَفْسَخَ أَخٌ مَعَ رِضَا أَبٍ‏)‏ لِأَنَّ الْعَارَ فِي تَزْوِيجِ غَيْرِ الْكُفْؤِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ خِيَارُ الْفَسْخِ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ ‏(‏عَلَى التَّرَاخِي‏)‏؛ لِأَنَّهُ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَشْبَهَ خِيَارَ الْعَيْبِ ‏(‏فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِإِسْقَاطِ عَصَبَةٍ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ ‏(‏مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ‏)‏ كَأَنْ مَكَّنَتْهُ عَالِمَةً بِأَنَّهُ غَيْرُ كُفْؤٍ‏.‏

وَيَحْرُمُ تَزْوِيجُ امْرَأَةٍ بِغَيْرِ كُفْءٍ بِلَا رِضَاهَا وَيَفْسُقُ بِهِ الْوَلِيُّ ‏(‏وَالْكَفَاءَةُ‏)‏ لُغَةً الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُسَاوَاةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ ‏{‏الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ‏}‏ أَيْ تَتَسَاوَى‏.‏

فَدَمُ الْوَضِيعِ مِنْهُمْ كَدَمِ الرَّفِيعِ، وَهُنَا ‏(‏دِينٌ فَلَا تُزَوَّجُ عَفِيفَةٌ‏)‏ عَنْ زِنًا ‏(‏بِفَاجِرٍ‏)‏ أَيْ فَاسِقٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ اعْتِقَادٍ؛ لِأَنَّهُ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَذَلِكَ نَقْصٌ فِي إنْسَانِيَّتِهِ فَلَيْسَ كُفْؤَ الْعَدْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ‏}‏ ‏(‏وَمَنْصِبٌ وَهُوَ النَّسَبُ فَلَا تُزَوَّجُ عَرَبِيَّةٌ‏)‏ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ ‏(‏بِعَجَمِيٍّ‏)‏ وَلَا بِوَلَدِ زِنًا لِقَوْلِ عُمَرَ ‏(‏لَأَمْنَعَنَّ تَزَوُّجَ ذَوَاتِ الْأَحْسَابِ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ‏)‏ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّ الْعَرَبَ يَعْتَمِدُونَ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ وَيَأْنَفُونَ مِنْ نِكَاحِ الْمَوَالِي وَيَرَوْنَ ذَلِكَ نَقْصًا وَعَارًا، وَالْعَرَبُ قُرَيْشٌ وَغَيْرُهُمْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ‏.‏

‏(‏وَحُرِّيَّةٌ فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ‏)‏ وَلَوْ عَتِيقَةً ‏(‏بِعَبْدٍ‏)‏ وَلَا بِمُبَعَّضٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ غَيْرُ مَالِكٍ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لَهُ يُشْبِهُ مِلْكَ الْبَهِيمَةِ فَلَا يُسَاوِي الْحُرَّةَ لِذَلِكَ ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ النِّكَاحُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ‏(‏إنْ عَتَقَ‏)‏ الْعَبْدُ ‏(‏مَعَ قَبُولِهِ‏)‏ النِّكَاحَ بِأَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ مَعَ قَبُولِكَ النِّكَاحَ، أَوْ يَكُونَ السَّيِّدُ وَكِيلًا عَنْ عَبْدِهِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ فَيَقُولُ بَعْدَ إيجَابِ النِّكَاحِ لِعَبْدِهِ‏:‏ قَبِلْت لَهُ هَذَا النِّكَاحَ وَأَعْتَقْتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ بَعْدَ الْعَقْدِ يُمْكِنُ الْفَسْخُ فِيهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَتِيقَ كُفْؤٌ لِحُرَّةِ الْأَصْلِ‏.‏

‏(‏وَصِنَاعَةٌ غَيْرُ زَرِيَّةٍ‏)‏ أَيْ دَنِيئَةٍ ‏(‏فَلَا تُزَوَّجَ بِنْتُ بَزَّازٍ‏)‏ أَيْ تَاجِرٍ فِي الْبَزِّ وَهُوَ الْقَمَّاشُ ‏(‏بِحَجَّامٍ وَلَا‏)‏ تُزَوَّجُ ‏(‏بِنْتُ ثَانِي صَاحِبِ عَقَارٍ بِحَائِكٍ‏)‏ وَكَسَّاحٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَشْبَهَ نَقْصَ النَّسَبِ‏.‏

وَفِي حَدِيثٍ ‏{‏الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ إلَّا حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا‏}‏ قِيلَ لِأَحْمَدَ‏:‏ وَكَيْفَ تَأْخُذُ بِهِ وَأَنْتَ تُضَعِّفُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ الْعَمَلُ عَلَيْهِ‏.‏

أَيْ أَنَّهُ يُوَافِقُ الْعُرْفَ‏.‏

‏(‏وَيَسَارٌ بِحَسَبِ مَا يَجِبُ لَهَا فَلَا تُزَوَّجُ مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ‏)‏ لِأَنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي إعْسَارِهِ لِإِخْلَالِهِ بِنَفَقَتِهَا وَمُؤْنَةِ أَوْلَادِهِ، وَلِهَذَا مَلَكَتْ الْفَسْخَ بِإِعْسَارِهِ بِالنَّفَقَةِ، وَلِأَنَّ الْعُسْرَةَ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ يَتَفَاضَلُونَ بِهَا كَتَفَاضُلِهِمْ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ أَبِيهِ لَا أُمِّهِ‏.‏

وَقَدْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَتَسَرَّى بِالْإِمَاءِ وَمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ لَا يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ نَصًّا، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَنَقَلَ مُهَنَّا أَنَّهُمْ كُفُؤٌ لَهُمْ‏.‏

‏[‏باب‏:‏ المحرمات في النكاح‏]‏

الْمُحَرَّمَاتُ فِي النِّكَاحِ ضَرْبَانِ‏:‏ أَيْ صِنْفَانِ ‏(‏ضَرْبٌ‏)‏ يَحْرُمُ ‏(‏عَلَى الْأَبَدِ‏)‏ أَيْ الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى الْأَبَدِ ‏(‏هُنَّ أَقْسَامٌ‏)‏ خَمْسَةٌ ‏(‏قِسْمٌ‏)‏ يَحْرُمْنَ ‏(‏بِالنَّسَبِ وَهُنَّ سَبْعٌ الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ لِأَبٍ‏)‏ وَإِنْ عَلَتْ ‏(‏أَوْ‏)‏ الْجَدَّةُ ‏(‏لِأُمٍّ وَإِنْ عَلَتْ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ‏}‏ وَأُمَّهَاتُك كُلُّ مَنْ انْتَسَبْتَ إلَيْهَا بِوِلَادَةٍ سَوَاءٌ وَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الْأُمِّ حَقِيقَةً وَهِيَ الَّتِي وَلَدَتْكَ، أَوْ مَجَازًا وَهِيَ وَاَلَّتِي وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَتْكَ وَإِنْ عَلَتْ؛ وَمِنْهُ جَدَّاتُك أُمُّ أَبِيكَ، وَأُمُّ أُمِّكَ، وَجَدَّةُ أُمِّكِ وَجَدَّاتُ أَجْدَادِكِ، وَجَدَّاتُ جَدَّاتِكِ‏.‏

وَإِنْ عَلَوْنَ وَارِثَاتٍ كُنَّ أَوْ غَيْرَ وَارِثَاتٍ ذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏{‏هَاجَرَ أُمَّ إسْمَاعِيلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ‏}‏‏.‏

وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ ‏{‏اللَّهُمَّ صَلِّي عَلَى أَبِينَا آدَمَ وَأُمِّنَا حَوَّاءَ‏}‏ ‏(‏وَالْبَنَاتُ‏)‏ لِصُلْبٍ ‏(‏وَبَنَاتُ الْوَلَدِ‏)‏ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ‏(‏وَإِنْ سَفَلَ‏)‏ وَارِثَاتٍ كُنَّ أَوْ غَيْرَ وَارِثَاتٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَبَنَاتُكُمْ‏}‏ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كُنَّ ‏(‏مَنْفِيَّاتٍ بِلِعَانٍ‏)‏ أَوْ كُنَّ ‏(‏مِنْ زِنًا‏)‏ لِدُخُولِهِنَّ فِي عُمُومِ اللَّفْظِ، وَالنَّفْيُ بِلِعَانٍ لَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ كَوْنِهَا خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ‏.‏

وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَخَوَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِمَّا يَأْتِي مِنْ الْأَقْسَامِ، وَيَكْفِي فِي التَّحْرِيمِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهَا بِنْتُهَا وَنَحْوُهَا ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لِغَيْرِهِ ‏(‏وَالْأُخْتُ مِنْ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ‏)‏ وَهِيَ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَالْأُخْتُ لِأُمٍّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ وَأَخَوَاتُكُمْ ‏(‏وَبِنْتٌ لَهَا‏)‏ أَيْ لِلْأُخْتِ مُطْلَقًا ‏(‏أَوْ‏)‏ بِنْتٌ ‏(‏لِابْنِهَا‏)‏ أَيْ ابْنِ الْأُخْتِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِنْتٌ ‏(‏لَبِنْتِهَا‏)‏ أَيْ لِبِنْتِ الْأُخْتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَبَنَاتُ الْأُخْتِ‏}‏ ‏(‏وَبِنْتُ كُلِّ أَخٍ‏)‏ شَقِيقٍ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ ‏(‏وَبِنْتُهَا‏)‏‏.‏

أَيْ بِنْتُ بِنْتِ الْأَخِ ‏(‏وَبِنْتُ ابْنِهَا وَإِنْ نَزَلْنَ كُلُّهُنَّ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَبَنَاتُ الْأَخِ‏}‏ ‏(‏وَالْعَمَّةُ‏)‏ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ‏(‏وَالْخَالَةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَإِنْ عَلَتَا‏)‏ أَيْ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ ‏(‏كَعَمَّةِ أَبِيهِ وَعَمَّةِ‏)‏ أُمِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ‏}‏ ‏(‏وَعَمَّةُ الْعَمِّ لِأَبٍ‏)‏ لِأَنَّهَا عَمَّةُ أَبِيهِ و‏(‏لَا‏)‏ تَحْرُمُ عَمَّةُ الْعَمِّ ‏(‏لِأُمٍّ‏)‏ بِأَنْ يَكُونَ لِلْعَمِّ أَخِي أَبِيهِ لِأُمِّهِ عَمَّةٌ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ، لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ و‏(‏كَعَمَّةِ الْخَالَةِ لِأَبٍ‏)‏ فَتَحْرُمُ؛ لِأَنَّهَا عَمَّةُ الْأُمِّ و‏(‏لَا‏)‏ تَحْرُمُ ‏(‏عَمَّةُ الْخَالَةِ لِأُمٍّ‏)‏ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ ‏(‏كَخَالَةِ الْعَمَّةِ لِأُمٍّ‏)‏ فَتَحْرُمُ؛ لِأَنَّهَا خَالَةُ أَبِيهِ‏.‏

وَ‏(‏لَا‏)‏ تَحْرُمُ خَالَةُ ‏(‏الْعَمَّةِ لِأَبٍ‏)‏ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ ‏(‏فَتَحْرُمُ كُلُّ نَسِيبَةٍ‏)‏ أَيْ قَرِيبَةٍ ‏(‏سِوَى بِنْتِ عَمٍّ وَ‏)‏ بِنْتِ ‏(‏عَمَّةٍ وَبِنْتِ خَالٍ وَبِنْتِ خَالَةٍ وَ‏)‏ إنْ نَزَلْنَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَبَنَاتِ عَمِّكَ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

وَالْقِسْمُ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَبَدِ الْمُحَرَّمَاتُ ‏(‏بِالرَّضَاعِ وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْإِرْضَاعُ مُحَرَّمًا كَمَنْ ‏(‏أَكْرَهَ‏)‏ وَفِي نُسْخَةٍ غَصَبَ ‏(‏امْرَأَةً عَلَى إرْضَاعِ طِفْلٍ‏)‏ فَأَرْضَعَتْهُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ الرَّضَاعُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي سَبَبِ التَّحْرِيمِ كَوْنُهُ مُبَاحًا بِدَلِيلِ ثُبُوتِ تَحْرِيمٍ وَالْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا وَكَذَا لَوْ غَصَبَ لَبَنَ امْرَأَةٍ وَسَقَاهُ طِفْلًا سَقْيًا مُحَرَّمًا ‏(‏وَتَحْرِيمُهُ‏)‏ أَيْ الرَّضَاعُ ‏(‏كَ‏)‏ تَحْرِيمِ ‏(‏نَسَبٍ‏)‏ فَكُلُّ امْرَأَةٍ حَرُمَتْ مِنْ النَّسَبِ حَرُمَ مِثْلُهَا بِالرَّضَاعِ حَتَّى مَنْ ارْتَضَعَتْ مِنْ لَبَنٍ ثَابَ مِنْهُ مِنْ زِنًا كَبِنْتِهِ مِنْ زِنًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَالَ‏:‏ إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي‏.‏

إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ‏.‏

فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ‏}‏ وَفِي لَفْظٍ ‏{‏مِنْ الرَّحِمِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا ‏{‏أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ‏}‏ وَالْبَاقِيَاتُ يَدْخُلْنَ فِي عُمُومِ لَفْظِ سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ فَيَدْخُلُ فِي الْبَنَاتِ بَنَاتُ الرَّضَاعَةِ وَفِي بَنَاتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ بَنَاتُهُمَا مِنْ الرَّضَاعَةِ وَفِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ مِنْ الرَّضَاعِ ‏(‏حَتَّى فِي مُصَاهَرَةٍ فَتَحْرُمُ زَوْجَةُ أَبِيهِ وَ‏)‏ زَوْجَةُ ‏(‏وَلَدِهِ مِنْ رَضَاعٍ كَ‏)‏ مَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَةُ أَبِيهِ وَابْنِهِ ‏(‏مِنْ نَسَبٍ‏)‏ وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ‏}‏ احْتِرَازًا عَمَّنْ تَبَنَّاهُ و‏(‏لَا‏)‏ تَحْرُمُ عَلَى رَجُلٍ ‏(‏أُمُّ أَخِيهِ‏)‏ مِنْ رَضَاعٍ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏أُخْتُ ابْنِهِ مِنْ رَضَاعٍ‏)‏ أَيْ فَتَحِلُّ مُرْضِعَةٌ وَبِنْتُهَا لِأَبِي مُرْتَضِعٍ وَأَخِيهِ مِنْ نَسَبٍ وَتَحِلُّ أُمُّ مُرْتَضِعٍ وَأُخْتُهُ مِنْ نَسَبٍ لِأَبِيهِ وَأَخِيهِ مِنْ رَضَاعٍ؛ لِأَنَّهُنَّ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَنْ يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، وَالشَّارِعُ إنَّمَا حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ لَا مَا يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ‏.‏

الْقِسْمُ ‏(‏الثَّالِثُ‏)‏ الْمُحَرَّمَاتُ ‏(‏بِالْمُصَاهَرَةِ وَهُنَّ أَرْبَعٌ‏)‏ إحْدَاهُنَّ ‏(‏أُمَّهَاتُ زَوْجَتِهِ وَإِنْ عَلَوْنَ‏)‏ مِنْ نَسَبٍ وَمِثْلُهُنَّ مِنْ رَضَاعٍ فَيَحْرُمْنَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ‏}‏ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مِنْ نِسَائِهِ فَتَدْخُلُ أُمُّهَا فِي عُمُومِ الْآيَةِ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ الْقُرْآنُ أَيْ عَمِّمُوا حُكْمَهَا فِي كُلِّ حَالٍ وَلَا تَفْصِلُوا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا ‏{‏مَنْ تَزَوَّجَ‏.‏

امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَبِيبَتَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ ‏(‏وَ‏)‏ الثَّانِي وَالثَّالِثُ ‏(‏حَلَائِلُ عَمُودَيْ نَسَبِهِ‏)‏ أَيْ زَوْجَاتُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ سُمِّيَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ حَلِيلَةً؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ إزَارَ زَوْجِهَا وَمُحَلَّلَة لَهُ ‏(‏وَمِثْلُهُنَّ‏)‏ أَيْ مِثْلُ حَلَائِلِ عَمُودَيْ نَسَبِهِ زَوْجَاتُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ ‏(‏مِنْ رَضَاعٍ فَيَحْرُمْنَ‏)‏ أَيْ أُمَّهَاتُ زَوْجَتِهِ وَحَلَائِلُ عَمُودَيْ نَسَبِهِ وَمِثْلُهُنَّ مِنْ رَضَاعٍ ‏(‏بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ‏)‏ قَالَ فِي الشَّرْحِ لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَيَدْخُلُ فِيهِ زَوْجَةُ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَزَوْجَةُ الِابْنِ وَزَوْجَةُ ابْنِهِ وَابْنُ بِنْتِهِ وَإِنْ نَزَلَ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ و‏(‏لَا‏)‏ تَحْرُمُ ‏(‏بَنَاتُهُنَّ‏)‏ أَيْ بَنَاتُ حَلَائِلِ عَمُودَيْ نَسَبِهِ ‏(‏وَأُمَّهَاتُهُنَّ‏)‏ فَتَحِلُّ لَهُ رَبِيبَةُ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَأُمُّ زَوْجَةِ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ الرَّابِعَةُ ‏(‏الرَّبَائِبُ وَهُنَّ بَنَاتُ زَوْجَتِهِ دَخَلَ بِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ‏)‏ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ‏}‏ ‏(‏أَوْ كُنَّ‏)‏ بَنَاتٍ ‏(‏لِرَبِيبٍ أَوْ‏)‏ كُنَّ بَنَاتٍ لِ ‏(‏ابْنِ رَبِيبِهِ‏)‏ قَرِيبَاتٍ كُنَّ أَوْ بَعِيدَاتٍ وَارِثَاتٍ أَوْ غَيْرَ وَارِثَاتٍ فِي حَجْرِهِ أَوْ لَا، لِأَنَّ التَّرْبِيَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي التَّحْرِيمِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ‏}‏ فَقَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا الشَّرْطِ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِمَفْهُومِهِ‏.‏

‏(‏فَإِنْ مَاتَتْ‏)‏ الزَّوْجَةُ ‏(‏قَبْلَ دُخُولٍ‏)‏ لَمْ تَحْرُمْ بَنَاتُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ‏}‏ ‏(‏أَوْ أَبَانَهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةَ ‏(‏بَعْدَ خَلْوَةٍ وَقَبْلَ وَطْءٍ لَمْ يَحْرُمْنَ‏)‏ أَيْ بَنَاتُهَا لِلْآيَةِ وَالْخَلْوَةُ لَا تُسَمَّى‏.‏

دُخُولًا ‏(‏وَتَحِلُّ زَوْجَةُ رَبِيبٍ‏)‏ بَانَتْ مِنْهُ لِزَوْجِ أُمِّهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَحِلُّ ‏(‏بِنْتُ زَوْجِ أُمٍّ‏)‏ لِابْنِ امْرَأَتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ تَحِلُّ ‏(‏زَوْجَةُ زَوْجِ أُمٍّ‏)‏ لِابْنِهَا ‏(‏وَ‏)‏ يَحِلُّ ‏(‏لِأُنْثَى ابْنُ زَوْجَةِ ابْنٍ‏)‏ لَهَا ‏(‏وَ‏)‏ وَيَحِلُّ لِأُنْثَى ‏(‏زَوْجُ زَوْجَةِ أَبٍ‏)‏ بِأَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجَ زَوْجَةِ أَبِيهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ زَوْجَ ‏(‏زَوْجَةِ ابْنٍ‏)‏ بِأَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجَ زَوْجَةِ ابْنِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ‏}‏ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفُرُوجِ الْحِلُّ إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ‏.‏

‏(‏وَلَا يُحَرَّمُ‏)‏ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَطْءٌ ‏(‏فِي مُصَاهَرَةٍ إلَّا بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ‏)‏ ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِحَائِلٍ ‏(‏وَلَوْ دُبُرًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ فَرْجٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ إذَا وُجِدَ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ فَكَذَا فِي الزِّنَا ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الْوَطْءُ ‏(‏بِشُبْهَةٍ أَوْ بِزِنًا بِشَرْطِ حَيَاتِهِمَا‏)‏ أَيْ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ فَلَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِ مَيِّتَةٍ أَوْ أَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ حَشَفَةَ مَيِّتٍ فِي فَرْجِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ ‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏كَوْنُ مِثْلِهِمَا يَطَأُ وَيُوطَأُ‏)‏ فَلَوْ أَوْلَجَ ابْنٌ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ أَوْلَجَ ابْنُ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِ بِنْتٍ دُونَ تِسْعٍ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ‏.‏

وَكَذَا تَغْيِيبُ بَعْضِ الْحَشَفَةِ وَاللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ دُونَ الْفَرْجِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّ تَحْمِلَ الْمَرْأَةُ مَاءَ أَجْنَبِيٍّ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ، وَيَأْتِي بِهِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ يَحْرُمُ كَالْوَطْءِ، وَإِنَّمَا كَانَ وَطْءُ الشُّبْهَةِ وَالزِّنَا مُحَرَّمًا كَالْحَلَالِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ‏}‏ وَنَظَائِرُهُ، وَلِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ مِنْ التَّحْرِيمِ بِالْوَطْءِ الْمُبَاحِ تَعَلَّقَ بِالْمَحْظُورِ كَوَطْءِ الْحَائِضِ ‏(‏وَيَحْرُمُ‏.‏

بِوَطْءِ ذَكَرٍ مَا يَحْرُمُ بِ‏)‏ وَطْءِ ‏(‏امْرَأَةٍ فَلَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْ لَائِطٍ وَمَلُوطٍ بِهِ أُمُّ الْآخَرِ، وَلَا ابْنَتُهُ‏)‏ أَيْ الْآخَرِ، لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي فَرْجٍ فَنَشَرَ الْحُرْمَةَ كَوَطْءِ امْرَأَةٍ‏.‏

قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّحِيحُ‏:‏ أَنَّ هَذَا لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ فَإِنْ هَؤُلَاءِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِنَّ فِي التَّحْرِيمِ فَيَدْخُلْنَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ‏}‏ وَلَا هُنَّ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِنَّ، وَلِأَنَّهُنَّ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِنَّ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُ التَّحْرِيمِ، فِيهِنَّ فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِنَّ فِي هَذَا حَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ وَمَنْ نَكَحَهُنَّ الْآبَاءُ وَأُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَبَنَاتُهُنَّ وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مِنْهُنَّ وَلَا فِي مَعْنَاهُنَّ الْقِسْمُ ‏(‏الرَّابِعُ‏)‏ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَبَدِ الْمُحَرَّمَةُ ‏(‏بِاللِّعَانِ‏)‏ نَصًّا ‏(‏فَمَنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ وَلَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ‏)‏ لِنَفْيِ وَلَدٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ ‏(‏بَعْدَ إبَانَةٍ لَنَفْيِ وَلَدٍ حُرِّمَتْ أَبَدًا وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ‏)‏ وَيَأْتِي مُوَضَّحًا فِي اللِّعَان‏.‏

الْقِسْمُ ‏(‏الْخَامِسُ‏)‏ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَبَدِ ‏(‏زَوْجَاتُ نَبِيِّنَا‏)‏ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْرُمْنَ ‏(‏عَلَى غَيْرِهِ‏)‏ أَبَدًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا‏}‏ ‏(‏وَلَوْ مَنْ فَارَقَهَا‏)‏ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ ‏(‏وَهُنَّ أَزْوَاجُهُ دُنْيَا وَأُخْرَى‏)‏ كَرَامَةً لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

‏[‏فصل‏:‏ المحرمات إلى أمد‏]‏

الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ الْمُحَرَّمَاتِ ‏(‏إلَى أَمَدٍ وَهُنَّ نَوْعَانِ نَوْعٌ‏)‏ مِنْهُمَا يَحْرُمُ ‏(‏لِأَجْلِ الْجَمْعِ فَيَحْرُمُ‏)‏ الْجَمْعُ ‏(‏بَيْنَ أُخْتَيْنِ‏)‏ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ أَوْ حُرَّةً وَأَمَةً وَسَوَاءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ الْجَمْعُ ‏(‏بَيْنَ امْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَإِنْ عَلَتَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ‏{‏وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى‏}‏ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَإِفْضَاءِ ذَلِكَ لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ‏}‏ مَخْصُوصٌ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ الْجَمْعُ ‏(‏بَيْنَ خَالَتَيْنِ‏)‏ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِنْتَ الْآخَرِ وَتَلِدَ لَهُ بِنْتًا فَالْمَوْلُودَتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالَةُ الْأُخْرَى لِأَبٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏عَمَّتَيْنِ‏)‏ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ أُمَّ الْآخَرِ وَلَدَتَا لَهُ بِنْتًا فَكُلٌّ مِنْ الْمَوْلُودَتَيْنِ عَمَّةُ الْأُخْرَى لِأُمٍّ فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏عَمَّةٍ وَخَالَةٍ‏)‏ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَابْنَهُ أُمَّهَا وَتَلِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتًا فَبِنْتُ الِابْنِ خَالَةُ بِنْتِ الْأَبِ، وَبِنْتُ الْأَبِ عَمَّةُ بِنْتِ الِابْنِ فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى حَرُمَ نِكَاحُهُ‏)‏ أَيْ الذَّكَرُ ‏(‏لَهَا‏)‏ أَيْ الْأُنْثَى ‏(‏لِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ‏)‏ لِأَنَّ الْمَعْنَى‏.‏

الَّذِي لِأَجْلِهِ حَرُمَ الْجَمْعُ إفْضَاؤُهُ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْقَرِيبَةِ، لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنْ التَّنَافُسِ وَالْغَيْرَةِ بَيْنَ الضَّرَائِرِ، وَأُلْحِقَ بِالْقَرَابَةِ الرَّضَاعُ، لِحَدِيثِ ‏{‏يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ ‏(‏بَيْنَ أُخْتِ شَخْصٍ مِنْ أَبِيهِ وَأُخْتِهِ مِنْ أُمِّهِ‏)‏ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَلَّتْ لَهُ الْأُخْرَى وَالشَّخْصُ فِي الْمِثَالِ خَالٌ وَعَمٌّ لِوَلَدِهِمَا، وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِنْتٌ وَوَطِئَا أَمَةً لَهُمَا فَأُلْحِقَ وَلَدُهَا بِهِمَا فَتَزَوَّجَ رَجُلٌ بِالْأَمَةِ وَبِالْبِنْتَيْنِ فَقَدْ تَزَوَّجَ أُمَّ رَجُلٍ وَأُخْتَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَحْرُمُ الْجَمْعُ ‏(‏بَيْنَ مُبَانَةِ شَخْصٍ وَبِنْتِهِ مِنْ غَيْرِهَا وَلَوْ فِي عَقْدٍ‏)‏ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ حَرُمَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ يَكُنْ تَحْرِيمُهَا إلَّا لِلْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَضَاعَ‏.‏

‏(‏فَمَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا‏)‏ كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا ‏(‏فِي عَقْدٍ‏)‏ وَاحِدٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏عَقْدَيْنِ مَعًا‏)‏ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ‏(‏بَطَلَا‏)‏ أَيْ الْعَقْدَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا وَلَا مَزِيَّةَ لَإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَبَطَل فِيهِمَا، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ خَمْسَ زَوْجَاتٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ ‏(‏فِي زَمَنَيْنِ يَبْطُلُ‏)‏ عَقْدٌ ‏(‏مُتَأَخِّرٌ‏)‏ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِهِ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ أَيْ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا جَمْعَ فِيهِ ‏(‏كَ‏)‏ عَقْدٍ ‏(‏وَاقِعٍ‏)‏ عَلَى نَحْوِ أُخْتٍ ‏(‏فِي عِدَّةِ‏)‏ الْأُخْتِ ‏(‏الْأُخْرَى وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ الْأُخْتُ الْأُخْرَى ‏(‏بَائِنًا‏)‏ كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ أَوْ عَلَى عِوَضٍ، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً فِي عِدَّةِ رَابِعَةٍ وَلَوْ مُبَانَةً ‏(‏فَإِنْ جُهِلَ‏)‏ أَسْبَقُ الْعَقْدَيْنِ ‏(‏فُسِخَا‏)‏ أَيْ فَسَخَهُمَا الْحَاكِمُ إنْ لَمْ يُطَلِّقْهُمَا لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ فِي إحْدَاهُمَا وَتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَلَا تُعْرَفُ الْمُحَلَّلَةُ لَهُ فَقَدْ اشْتَبَهَتْهَا عَلَيْهِ وَنِكَاحُ إحْدَاهُمَا صَحِيحٌ وَلَا تَتَيَقَّنُ بَيْنُونَتُهَا مِنْهُ إلَّا بِطَلَاقِهِمَا أَوْ فَسْخِ نِكَاحِهِمَا فَوَجَبَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، قَالَ فِي الشَّرْحِ‏.‏

وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُفَارِقَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ يُجَدِّدَ عَقْدَ الْأُخْرَى وَيُمْسِكَهَا فَلَا بَأْسَ، وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ بِقُرْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ‏(‏وَلِإِحْدَاهُمَا‏)‏ أَيْ إحْدَى مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إذَا عُقِدَ عَلَيْهِمَا فِي زَمَنَيْنِ وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا وَطَلَّقَهُمَا أَوْ فَسَخَ نِكَاحَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ‏(‏نِصْفُ مَهْرِهَا بِقُرْعَةٍ‏)‏ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ فَتَأْخُذُهُ مَنْ تَخْرُجُ لَهَا الْقُرْعَةُ وَلَهُ الْعَقْدُ عَلَى إحْدَاهُمَا فِي الْحَالِ إذَنْ، وَإِنْ أَصَابَ إحْدَاهُمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ خَرَجَتْ الْمُصَابَةُ فَلَهَا مَا سُمِّيَ لَهَا وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْرَى، وَإِنْ وَقَعَتْ لِغَيْرِ الْمُصَابَةِ فَلَهَا نِصْفُ مَا سُمِّيَ وَلِلْمُصَابَةِ مَهْرُ‏.‏

مِثْلِهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَلَهُ نِكَاحُ الْمُصَابَةِ فِي الْحَالِ لَا الْأُخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُصَابَةِ، وَإِنْ أَصَابَهُمَا فَلِإِحْدَاهُمَا الْمُسَمَّى وَلِلْأُخْرَى مَهْرُ الْمِثْلِ يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَنْكِحُ إحْدَاهُمَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْأُخْرَى‏.‏

‏(‏وَمَنْ مَلَكَ أُخْتَ زَوْجَتِهِ أَوْ‏)‏ مَلَكَ ‏(‏عَمَّتَهَا أَوْ‏)‏ مَلَكَ ‏(‏خَالَتَهَا صَحَّ‏)‏ مِلْكُهُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لَلِاسْتِمْتَاعِ وَغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ صَحَّ شِرَاؤُهُ أُخْتَهَا مِنْ رَضَاعٍ ‏(‏وَحَرُمَ أَنْ يَطَأَهَا‏)‏ أَيْ الَّتِي مَلَكَهَا ‏(‏حَتَّى يُفَارِقَ زَوْجَتَهُ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا‏)‏؛ لِئَلَّا يُجْمَعَ مَاؤُهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ، لِحَدِيثِ ‏{‏مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ‏}‏‏.‏

‏(‏وَمَنْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا‏)‏ كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا ‏(‏مَعًا‏)‏ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ‏(‏صَحَّ‏)‏ الْعَقْدُ قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ انْتَهَى، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَطِئَهَا حَلَّ لَهُ شِرَاءُ أُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا كَشِرَاءِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمُزَوَّجَةِ مَعَ أَنَّهُمَا لَا يَحِلَّانِ لَهُ ‏(‏وَلَهُ وَطْءُ أَيِّهِمَا شَاءَ‏)‏ لِأَنَّ الْأُخْرَى لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا كَمَا لَوْ مَلَكَ إحْدَاهُمَا وَحْدَهَا‏.‏

‏(‏وَتَحْرُمُ بِهِ‏)‏ أَيْ بِوَطْءِ إحْدَاهُمَا ‏(‏الْأُخْرَى‏)‏ نَصًّا وَدَوَاعِي الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ‏}‏ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْوَطْءَ وَالْعَقْدَ جَمِيعًا كَسَائِرِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْآيَةِ وَيَحْرُمُ وَطْؤُهُنَّ وَالْعَقْدُ عَلَيْهِنَّ وَلِأَنَّهَا امْرَأَةٌ صَارَتْ فِرَاشًا فَحَرُمْت أُخْتُهَا كَالزَّوْجَةِ ‏(‏حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏بِإِخْرَاجٍ‏)‏ لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا ‏(‏عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ بِبَيْعٍ لِلْحَاجَةِ‏)‏ إلَى التَّفْرِيقِ ‏(‏أَوْ هِبَةٍ‏)‏ مَقْبُوضَةٍ لِغَيْرِ وَلَدِهِ ‏(‏أَوْ تَزْوِيجٍ بَعْدَ اسْتِبْرَاءٍ‏)‏ لِيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلًا مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَلَا يَكْفِي‏)‏ فِي حِلِّ الْأُخْرَى ‏(‏مُجَرَّدُ تَحْرِيمِ‏)‏ الْمَوْطُوءَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ وَلَوْ حَرَّمَهَا إلَّا أَنَّهُ لِعَارِضٍ مَتَى شَاءَ أَزَالَهُ بِالْكَفَّارَةِ فَهُوَ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا يَكْفِي لِحِلِّ الْأُخْرَى ‏(‏كِتَابَةِ‏)‏ الْمَوْطُوءَةِ؛ لِأَنَّهُ سَبِيلٌ مِنْ اسْتِبَاحَتِهَا بِمَا لَا يَقِفُ عَلَى غَيْرِهَا ‏(‏أَوْ رَهْنٍ‏)‏ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ وَطْئِهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِتَحْرِيمِهَا وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِإِذْنِهِ وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى فَكِّهَا مَتَى شَاءَ ‏(‏أَوْ بَيْعِ‏)‏ هَا ‏(‏بِشَرْطِ خِيَارٍ لَهُ‏)‏ أَيْ الْبَائِعِ فَلَا يَكْفِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِرْجَاعِهَا مَتَى شَاءَ بِفَسْخِ الْبَيْعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِمُشْتَرٍ وَحْدَهُ‏.‏

‏(‏فَلَوْ خَالَفَ وَوَطِئَ‏)‏ الْأُخْرَى قَبْلَ إخْرَاجِ الْمَوْطُوءَةِ أَوَّلًا أَوْ بَعْضَهَا عَنْ مِلْكِهِ ‏(‏لَزِمَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُمَا‏)‏ أَيْ الْمَوْطُوءَةِ أَوَّلًا وَالْمَوْطُوءَةِ ثَانِيًا ‏(‏حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا‏)‏ بِإِخْرَاجٍ لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا عَنْ مِلْكِهِ ‏(‏كَمَا تَقَدَّمَ‏)‏ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهَا كَمَا لَوْ وَطِئَهَا ابْتِدَاءً وَحَدِيثُ ‏{‏إنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ‏}‏ غَيْرُ صَحِيحٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَشَرَحَهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ إذَا وَطِئَ الْأُولَى وَطْئًا مُحَرَّمًا كَفِي حَيْضٍ وَنَحْوُهُ ‏(‏فَإِنْ عَادَتْ‏)‏ الْأُولَى ‏(‏لِمِلْكِهِ وَلَوْ‏)‏ كَانَ عَوْدُهَا ‏(‏قَبْلَ وَطْءِ الْبَاقِيَةِ‏)‏ فِي مِلْكِهِ ‏(‏لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى‏)‏ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا عَنْ مِلْكِهِ قَالَ الْمُحِبُّ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ‏:‏ ‏(‏إنْ لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاءٌ‏)‏ كَمَا لَوْ كَانَ زَوْجُهَا فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ ‏(‏فَإِنْ وَجَبَ‏)‏ اسْتِبْرَاءٌ ‏(‏لَمْ يَلْزَمْ تَرْكُ الْبَاقِيَةِ فِيهِ‏)‏ أَيْ فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَ ‏(‏الْمُنَقِّحُ وَهُوَ‏)‏ أَيْ قَوْلُ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ ‏(‏حَسَنٌ‏)‏ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ زَمَنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ مُعْتَدَّةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ تَرْكُ الْبَاقِيَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْعَائِدَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَ سُرِّيَّتِهِ وَلَوْ بَعْدَ إعْتَاقِهَا زَمَنَ اسْتِبْرَائِهَا لَمْ يَصِحَّ‏)‏ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرِدَ عَلَى فِرَاشِ الْأُخْتِ كَالْوَطْءِ وَيُفَارِقَ النِّكَاحُ شِرَاءَ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا صَحَّ شِرَاءُ الْأُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَشِرَاءُ مَنْ تَحْرُمُ بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمُسْتَبْرِئِ ‏(‏نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا‏)‏ أَيْ سِوَى أُخْتِ سُرِّيَّتِهِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ نَحْوِ أُخْتِهَا لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا ‏(‏وَإِنْ تَزَوَّجَهَا‏)‏ أَيْ نَحْوَ أُخْتِ سُرِّيَّتِهِ ‏(‏بَعْدَ تَحْرِيمِ السُّرِّيَّةِ‏)‏ بِنَحْوِ بَيْعٍ ‏(‏وَ‏)‏ بَعْدَ ‏(‏اسْتِبْرَائِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ السُّرِّيَّةُ‏)‏ بِنَحْوِ بَيْعٍ ‏(‏فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ‏)‏ لَا يَنْفَسِخُ بِذَلِكَ لِصِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ السُّرِّيَّةُ حَتَّى تَبِينَ الزَّوْجَةُ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الزَّوْجَةِ حَتَّى يُحَرِّمَ السُّرِّيَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا حَرُمَ فِي‏)‏ زَمَنِ ‏(‏عِدَّتِهَا نِكَاحُ أُخْتِهَا‏)‏ أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَنَحْوِهِمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ‏(‏وَطْؤُهَا‏)‏ أَيْ أُخْتِ مَوْطُوءَتِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا وَعَمَّتِهَا وَنَحْوِهَا ‏(‏إنْ كَانَتْ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً‏)‏ لَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ‏(‏أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ غَيْرِهَا‏)‏ أَيْ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ‏(‏بِعَقْدٍ‏)‏ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ رَابِعَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ مَوْطُوءَتِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ‏(‏أَوْ وَطْءٍ‏)‏ أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَوَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ مِنْهُنَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ مَوْطُوءَتِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا؛ لِئَلَّا يُجْمَعَ مَاؤُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ‏.‏

‏(‏وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ مَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ فِي عِدَّتِهَا‏)‏ كَمُعْتَدَّةٍ مِنْ نِكَاحٍ ‏(‏إلَّا مِنْ وَاطِئٍ لَهَا‏)‏ بِشُبْهَةٍ فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ مَنْعَهَا مِنْ النِّكَاحِ لِإِفْضَائِهِ إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ وَهُوَ مَأْمُونٌ هُنَا لِأَنَّ النَّسَبَ كَمَا يَلْحَقُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَلْحَقُ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ طَلَاقٍ و‏(‏لَا‏)‏ يَحِلُّ نِكَاحُ مَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ لِوَاطِئٍ كَغَيْرِهِ ‏(‏إنْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّتَانِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ‏.‏

قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ نِكَاحَهَا إذَا دَخَلَتْ فِي عِدَّةِ وَطْئِهِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي أَشَارَ إلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَلَيْسَ لِحُرٍّ جَمْعُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ‏)‏ زَوْجَاتٍ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ حِينَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ وَقَالَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارِقْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ‏}‏ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَإِذَا مَنَعَ اسْتِدَامَةَ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ فَالِابْتِدَاءُ أَوْلَى وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ‏}‏ أُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ‏}‏ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ لِكُلٍّ تِسْعَةَ أَجْنِحَةٍ وَلَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ تِسْعَةً وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّطْوِيلِ مَعْنَى، وَمَنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ جَهِلَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ ‏(‏إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ‏)‏ تَكْرِمَةً لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ ‏(‏وَفُسِخَ تَحْرِيمُ الْمَنْعِ‏)‏ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ‏}‏ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ‏}‏‏.‏

‏(‏وَلَا لِعَبْدٍ جَمْعُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ‏)‏ أَيْ زَوْجَتَيْنِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّاسَ كَمْ يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ اثْنَتَيْنِ وَطَلَاقُهُ اثْنَتَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْ وَهُوَ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ مَعَ أَنَّ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْأَحْرَارِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ وَلِأَنَّ مَبْنَى النِّكَاحِ عَلَى التَّفْضِيلِ وَلِهَذَا فَارَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أُمَّتَهُ‏.‏

‏(‏وَلِمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ فَأَكْثَرُ جَمْعُ ثَلَاثِ‏)‏ زَوْجَاتٍ نَصًّا ثِنْتَيْنِ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ وَوَاحِدَةً بِنِصْفِهِ الرَّقِيقِ فَإِنْ كَانَ دُونَ نِصْفِهِ حُرٌّ فَلَهُ نِكَاحُ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ‏.‏

‏(‏وَمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ‏)‏ كَحُرٍّ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ عَبْدٍ وَاحِدَةً مِنْ ثِنْتَيْنِ ‏(‏حَرُمَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏تَزَوُّجُهُ بَدَلَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا‏)‏ نَصًّا، لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ إذْ الْعِدَّةُ أَثَرُ النِّكَاحِ فَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا لَكَانَ جَامِعًا بَيْنَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ ‏(‏بِخِلَافِ مَوْتِهَا‏)‏ أَيْ وَاحِدَةٍ مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ فَلَهُ نِكَاحُ غَيْرِهَا فِي الْحَالِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِنِكَاحِهَا أَثَرٌ‏.‏

‏(‏فَإِنْ قَالَ‏)‏ مُطَلِّقُ وَاحِدَةٍ مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ عَنْهَا ‏(‏أَخْبَرَتْنِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَكَذَّبَتْهُ‏)‏ وَأَمْكَنَ انْقِضَاؤُهَا ‏(‏فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَنِكَاحُ بَدَلِهَا‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى بَلْ الْحَقُّ لَلَّهُ تَعَالَى فَنَدِينَهُ فِيهِ وَنُصَدِّقُهُ، وَلِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي ذَلِكَ بِإِرَادَةِ مَنْعِهِ نِكَاحَ غَيْرِهَا ‏(‏وَتَسْقُطُ الرَّجْعَةُ‏)‏ فَلَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا و‏(‏لَا‏)‏ تَسْقُطُ عَنْهُ ‏(‏السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ‏)‏ لَهَا إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً مَعَ تَكْذِيبِهَا لَهُ فِي أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ لَهَا عَلَيْهِ يَدَّعِي سُقُوطَهُ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ لَهُ وَالْأَصْلُ مَعَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيهِ دُونَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يَسْقُطُ ‏(‏نَسَبُ الْوَلَدِ‏)‏ إذَا أَتَتْ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ لِمُدَّةٍ يَلْحَقُ فِيهَا عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ إقْرَارُهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ ثُمَّ تَأْتِي بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏المحرمات لعارض يزول‏]‏

النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إلَى أَمَدٍ الْمُحَرَّمَاتِ ‏(‏لِعَارِضٍ يَزُولُ فَتَحْرُمُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏زَوْجَةُ غَيْرِهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَحْرِيمُ ‏(‏مُعْتَدَّتِهِ‏)‏ أَيْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَحْرُمُ عَلَيْهِ ‏(‏مُسْتَبْرَأَةٌ مِنْهُ‏)‏ أَيْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّةِ وَيُفْضِي تَزَوُّجُهَا إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ أَوْ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ وَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَحْرِيمُ ‏(‏زَانِيَةٍ عَلَى زَانٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى تَتُوبَ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ النَّهْيُ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ أَيْ الْعَفَائِفُ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفَةِ لَا تُبَاحُ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ‏{‏أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ كَانَ يَحْمِلُ الْأُسَارَى بِمَكَّةَ وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالُ لَهَا عَنَاقٌ وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ قَالَ فَجِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ‏:‏ أَنْكِحُ عَنَاقًا‏؟‏ قَالَ فَسَكَتَ عَنِّي فَنَزَلَتْ ‏{‏وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ‏}‏ فَدَعَانِي فَقَرَأَهَا عَلَيَّ وَقَالَ‏:‏ تَنْكِحُهَا‏؟‏‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ‏.‏

وَتَوْبَةُ الزَّانِيَةِ ‏(‏بِأَنْ تُرَاوَدَ عَلَى الزِّنَا فَتَمْتَنِعَ‏)‏ نَصًّا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنْ تَابَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ لِزَانٍ كَغَيْرِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَعَائِشَةَ لَا تَحِلُّ لِزَانٍ بِحَالٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا قَبْلَ‏.‏

التَّوْبَةِ أَوْ الِاسْتِبْرَاءِ فَهُوَ كَقَوْلِنَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَحْرُمُ عَلَيْهِ ‏(‏مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَ‏)‏ حَتَّى ‏(‏تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُمَا‏)‏ أَيْ الزَّانِيَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا مِنْ زَوْجٍ نَكَحَتْهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ هُنَا الْوَطْءُ، ‏{‏لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ‏}‏‏.‏

وَعِدَّةُ زَانِيَةٍ مِنْ فَرَاغِ وَطْءٍ كَمَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ حَمْلِهَا مِنْ زِنًا إنْ كَانَ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَحْرُمُ ‏(‏مُحْرِمَةٌ حَتَّى تَحِلَّ‏)‏ مِنْ إحْرَامِهَا، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا ‏{‏لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ‏}‏ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ الْخِطْبَةَ وَلِأَنَّهُ عَارَضَ مَنْعَ الْخَطِيبِ فَمَنْعُ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَحْرُمُ ‏(‏مُسْلِمَةٌ عَلَى كَافِرٍ حَتَّى يُسْلِمَ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا‏}‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ‏}‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ تَحْرُمُ ‏(‏عَلَى مُسْلِمٍ وَلَوْ عَبْدًا كَافِرَةٌ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ‏}‏ ‏"‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ ‏(‏غَيْرُ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ‏)‏ وَلَوْ حَرْبِيَّةً ‏(‏أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ‏}‏ فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ مَنْ دَانَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ خَاصَّةً‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ أَبَوَاهَا ‏(‏مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ‏)‏ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ ‏(‏حَتَّى تُسْلِمَ‏)‏ الْكَافِرَةُ فَتَحِلَّ بَعْدَ إسْلَامِهَا لِلْمُسْلِمِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَعُلِمَ مِنْهُ عَدَمُ حِلِّ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا لِمُسْلِمٍ وَلَوْ اخْتَارَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَذَا لَوْ تَوَلَّدَتْ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيَّةٍ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ وَكَذَا الدُّرُوزُ وَنَحْوُهُمْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ‏.‏

‏(‏وَمُنِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ‏)‏ إكْرَامًا لَهُ ‏(‏كَ‏)‏ مَا مُنِعَ مِنْ نِكَاحِ ‏(‏أَمَةٍ مُطْلَقًا‏)‏ أَيْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ‏.‏

وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ يُبَاحُ لَهُ مِلْكُ الْيَمِينِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ مُشْرِكَةً وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ ‏(‏وَلِكِتَابِيٍّ نِكَاحُ مَجُوسِيَّةٍ و‏)‏ لَهُ ‏(‏وَطْؤُهَا بِمَلْكِ يَمِينٍ‏)‏ قِيَاسًا عَلَى الْمُسْلِمِ يَنْكِحُ الْكِتَابِيَّةَ وَيَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ و‏(‏لَا‏)‏ يَحِلُّ نِكَاحُ ‏(‏مَجُوسِيٍّ لِكِتَابِيَّةٍ‏)‏ نَصًّا؛ لِأَنَّهَا أَعْلَى مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَنَتَ الْعُزُوبِيَّةِ لِحَاجَةِ الْمُتْعَةِ أَوْ‏)‏ حَاجَةِ ‏(‏خِدْمَةِ‏)‏ امْرَأَةٍ لَهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا نَصًّا، وَأَدْخَلَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا الْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ إذَا كَانَ لَهُ شَهْوَةٌ يَخَافُ مَعَهَا مِنْ التَّلَذُّذِ بِالْمُبَاشَرَةِ حَرَامًا وَهُوَ عَادِمٌ الطَّوْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَالْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِمَا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ خَوْفُ عَنَتِ الْعُزُوبِيَّةِ ‏(‏مَعَ صِغَرِ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ غَيْبَتِهَا أَوْ مَرَضِهَا‏)‏ أَيْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ نَصًّا‏.‏

‏(‏وَلَا يَجِدُ طَوْلًا‏)‏ أَيْ مَالًا ‏(‏حَاضِرًا يَكْفِي لِنِكَاحِ حُرَّةٍ وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ الْحُرَّةُ ‏(‏كِتَابِيَّةً لَا غَائِبًا وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأْخِيرِ صَدَاقِهَا أَوْ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ تَفْوِيضِ بُضْعِهَا أَوْ وُهِبَ لَهُ فَتَحِلُّ‏)‏ لَهُ الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ خَوْفَ الْعَنَتِ وَعَدَمِ الطَّوْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ‏}‏ وَالصَّبْرُ عَنْ إنْكَاحِهَا مَعَ الشَّرْطَيْنِ أَوْلَى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ‏.‏

وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَالٌ فَادَّعَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ فَإِنْ عُدِمَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ كَافِرَةً وَلَوْ كِتَابِيَّةً لَمْ تَحِلَّ لِلْمُسْلِمِ لِلْآيَةِ قَالَ فِي الشَّرْحِ‏:‏ أَوْ وَجَدَ مَالًا وَلَمْ يُزَوَّجْ لِقُصُورِ نَسَبِهِ فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ أَيْ مَعَ خَوْفِ الْعَنَتِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعِ الطَّوْلِ إلَى حُرَّةٍ تُعِفُّهُ فَأَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَكَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُزَوِّجُهُ حُرَّةً إلَّا بِزِيَادَةٍ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا تَجْحَفُ بِمَالِهِ ‏(‏وَلَوْ قَدَرَ‏)‏ عَادِمُ الطَّوْلِ خَائِفُ الْعَنَتِ ‏(‏عَلَى ثَمَنِ أَمَةٍ‏)‏ قَدَّمَهُ فِي التَّنْقِيحِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَقِيلَ لَا وَلَوْ كِتَابِيَّةً‏.‏

وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَهُوَ أَظْهَرُ انْتَهَى، وَمِمَّنْ اخْتَارَ الْقَوْلَ الثَّانِي الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ فِي الْإِقْنَاعِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَبْطُلُ نِكَاحُهَا‏)‏ أَيْ الْأَمَةِ إذَا تَزَوَّجَهَا بِالشَّرْطَيْنِ ‏(‏إنْ أَيْسَرَ‏)‏ فَمَلَكَ مَا يَكْفِيهِ لِنِكَاحِ حُرَّةٍ وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً عَلَيْهَا أَوْ زَالَ خَوْفُ الْعَنَتِ وَنَحْوُهُ‏)‏ كَمَا لَوْ نَكَحَ أَمَةً لِحَاجَةِ خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ فَعُوفِيَ مِنْهُ أَوْ غَيْبَةِ زَوْجَتِهِ فَقَدِمَتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ لَا لِاسْتِدَامَتِهِ وَهِيَ تُخَالِفُ ابْتِدَاءَهُ إذْ الرِّدَّةُ وَالْعِدَّةُ وَأَمْنُ الْعَنَتِ يَمْنَعْنَ ابْتِدَاءَهُ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ، وَقَالَ عَلِيٌّ‏:‏ إذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ قَسَمَ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ لِمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِشَرْطِهِ ‏(‏إنْ لَمْ تُعِفُّهُ‏)‏ الْأَمَةُ ‏(‏نِكَاحُ أَمَةٍ أُخْرَى‏)‏ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يُعِفَّاهُ فَلَهُ نِكَاحُ ثَالِثَةٍ وَهَكَذَا ‏(‏إلَى أَنْ يَصِرْنَ أَرْبَعًا‏)‏ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا‏}‏ إلَى آخِرِهِ‏.‏

‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً ‏(‏عَلَى حُرَّةٍ لَمْ تُعِفَّهُ‏)‏ الْحُرَّةُ ‏(‏بِشَرْطِهِ‏)‏ بِأَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ، لِعُمُومِ الْآيَةِ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ إذَا لَمْ يَصْبِرْ كَيْفَ يَصْنَعُ‏؟‏ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ تُعِفُّهُ فَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ أَمَةٍ، أُخْرَى وَإِنْ نَكَحَ أَمَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَسْتَعِفُّ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ لِبُطْلَانِهِ فِي إحْدَاهُمَا وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا‏)‏ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَبَطَلَ فِيهِمَا كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ ‏(‏وَكِتَابِيٌّ حُرٌّ فِي ذَلِكَ‏)‏ أَيْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ‏(‏كَمُسْلِمٍ‏)‏ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا‏.‏

بِالشَّرْطَيْنِ وَكَوْنِهَا كِتَابِيَّةً‏.‏

‏(‏وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ‏)‏ مَعَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْحَدَّ لَكِنْ لَا تُجْعَلُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ وَحَقُّ الزَّوْجِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الْمَنْكُوحَةِ ‏(‏وَلَا تَصِيرُ‏)‏ أَمَةٌ مَنْكُوحَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ‏(‏إنْ وَلَدَتْ أُمَّ وَلَدٍ‏)‏ لِأَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ‏(‏وَلَا يَكُونُ وَلَدُ الْأَمَةِ‏)‏ مِنْ زَوْجِهَا ‏(‏حُرًّا‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَا رَحِمِ مَحْرَمٍ لِسَيِّدِهَا ‏(‏إلَّا بِاشْتِرَاطِ‏)‏ الزَّوْجِ حُرِّيَّتَهُ فَإِنْ اشْتَرَطَهَا فَحُرٌّ‏.‏

لِحَدِيثِ ‏{‏الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ‏}‏ وَلِقَوْلِ عُمَرَ مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ فَلَزِمَ كَشَرْطِ سَيِّدهَا زِيَادَةَ مَهْرِهَا، وَمَنْ نَكَحَ أَمَةً ثُمَّ ادَّعَى فَقْدَ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى بَعْدَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا وَنِصْفُهُ قَبْلَهُ إنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُبَاحُ ‏(‏لِقِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ نِكَاحُ أَمَةٍ وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ ‏(‏لِابْنِهِ‏)‏ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَطَعَ وِلَايَةَ وَالِدِهِ عَنْهُ وَعَنْ مَالِهِ وَلِهَذَا لَا يَلِي مَالَهُ وَلَا نِكَاحَهُ وَلَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ ‏(‏حَتَّى‏)‏ لَوْ تَزَوَّجَهَا ‏(‏عَلَى حُرَّةٍ‏)‏ إنْ قُلْنَا الْكَفَاءَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لِلْعَبْدِ ‏(‏جَمْعٌ بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ ‏(‏فِي عَقْدٍ‏)‏ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْأَمَتَيْنِ و‏(‏لَا‏)‏ يُبَاحُ لِلْعَبْدِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ ‏(‏نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ‏)‏ وَلَوْ مَلَكَتْ بَعْضَهُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ تَتَنَاقَصُ إذْ مِلْكُهَا إيَّاهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ نَفَقَتِهِ عَلَيْهَا وَأَنْ يَكُونَ بِحُكْمِهَا وَنِكَاحُهُ إيَّاهَا يَقْتَضِي عَكْسَ ذَلِكَ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ‏(‏أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْعَبْدِ يَنْكِحُ سَيِّدَتَهُ فَقَالَ‏:‏ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَحْنُ بِالْجَابِيَةِ وَقَدْ نَكَحَتْ عَبْدَهَا فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا وَقَالَ لَا يَحِلُّ لَك‏)‏‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُبَاحُ ‏(‏لِأَمَةٍ نِكَاحُ عَبْدٍ وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْعَبْدُ ‏(‏لِابْنِهَا‏)‏ لَقَطَعَ رِقُّهَا التَّوَارُثَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏أَنْ تَتَزَوَّجَ‏)‏ أَمَةٌ ‏(‏بِسَيِّدِهَا‏)‏ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَإِبَاحَةَ الْبُضْعِ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَقْدٌ أَضْعَفُ مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُبَاحُ ‏(‏لِحُرٍّ أَوْ حُرَّةٍ نِكَاحُ أَمَةِ أَوْ عَبْدِ وَلَدِهِمَا‏)‏ أَيْ لَيْسَ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ وَلَا لِلْحُرَّةِ نِكَاحُ عَبْدِ وَلَدِهَا لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ إذَا مَلَكَ وَلَدُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ ‏(‏وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الزَّوْجَ الْآخَرَ أَوْ‏)‏ بَعْضَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِتَنَافِي أَحْكَامِ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا ‏(‏أَوْ‏)‏ مَلَكَ ‏(‏وَلَدُهُ الْحُرُّ‏)‏ أَيْ وَلَدُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الزَّوْجَ الْآخَرَ أَوْ بَعْضَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ وَلَدِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَمِلْكِ أَصْلِهِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ فَكَانَ كَمِلْكِهِ فِي إسْقَاطِ النِّكَاحِ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَلَكَ ‏(‏مُكَاتَبُهُ‏)‏ أَيْ مُكَاتَبُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ مَلَكَ ‏(‏مُكَاتَبَ وَلَدِهِ‏)‏ أَيْ وَلَدِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ‏(‏الزَّوْجَ الْآخَرَ أَوْ‏)‏ مَلَكَ ‏(‏بَعْضَهُ‏)‏ أَيْ بَعْضَ الزَّوْجِ الْآخَرِ ‏(‏انْفَسَخَ النِّكَاحُ‏)‏ لِمَا سَبَقَ فَلَوْ بَعَثَتْ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ حَرُمْتُ عَلَيْكَ وَنَكَحْتُ غَيْرَكَ وَعَلَيْكَ نَفَقَتِي وَنَفَقَةُ زَوْجِي فَقَدْ مَلَكَتْ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ ابْنَ عَمِّهَا وَهَذَا الْفَسْخُ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فَلَوْ أَعْتَقَتْهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يُحْتَسَبْ بِتَطْلِيقِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ بَيْنَ مُبَاحَةِ وَمُحَرَّمَةٍ كَأَيِّمٍ‏)‏ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ أَيْ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا ‏(‏وَمُزَوَّجَةٍ صَحَّ فِي الْأَيِّمِ‏)‏ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ قَابِلٌ لِلنِّكَاحِ أُضِيفَ إلَيْهَا عَقْدٌ مِنْ أَهْلِهِ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا فِيهِ مِثْلُهَا فَصَحَّ كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ بِهِ وَفَارَقَ الْعَقْدَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَهُنَا قَدْ تَعَيَّنَتْ الَّتِي بَطَلَ فِيهَا النِّكَاحُ وَلَهَا مِنْ الْمُسَمَّى بِقِسْطِ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ ‏(‏بَيْنَ أُمٍّ وَبِنْتٍ صَحَّ‏)‏ الْعَقْدُ ‏(‏فِي الْبِنْتِ‏)‏ دُونَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَضَمَّنَ عَقْدَيْنِ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَصَحَّ فِيمَا يَصِحُّ وَبَطَلَ فِيمَا يَبْطُلُ إذْ لَوْ فَرَضْنَا سَبْقَ عَقْدِ الْأُمِّ ثُمَّ بُطْلَانَهُ ثُمَّ عَقَدَ عَلَى الْبِنْتِ صَحَّ نِكَاحُ الْبِنْتِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِذَا وَقَعَا مَعًا فَنِكَاحُ الْبِنْتِ أَبْطَلَ نِكَاحَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ زَوْجَتِهِ وَنِكَاحُ الْأُمِّ لَا يُبْطِلُ نِكَاحَ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ رَبِيبَتَهُ مِنْ زَوْجَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا‏.‏

‏(‏وَمَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا حَرُمَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ‏)‏ يَمِينٍ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ النِّكَاحُ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى الْوَطْءِ فَهُوَ نَفْسُهُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ ‏(‏إلَّا الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ‏)‏ فَيَحْرُمُ نِكَاحُهَا لَا وَطْؤُهَا بِمِلْكٍ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ إنَّمَا حَرُمَ لِأَجْلِ إرْقَاقِ الْوَلَدِ وَبَقَائِهِ مَعَ كَافِرَةٍ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ‏.‏

‏(‏وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ‏)‏ نَصًّا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مَا يُبِيحُهُ فَغُلِّبَ الْحَظْرُ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ‏.‏

‏(‏وَلَا يَحْرُمُ فِي الْجَنَّةِ زِيَادَةُ الْعَدَدِ‏)‏ عَلَى أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا يَحْرُمُ فِيهَا ‏(‏الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ‏)‏ كَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَنَحْوِهِ ‏(‏وَغَيْرُهُ‏)‏ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ تَكْلِيفٍ‏.‏